رأي ومقالات

أسد البراري: محاولات مصر أو غيرها إعادة الأزمة في دارفور أو السودان، هي كم ينتظر بيضة الديك


معروف علمياً أن الديك لا يبيض، إلا أنّ بيضته صارت مثلاً يُضرب، فيُقال “بيضة الديك” للشيء الذي لا نظير له، ويُقال “بيضة الديك” أيضاً للشيء الذي لا يؤمّل ولا يُنتظر، وكأنه قد صار صِنْوًا للمستحيلات الثلاثة.

– وقالوا في الأمثال “لا تجعلها بيضة الديك”، وهذا من التعابير المأثورة، وأصل المثل أن الديك في زعم بعض الناس قديماً يبيض مرة واحدة، ويقال بيضة الديك للشيء مستحيل الوجود، أو الذي لا يقع إلا مرة واحدة، ومثال ذلك قول الشاعر بشار بن برد لمحبوبته: “قد زرتنا مرة في الدهر واحدة… ثنّي ولا تجعليها بيضة الديك”.

– علي مر السنين في تاريخ الدولة السودانية الحديث منذ فجر الإستقلال، وقبله، عندما بدأت المؤامرة علي السودان بالأنجليز والأتراك ومعاونيهم من مصر، كانت الخطّة هي الإستفادة من السودان، وخيراته وثرواته، ورجاله الذين شهد لهم العالم بالشجاعة والبسالة منذ الحرب العالمية وقبلها إبان جيوش الحضارة السودانية الأقدم.

– وبعد الإستقلال مر السودان بالكثير من المؤامرات والحروب والأزمات من أجل إركاع السودان، وهذا ما قاله وزير الأمن الداخلي السابق “آفي ديختر” : بأن السودان إذا إستقرت وإستفادت من مواردها سيكون لها شأن كبير وستشكل خطراً كبيراً علي أمننا القومي، خاصة بعد مشاركة القوات السودانية مع القوات العربية في كافة حروبهم ضد إسرائيل، إنتهي كلام ديختر، هذه هي الخطّة المستمرة حتي اللحظة، ولكن أصبحت الواجهة دولاً جارة للأسف وعلي رأسها #مصر وجنوب السودان والعميل حفتر.

– حرب المحاور التي تمت قبل إسبوعين، هي إمتداد لحرب بدأت تشتعل بشراسة في العام ٢٠١٢م، حيث كانت الخطط تعد في منطقة “نيو سايت” أو منطقة راجا في دولة جنوب السودان، عندما تجمع قادة المرتزقة “عبد الواحد ومناوي” بالإضافة لقادة مرتزقة “قطاع الشمال”، حيث عدّت المعسكرات للمرتزقة بدعم عسكري بالسلاح في ذلك الوقت، وتدريب مصري وتمويل من أوغندا وبعض الدول الأوروبية.

– فعندما دحر جيش دولة جنوب السودان من منطقة #هجليج، وتم تدمير كامل لأقوي فرقه وهي الفرقة الرابعة – كوماندوز، هرب المرتزقة الذين كانوا في صفوف جيش الجنوب في معركة هجليج، بآليات عسكرية ضخمة منها الدبابات والمدرعات، وبعد الهزيمة الكبيرة لدولة جنوب السودان، قامت بتكوين وتفعيّل ميليشيا ما تسمّي الجبهة الثورية، والدفع بها إلي السودان، وكانت معارك “أبوكرشولا” ٢٠١٣م، والتي هزمت فيها أيضاً ميليشيا ما تسمّي “الجبهة الثورية”.

– بعد تلك الأحداث تم إتخاذ قرار من الحكومة السودانية، لشنّ عمليات عسكرية ضخمة ضد الميليشيات في كامل الجبهات، فكانت عمليات #الصيف_الحاسم في العام ٢٠١٣م، والتي أنهت تماماً المرتزقة من #دارفور، ودمرت الميليشيات في جنوب كردفان والنيل الأزرق.

– بعد الإنجازات الكبيرة لعمليات الصيف الحاسم، ومشارفة القضاء علي فلول التمرد في جنوب كردفان والنيل الأزرق، جاءت قرارات رفع الحظر عن السودان، والتي بموجبها تم التوقف عن العمليات العسكرية، وأعطي التمرد الفرصة الأخيرة حتي نهاية هذا العام، فالتمرد الآن في الولايتين لا يسيطر علي أكثر من ١٠% في مجموع مساحة الولايتين، هذا غير الخلافات الدامية بين مكونات المرتزقة التي قضت علي الكثير منهم في خلال الستّة أشهر الماضية، وإنشقاق الكثير منهم وإنحيازهم للسلام.

– المؤامرات كثيرة لا نريد الخوض فيها كلها، ولكن نقفز مباشرة لمعركة #قوز_دنقو والتي تم القضاء فيها علي معظم ما تسمّي ميليشيا “العدل والمساواة”، التي كانت تتواجد في دولة جنوب السودان، وتوفر لها السلاح بجانب دولة مصر، هذه الميليشيا والتي تم القضاء عليها في العام ٢٠١٥م، حيث دخلت الميليشيات بـ ١١٠٠مرتزق، وقتل أكثر من ٩٠%، وأسر بعض العشرات، وتم إستلام ١٨٠عربة بكامل تسليحها، وإنتهت تماماً ميليشيا ما تسمّي “العدل والمساواة”.

– وخلال الإسبوعين الماضيين، شاهد العالم أجمع خطوات مصر في تجميع فلول مرتزقة “مناوي وعبد الواحد” في ليبيا ودولة جنوب السودان، وتم تدريبهم لأكثر من ثلاث سنوات بواسطة ضباط مصريين، وتم تسليحهم بأسلحة مصرية بعضها محرم دولياً، والدفع بهم إلي السودان، من أجل إعادة أزمة دارفور مجدداً وإيصال رسالة لأمريكا أن السودان مازال مضطرباً، وأن رفع الحظر لابد أن يتوقف أو علي أقل تقدير أن يتأجل، فدفعت الميليشيات إلي السودان، وتم دحرها وتدمير ما تبقي من ميليشيات دارفور، وهما ميليشيا “مناوي وعبد الواحد”.

– هذه الخطوة هي آخر كروت الضغط المصرية تجاه السودان، فحالياً لم يعدّ هناك أي تواجد يذكر لميليشيات دارفور سواءً في ليبيا، أو جنوب السودان، وتحاول يائسة في التواصل مع قادة ميليشيات ما تسمّي “قطاع الشمال”، في دولة جنوب السودان، وأحداث معسكر “المابان” داخل دولة جنوب السودان، مؤخراً، ليست بعيدة عن الخطّ الذي يسير في “القطاع” حالياً بإتجاه مصر، ولكنها أيضاً محاولات “الغريق الذي يتشبث بقشة”.

– إن محاولات مصر أو غيرها إعادة الأزمة في دارفور أو السودان، هي كم ينتظر بيضة الديك، فكما قال السيد الرئيس “بنقول للناس بي جاي وبي جاي رسلوا لينا مزيد من العربات وهذه العمليات هي مجرد تمارين لينا، وليست عمليات حقيقية”، فقبلهم دعمت بريطانيا ودول أوروبية عِدة، التمرد في السودان بكافة أنواع الدعم ومعها إسرائيل ودول إفريقية بجيوشها، من أجل إستلام السلطة بقوة السلاح، وبنظرة سريعة علي الواقع حولنا نري حال تلك الدول التي دعمت التمرد والحالة السودانية الآن، لتعرف مصر ودولة جنوب السودان، أنهم واهمون بتحقيق أي من أهدافهم في إعادة الأزمة في السودان، والأولي أن ينتبهوا لبلدانهم التي يضرب فيها الإرهاب في عمق القاهرة، والمجاعة التي ضربت كافة أرجاء دولة جنوب السودان، فتلك الأموال والسلاح أولي به بلدانهم التي تعاني في كافة مناحي حياتها اليومية، وبدل صرف تلك المليارات في أسلحة وتدريب، أن يغذوا بها خزائنهم التي تحتاج لكل “جنيه وفكّة”.

بقلم
أسد البراري