تحقيقات وتقارير

المتضررون من الإزالة باللاماب..صيام إجباري عن الخدمات


المنازل تتحول إلى أطلال وقطع إمداد المياه عن السكان

مواطنة:تعرضنا لظلم واضح والخيرون لم يقصروا معنا

مواطن:اقتراب موعد بداية العام الدراسي يشكل لنا هاجساً

وجدتها تحتضن طفلاً حديث الولادة ،وهي تسعى جاهدة لإبعاده عن أشعة الشمس الحارقة التي تتسلل عبر سقف راكوبتها المهترئ ،بكل صدق تأثرت لهذا الموقف ودون أن أشعر وجدت الدموع تعبر عما يجيش بدواخلي من حزن وأسىً. المرأة التي زرتها وضعت طفلها قبل حلول هذا الشهر العظيم بأيام معدودة وهذا يعني عدم إكماله الأربعين يوماً حتى الآن ،ولكن لسوء حظه فأنه وحينما أطلت عيناه على الدنيا وجد أن أسرتة دون منزل يحتضنها بعد أن ساوت الجرافات الحكومية به الأرض عقب إزالة حي حوش التلب باللاماب أسوة بمئات المنازل التي لم يجد قاطنوها خياراً غير تشييد “رواكيب ” تقيهم حرارة الشمس وزخات المطر . ذهبنا إليهم في نهار قائظ من هذا الشهر العظيم لنتفقد أوضاعهم ،فهالنا ما وجدنا من واقع بائس يثير الرثاء ويجلب الأسي.

“الله غالب”
الحي الذي تمت إزالته قبل شهر رمضان تحول إلى انقاض وباتت منازله أثراً بعد عين ولكن رغم ذلك فأن السكان البسطاء لم يجدوا أمامهم غير التمسك بأرضهم التي يؤكدون أنهم أصحابها ويستحقونها . بوصولي وجدت أن المشهد العام قد تغير كلياً، فبعد أن كان حياً عامراً يضج بالحركة والمنازل المشيدة من مواد ثابتة، بات أقرب إلى معسكرات النازحين الذين أجلتهم الحرب بكل قساوتها وزخمها . وشاء حظي العاثر أن تبدأ جولتي بمنزل المرأة التي وضعت مولودها قبل رمضان والتي عبرت عن بالغ حزنها باستقبالهم شهر رمضان وهم أقرب إلى المشردين ،مؤكدة معاناة طفلها حديث الولادة جراء ارتفاع درجات الحرارة بسبب الراكوبة المشيدة من الجوالات والكراتين . وقالت إنهم ولرقة حالهم فضلوا البقاء في ذات الأرض التي احتضنتهم عقوداً طوالاً ،وأبدت أسفها لعدم اهتمام الجهات المسئولة والمنظمات بأوضاعهم وقالت وهي تغالب الدموع” نحن نعاني كثيراً عقب الإزالة ولكن الله غالب على أمره”.

لماذا تمت إزالة منازلنا ؟
بهذا السؤال ابتدر أحمد وهو رب أسرة حديثه معي ،ولأنني لا امتلك إجابة فقد التزمت الصمت وتركته يواصل سورة غضبة العارمة وهو يعمل على إصلاح راكوبة كانت تضم بداخلها عدداً من الصغار ،وقال إن الجهات الحكومية تركتهم في العراء دون أن تكترث لأمرهم كثيراً وأدارت ظهرها لهم وهم يعانون الأمرين من أشعة الشمس الحارقة ، مبيناً أن ما يحز في أنفسهم أنهم استقبلوا الشهر الكريم وهم في هذا الوضع الذي يصفه بالبائس ،موضحاً أن حوش التلب يعود تاريخ إنشائه الى العام 1960 ،مؤكداً أنه ظل يقطن في هذا الحي منذ 45 عاماً ،موضحاً أن الإزالة تمت في شهر أبريل بعد أن تم منحهم فرصة أسبوع فقط لإخلاء المنطقة ،معتبراً أن توقيت الإزالة لم يكن مناسباً وأن المسئولين لم يراعوا ظروف الخريف وشهر رمضان المعظم ،مبينا أنهم استأجروا منازل بحوش التلب غير أن صاحب الأرض طالب بالإخلاء ،وأن المواطنين طلبوا منه مايثبت أن ملكية الأرض تعود إليه واتضح أنه يملك مستندات حيازة فقط وفشل أمام المحكمة في اثبات أحقيتة للأرض ،مبيناً أنهم سمعوا بعد ذلك أن الأرض باتت حكومية ومن ثم تم إبعادهم عنها دون التفكير في بيعها لهم أو إيجاد بديل يذهبون إليه .

معاناة حقيقية
وحينما سألت الرجل الخمسيني- أحمد- عن كيف جاء عليهم شهر رمضان هذا العام، سرح ببصره بعيداً وتغيرت ملامح وجهه وبدا عليه التأثر والحزن ،فقال :رمضان شهر عظيم ولايمكن أن نترك صيامه حتى لو اعتمدنا في الإفطار على الماء والبلح،نعم نعاني كثيراً بسبب ارتفاع درجة الحرارة في الرواكيب التي نقطنها بالإضافة إلى ترك معظمنا أعمالهم لحراسة أسرهم ولكن رغم ذلك فان هذا الشهر العظيم يمثل لنا الكثير ولايمكن أن نفرط فيه لعظمة الأجر فيه. مبيناً أن 150 من الأسر التي تقطن حوش التلب تمت إزالة منازلها بالكامل وما تزال في العراء ،ويجزم بضرورة تعويضهم عن الظلم الذي حاق بهم .

ظروف قاسية
وأنا أتجول وسط الأنقاض وركام الإزالة التي حولت أسراً كانت مستقرة إلى مشردين، كان المشهد العام يثير في النفس الكثير من مشاعر الغضب ويطرح التساؤلات . فالسكان رغم ما تعرضوا له، إلا أنهم لم يجدوا أمامهم خياراً مع ارتفاع أسعار إيجارات العقارات غير تشييد منازل من المواد المحلية حتى لايتعرضوا للتشرد ،ومن المشاهد التي تلفت النظر وجود كميات كبيرة من الأثاث المنزلي في العراء وبعضها قد تم تغطيته بمشمعات حتي لايتعرض للتلف بداعي الحرارة وربما الأمطار، وهو أثاث يشي بأن سكان هذا الحي كانوا في استقرار كامل. وحوش التلب باللاماب الذي تبلغ مساحته خمسة أفدنة كان يحتضن اكثر من مائة وخمسين أسرة استقبلت شهر رمضان هذا العام بحزن وأسىً ،وقد علمنا أن ظروف الكثير من هذه الأسر حرجة وتعتمد على دعم الخيرين الذين مدوا لهم يد المساعدة في شهر الرحمة،ومعظم الرواكيب مشيدة من بقايا المنازل وجوالات الخيش وهي لا تقي من أشعة الشمس الحارقة، بيد أن من يقطنونها ليس أمامهم خيار غير انتظار حلول المساء حتي يبارحوا محطة الأجواء الساخنة.

صراخ طفلة
كنت أسأل كل من التقيه بحوش التلب “رمضان كيف معاكم “،فتأتي إجاباتهم حامله بين ثناياها روحاً إيمانية عميقة فجميعهم يقولون “الحمد لله علي كل حال والخير فيما اختاره”. ،ويشعر عدد مقدر منهم بالغبن. واصلت جولتي وقصدت راكوبة أخرى تتسلل إليها أشعة الشمي من معظم أرجائها،وجدت عدداً من النسوة وقد فعلت حرارة الجو فعلتها فيهن،فقد كن يلتحفن فوق ملابسهن أثواباً أخرى وقد غمرنها بالمياه حتى يتغلبن على حرارة الجو مع ما يحسه المرء جراء الصيام ،قالت لي ماجدة خالد التي كانت تحمل طفلة صغيرة لم تتوقف عن البكاء طوال وجودي داخل الراكوبة:أرجو أن تجدي لنا العذر فدرجة الحرارة المرتفعة أجبرتنا على أن نغمر ثيابنا بالمياه حتى نتمكن من إكمال صيامنا،بكل صدق نحن نعاني كثيراً في هذا الشهر العظيم ولكن الحمد لله تمضي أمورنا بترتيب رباني ،نعم نشعر بغضب عارم وحزن عميق بسبب الظلم الذي تعرضنا له من الحكومة ولكن في أزمتنا هذه وقف معنا كثيرون ومنهم الإخوة في اللجنة الشعبية باللاماب وعدد من الخيرين وهؤلاء خففوا علينا كثيراً من صدمة الفاجعة وحجم المعاناة.

“موية وبلح”
أينما توجهت وجدت النساء وقد بللن ثيابهن بالماء ،تحت هجير الشمس، سألت سيدة كبيرة في السن تدعي فاطمة عن ظروفهم فقالت”ترين بعينيك كيف نحن الآن ،نعاني كثيراً والله وحده يعلم حجم الألم بدواخلنا ،فما تعرضنا له جعلنا متلقين للمساعدات من الخيرين بعد ان كانت يدنا هي العليا ولكن الحمد لله علي كل حال”.وتشير الحاجة فاطمة إلى أن أكثر ما أثار غضبهم قطع إمداد المياه عنهم وأضافت :هل وصلت قسوة القلوب بالمسئولين الى درجة إيقاف امداد المياه عنا حتى يجبرونا على الرحيل من المنطقة ،هل يرضى دين الإسلام أن يتم حرمان مسلمين في شهر رمضان من مياه الشرب؟.

عيد بأية حال عدت
جزم عثمان وهو أب لعدد من الأبناء أنه لم يجد أمامه غير بيع عدد مقدر من مقتنيات أسرته حتي يتمكن من توفير الطعام لها ،والرجل الذي كان يتحدث إلينا بأسىً غالب دموعه حتي لاتنساب وقال إن رمضان هذا العام حل عليهم في ظل ظروف بالغة التعقيد وشديدة القسوة،وأبدى حسرته على أن العيد هذا العام سيأتي ويجدهم يقطنون داخل رواكيب ،مبدياً حسرته على واقع أطفالهم الذي يصفه بالبائس وأضاف”بالله عليكم كيف سيستقبل هؤلاء الصغار العيد ،ومن أين لنا بأموال تكفي لشراء ملابس جديدة لهم مثل أترابهم في الأحياء الأخرى ،ولكم أن تتخيلوا الأثر النفسي عليهم ،لانقول إلا ما يرضي الله الذي نحمده علي كل شئ فإن تكون مظلوماً خيراً من أن تكون ظالماً .

إفطار بطعم الحنظل
حينما اقتربت الشمس من المغيب وأنا أتجول في اليوم التاسع لشهر رمضان وسط حي التلب الذي تمت إزالة منازله،كنت أكثر إصراراً على تناول الإفطار مع المتضررين ،وعند اقتراب موعد الإفطار تصادفت جولتي التي بدأت عند الثالثة ظهرًا مروري بالقرب من راكوبة امرأة خمسينية وضعت أمامها “صينية “الإفطار الرمضاني وعندما شاهدتني اقترب منها حاولت أن تغطيها حتى لا أرى ما بداخلها ليس بخلاً منها ولكن حياءً من تواضع حالها وهذا زادني إصراراً على الاقتراب وألقيت عليه التحية فردت بأحسن منها وطلبت مني الافطار معها فوافقت دون تردد وعند الأذان أزالت الغطاء عن الصينية فلم يكن بها سوي صحن به كمية قليلة من التمور فتناولتها معها ومن ثم شربنا مياهاً ساخنة ولم يكن هناك عصير أو عصيدة ،ولكن بعد مرور دقائق معدودة جاءت جارتها تحمل في يدها صحناً به عصيدة بملاح روب ، تناولناها معاً ،المرأة بدت متأثرة فهونت عليها وأخرجتها سريعاً من ذلك الجو المؤثر فتحدثنا في مواضيع مختلفة وحينما عرفت أنني صحفية سردت لي تفاصيل أزمتهم وأكدت بأنهم ضحايا ،بعد ذلك ودعتها ووعدتها بزيارة أخرى في العيد إن شاء الله. وطالبتني بصوت خفيض أن أعفو عنها فقلت لها لماذا فأجابتني “الفطور كان تعبان “،بكل صدق هذه المرة هزمتني دموعي مجدداً فقلت له “المثل السوداني بقول عيب الزاد ولاعيب سيدو وانت لم تقصري معي “.

مخاوف ومطالب
وأنا أهم بالخروج بعد نهاية جولتي بحوش التلب باللاماب الذي تمت أزالة 150 منزل فيه ،أوقفني شاب قال إنه جاء من العمل متأخراً وعرف أنني صحفية ،وأشار إلى انهم تعرضوا إلى ظلم واضح ولم يجدوا غير تفويض أمرهم الى الله ،وقال إن المواطنين يعانون كثيراً في هذا الشهر العظيم بسبب ظروفهم القاسية والصعبة ،ورأى ان التخوف الحقيقي يكمن في هطول الأمطار بالإضافة إلى اقتراب بداية العام الدراسي ،وطالب المحلية وسلطات حكومة ولاية الخرطوم بايجاد حل عاجل لهم حتى لايتعرض أبناؤهم للتشرد والتسرب من المدارس ،وتقدم بشكره إلى اللجنة الشعبية والخيرين الذين ساندوا المتضررين ووقفوا بجانبهم .

الخرطوم:مياه النيل مبارك
صحيفة الصيحة


‫2 تعليقات

  1. الي صحيفة الصيحة وغيرها من الصحف التي تاتي وتنفخ في رماد الفتنة او تزكي غضب الجمهور باشياء هي تعلم انها خطأ اين كانت هذه الصحيف حين كانت هذه العشوائيات تنمو وتكبر لم لا تزرها يوم وتتجول داخلها وتكتب عن نوم المسؤولين وسكوتهم على المخالفات التي تكون مفوضة بالامر الواقع .. لم تاتون وتتعاطفون مع المخالفين و تسكتون عن بلاهة وغباء السلطات المحلية التي يمر مسؤوليها وسط هذه المخالفات يوميا ..
    هذه ليست صحافة هذه اسمها مثيرات البلابل والقلاقل والصيد في الماء العكر ..
    لو اني كنت رئيس تحرير: لا ادع صحفي يكتب وهو جالس في مكتبه ، كنت احفز واشجع الصحفي الذي ياتي بموضعات فعلا تشغل الراي العام ..
    يسكت الناس عن اشياء كثيرة وكان بالامكان من اول يوم معالجتها وايصال رسالة للاخرين ان هذا خطأ ولا يسمح به وكان من الامكان عمل اتيام مراقبة عامة للتعديات ،، مباني ، شوارع ..ساحات والى اخره .. لكن الذي يحدث لايصدق .. تجد المسؤول يخرج من شارع اقتطع الجيران منه اكثر من النصف وكان الامر لايعنيه وبعدها تاتي البلديات وتقول عدم الامانيات للازالة يا اخي المسألة ما كانت محتاجة غير تحذير وغرامة وتهديد بقطع التيار او الماء ومن ثم نشوف مين يقدر يعتدي على الحق العام او يضيق شارع او يبني بيتا غير قانوني

  2. قال تعالى ( سيهزم الجمع ويولون الدبر، بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر )