الصادق الرزيقي

نهاية أسوأ من الهزيمة!!


ما حل بالحركة الشعبية قطاع الشمال، هو نتيجة حتمية لما كان يعتمل في صفوفها بالداخل وتناقضاتها السياسية والتنظيمية، وغياب الرؤية الشاملة التي كانت ستقود للسلام والاستقرار،

فكل شيء كان متاحاً أمام قطاع الشمال في التوصل إلى تسوية سياسية مع الحكومة منذ عام٢٠١١م، بعد انفصال جنوب السودان وتكوين الجنوبيين دولتهم الخاصة بهم، لكن أوهام النضال ومحاولة قراءة الواقع بشكل معكوس ومنقوص أودت بالحركة وقياداتها إلى طريق مسدود لم يفض في نهاية الأمر إلا إلى الانقسام الحاد وتشظي الحركة وذهاب ريحها .

> لم يكن أحد يتصور أن تطورات الأوضاع في صفوف قطاع الشمال يمكن أن تتجه بهذه السرعة إلى خاتمة المطاف وتنهي سنين طويلة من الكفاح المشترك بين قيادات مثل عقار والحلو وعرمان وتوابعهم، فالحرب ظلت على الدوام عدمية لم تنتج شيئاً يعتبر كسباً لصالح المنطقتين أو لصالح الحركة نفسها، فالحركة الشعبية الأم المشغولة بصراعاتها وحرب دولة الجنوب بين جناحيها، لم تجد الفرصة الكافية لمعالجة أدواء وسقام قطاع الشمال، ولم تبذل ما يكفي من جهد لتجميع زمرة قطاع الشمال والضغط عليهم لتناسي خلافاتهم وتجميع صفهم، وتبع ذلك أن حكومة دولة الجنوب نفسها بدت أكثر عجزاً في إقناع قيادات قطاع الشمال بما يضمن الحد الأدنى من الاتفاق في ما بينهم، وتركت الجرح ينزف ويتسع ثم يتعفن .

> استطاع عبد العزيز الحلو أن يفرض إرادته ويهيمن على الحركة ويجلس خلف دفة القيادة بتدبير محكم ومهارة غابت عن غريميه مالك عقار وياسر عرمان، ولا يعني ذلك أنه انتصر وحسب، لكنه اختطف الحركة بمخالب الانتماء ولو من الدرجة الثانية لتقوي تيارات قبائل النوبة، وعبر كيان النوبة أنهى الماراثون الطويل ولعبة القط والفأر بينه وخصومه، من دون أن يبدو للجميع أن هناك طرحاً جديداً يمكن الاعتماد عليه في تطوير البناء والفكرة السياسية التي تقوم عليها الحركة وجعلها قابلة للتعاطي مع الأوضاع الراهنة، والحقيقة الوحيدة أن الحركة في عهد الحلو انكفأت على ذاتها العنصرية مستدعية ومنادية لخطاب سياسي جهوي وعنصري لا يفيد قطاع الشمال، إلا إذا أراد البقاء في الوحل الذي هو فيه .

> لا أفق جديد يمكن أن يوثق فيه ويعتمد عليه، فقد أنهت الحركة وجودها وداست على ما تبقى لها من تماسك، فلا سبيل للتوافق من جديد أو الاتفاق، وسيكون الفيصل بين جناحي الحركة هو المواجهة والتصفية لبعض القيادات ثم الانزواء في الظلام والإخفاق والفشل .
> ولا يبدو هناك أمل كبير في مواصلة التفاوض والوصول إلى حل نهائي في المنطقتين، رغم إعلان عبد العزيز الحلو التزامه بالحل التفاوضي وإعلانه عن تكوين وفد مشترك للمفاوضات من المنطقتين، في ذات الوقت لا تخفي حركات دارفور أو ما تبقى منها من قلق بالغ وإحباط لما حدث داخل الحركة الشعبية من انشقاقات، فقد أعلن جِبْرِيل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة أن الجبهة الثورية تعتبر ميتة بما حدث للحركة الشعبية قطاع الشمال .

> ولعله من السابق لأوانه الحديث عن مصير عقار وعرمان، وهل سيقبلان بالانقلاب الكبير وإزاحتهما من القيادة وإطاحة القيادات العسكرية مثل جقود الذي كان يدين لهما بالولاء وهو رئيس أركان قوات الحركة وقائدها في الميدان؟ فالواضح أن أية مقاومة الآن لقرارات مجموعة الحلو سيكون مصيرها الفشل نظراً لحالة التعبئة الداخلية القبلية والمناطقية، وتلقف أبناء النوبة في الحركة الخطاب العنصري المتشدد الذي يعبر عنه الحلو .
> إذا كانت القوات الحكومية قد سيطرت على الأوضاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق وبيدها زمام المبادرة، فإن ما حدث داخل الحركة هو أكبر من الهزيمة في الميدان، وبمثابة انتحار سياسي ومعنوي لا مثيل له ولا ضريب .

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة