تحقيقات وتقارير

دول الخليج وقطر.. طلاق بائن


أمريكا تدعو للتسوية وروسيا لاتتدخل في الشأن الداخلي

في تطور خطير للأحداث السياسية بمنطقة الخليج العربي، ومع الساعات الأولى من صباح أمس العاشر من رمضان، وفي حدث قلب الموازين في الخارطة الساسية العالمية، أقدمت أربع دول خليجية أبرزها السعودية والبحرين والإمارات واليمن بجانب مصر، إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، بسبب ماراج عن تدخلها في الشؤون الداخلية لهذه الدول، بجانب دعمها الإرهاب، بحسب بيانات رسمية أخرجتها هذه الدول وتأتي تلك التطورات في أعقاب بث تصريحات منسوبة لأمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني الشهر الماضي، قال فيها إنه من غير الحكمة معاداة إيران، ورفض تصعيد الخلاف معها، ورغم أن وكالة الأنباء القطرية أصدرت بياناً في وقت لاحق نفت فيه صحة التصريحات، وقالت إن موقعها الإلكتروني تعرض للقرصنة، إلا أن وسائل الإعلام السعودية والإماراتية شنت هجوماً حاداً على قطر، بينما نشرت وكالات الأنباء الرسمية في تلك الدول تباعاً بيانات رسمية عن قطع العلاقات مع الحكومة القطرية، خاصة بعد الزيارة الشهيرة للرئيس الأمريكي ترامب إلى المملكة العربية السعودية مؤخراً .. ووفقاً لمصدر سعودي مسؤول فإن حكومة المملكة العربية السعودية، انطلاقاً من ممارسة حقوقها السيادية التي كفلها القانون الدولي، وحمايةً لأمنها الوطني من مخاطر الإرهاب والتطرف، فإنها قررت قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع دولة قطر.

مبررات دبلوماسية
و قررت المملكة العربية السعودية إغلاق كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية، ومنع العبور في الأراضي والأجواء والمياه الإقليمية السعودية، وأكدت عبر بيانها أن السلطات القطرية دأبت على النكوص بالتزاماتها الدولية، وخرق الاتفاقيات التي وقعتها تحت مظلة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بالتوقف عن الأعمال العدائية ضد المملكة، والوقوف ضد الجماعات والنشاطات الإرهابية، وكان آخر ذلك عدم تنفيذها لاتفاق الرياض، وأضاف البيان” إنفاذاً لقرار قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية يمنع على المواطنين السعوديين السفر إلى دولة قطر، أو الإقامة فيها، أو المرور عبرها، وعلى المقيمين والزائرين منهم سرعة المغادرة خلال مدة لا تتجاوز 14 يوماً، كما يمنع، لأسباب أمنية احترازية دخول أو عبور المواطنين القطريين إلى المملكة العربية السعودية، مع تأكيد المملكة التزامها وحرصها على توفير كل التسهيلات والخدمات للحجاج والمعتمرين القطريين، واعتبرت المملكة أن قراراتها كانت محصلة صبر طويل، رغم استمرار السلطات في الدوحة، وقال البيان “لقد اتخذت المملكة العربية السعودية قرارها الحاسم هذا نتيجة للانتهاكات الجسيمة التي تمارسها السلطات في الدوحة، سراً وعلناً، طوال السنوات الماضية بهدف شق الصف الداخلي السعودي، والتحريض للخروج على الدولة والمساس بسيادتها، واحتضان جماعات إرهابية وطائفية متعددة تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة، ومنها جماعة (الإخوان المسلمين) و(داعش) و(القاعدة)، والترويج لأدبيات ومخططات هذه الجماعات عبر وسائل إعلامها بشكل دائم

حملة تحريض
وفي ردها على الخطوة، اعتبرت قطر إن هذه القرارات تهدف إلى وضعها تحت الوصاية، وأنها تعد انتهاكاً لسيادة الدولة القطرية، وأضافت لقد تعرضت دولة قطر إلى حملة تحريض تقوم على افتراءات وصلت حد الفبركة الكاملة، ما يدل على نوايا مبيته للإضرار بالدولة، وأكدت عبر وزارة خارجيتها أنها تعتبر عضواً فاعلاً في مجلس التعاون الخليجي وملتزمة بميثاقه وتحترم سيادة الدول الأخرى، ولا تتدخل في شؤونها الداخلية، كما تقوم بواجباتها في محاربة الإرهاب والتطرف، وأكدت الوزارة في بيانها أن “هذه الإجراءات لن تؤثر على سير الحياة الطبيعية للمواطنين والمقيمين في الدولة، وأن الحكومة القطرية ستتخذ كل الإجراءات اللازمة لضمان ذلك، ولإفشال محاولات التأثير على المجتمع والاقتصاد القطريين والمساس بهما، وقالت الوزارة “إن الإدعاءات التي وردت في بيانات قطع العلاقات التي أصدرتها الدول الثلاث، تمثل سعياً مكشوفاً يؤكد التخطيط المسبق للحملات الإعلامية التي تضمنت الكثير من الافتراءات، وأعربت الخارجية القطرية عن أسفها لقرار السعودية والإمارات والبحرين قطع العلاقات الدبلوماسية معها، واعتبرت أن الإجراءات غير مبررة، وتقوم على مزاعم وإدعاءات لا أساس لها من الصحة.

التعامل بحذر
وفي خضم هذه التطورات يبرز سؤال يفرض نفسه حول موقف السودان الذي تربطه مصالح وعلاقات متطورة بين المعسكرين، فقطر: لاعب أساسي في سلام دارفور واستقرار السودان ودعمه في كثير من المواقف الدولية، فضلاً عن استثماراتها التي تعد بالمليارات، أما السعودية التي تقود الدول التي أعلنت مقاطعتها لقطر فهي الكرت الضامن للسودان لرفع العقوبات الأمريكية، وكذلك لديها استثماراتها المتعددة، إلى جانب أن السودان يشارك في التحالف العربي الإسلامي لمكافحة الإرهاب، والسؤال الملح هنا كيف ستتعامل الخرطوم مع هذه الأزمة؟ وماهو موقفها المتوقع والمطلوب منها؟، السفير السابق الرشيد أبو شامة شدد على ضرورة أن يتعامل السودان بغاية الحذر في هذا الشأن، وألا يعلن انحيازه لأي طرف من الأطراف، واعتبر أبو شامة أن هذا الموقف اختبار للدبلوماسية السودانية، وقال لـ (آخر لحظة) لابد أن تقيس الأمور بميزان من ذهب، لأن أي طرف من هذه الأطراف مد أياديه بيضاء لمساعدة السودان، وحول امكانية قيادة السودان وساطة للتسوية بين الطرفين، يرى أبو شامة أن ذلك لا يجدي، لكنه أشار إلى أنه يمكن أن يلعب دوراً مهماً عبر جامعة الدول العربية، مؤكداً على أهمية أن يكون هذا التدخل بذكاء عالي ودبلوماسية رفيعة، السفير يرى أن الدولة الوحيدة التي يمكن أن تؤثر في الأطراف، وتعمل على المصالحة بينهم هي أمريكا، باعتبارها دولة قوية، وتوقع انقشاع الأزمة في وقت قريب، وتراجع الدول المقاطعة عن موقفها .

موقف وسط
وعلى عكس توقعات السفير الرشيد أبو شامة لم يستبعد عضو الموتمر الوطني المحلل السياسي دكتور ربيع عبد العاطي أن يكون للسودان دور جوهري وملموس في هذه القضية، وفقاً لعلاقاته المتميزة التي تربطه بطرفي النزاع، ووصف ربيع خطوة المقاطعة بالمؤلمة، ويشير بعض المراقبين السياسين إلى أن المطلوب من الحكومة السودانية تعمل على تهدئة المواقف، وأن يكون موقفها وسطاً لحساسية موقعها بالنسبة للمعسكرين.

تصحيح المواقف
ويقول أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الإسلامية د.راشد التجاني إنه في إطار ما وصلت إليه العلاقات من توتر بين قطر والسعودية، يلاحظ بأن هنالك حالة من التضخم للأحداث أكثر مما تستوجب على أرضية الواقع وأردف بأن هذه الخلافات لم تكن في مستوى الاضطراب السياسي بين الدولتين، حتى تصل إلى مرحلة القطيعة الدبلوماسية، وتابع أنه من الراجح أن هنالك أيادي دولية خفية تتعمد تصعيد الموقف بين الجانبين، لأن المسببات الحالية للقطيعة الدبلوماسية غير كافية، لجعل المواقف تتفاقم بينهما، مما يجعلها تسهل من مهمة الوساطة في تصحيح الموقف وإخماد التوتر الذي نجم بين الطرفين، ويرى راشد أن السودان يمكنه أن يلعب دوراً محورياً مهمة في التدخل كوسيط لأنها حالة سوء التفاهم التي وقعت بين الدولتين، مرجعاً الخطوة إلى القبول الذي يحظى به السودان وسط دولة قطر بجانب علاقاته المتميزة مع السعودية التي أبرزتها المحافل الدولية المختلفة

بعيد عن المحاباة
أما المحلل السياسي بروفسيور حسن الساعوري يشير إلى وجود ضبابية دبلوماسية تسود المواقف القطرية في إطار موازناتها الإقليمية وتعاطيها مع القضايا السياسية والاستراتجية المتعلقة بدول الخليج العربي، بما يشي بأن مخالفتها لمواثيق التعاون الخليجي بضلوعها في العديد من القضايا الدبلوماسية الحساسة بالمنطقة أبرزها تحالفها غير المعلن مع إيران، الساعوري يؤكد بأن القبول الدولي الذي يحظى به وسط الدولتين يجعله مؤهلاً أكثر من غيرها، للعب دور مفصلي في إيقاف حملات التصعيد التي طرأت بين الدولتين، خاصة وأنه بعيداً من كروت المحاباة التي تنحاز لطرف دون الآخر .

الموقف الأمريكي
تفجرت الأزمة بين دول الخليج وقطر عقب القمة الإسلامية الأمريكية لمحاربة الإرهاب التي انعقدت بالرياض الشهر الماضي، والتي شارك فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بسبب تصريحات منسوبة لأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، وجاء فيها أن الأمير قال في حفل تخريج مجندي الخدمة الوطنية إن “إيران تمثل ثقلًا إقليميًا وإسلاميًا لا يمكن تجاهله، وليس من الحكمة التصعيد معها، وبالرغم من أن قطر نفت تلك التصريحات وأكدت أن موقع كالة الأنباء القطرية تعرض للاختراق من جهات غير معلومة، وكان ترامب دعا خلال هذه القمة لعزل إيران، ووضع حزب الله في قائمة الإرهاب، وتوقع بعض المراقبين أن يكون لواشنطن دور في خلق هذه الأزمة، بيد أنه وفي أول ردة فعل لها إزاء هذا الحدث، دعا وزير الخارجية الأمريكي دعا «ريكس تيلرسون» دول الخليج إلى الحفاظ على وحدتها، والعمل على تسوية الخلافات بينها.

وقال تيلرسون في مؤتمر صحفي عقده في سيدني بأستراليا، ردا على سؤال حول التطورات الأخيرة بين هذه الدول وقطر، إن هناك تراكماً لتوترات بين هذه الأطراف على مدى من الزمن، مضيفاً: بالتأكيد نشجع الأطراف على الجلوس معاً ومعالجة هذه الخلافات، وأضاف إذا كان هناك أي دور يمكن أن نلعبه لمساعدتهم على ذلك، فأعتقد أن المهم لمجلس التعاون الخليجي أن يحافظ على وحدته.

موقف روسيا
وحول موقف روسيا المشهود لها بمواقفها الداعمة لقطر من الأزمة الخليجية القطرية، وقال الناطق الصحفي باسم الرئيس الروسي، دميتري بيسكوف، إن موسكو لا تتدخل في شؤون دول أخرى، ولا في شؤون دول الخليج، لأنها تقدر علاقاتها مع الدول الخليجية مجتمعة ومع كل دولة على حدة.
واستطرد قائلا: “ولذلك يعنينا الحفاظ على العلاقات الودية ونحن حريصون على توفير أجواء مستقرة وسلمية في منطقة الخليج لتسوية الخلافات القائمة في ظلها.».

إعداد: ثناء عابدين ..أيمن المدو
صحيفة آخر لحظة