تحقيقات وتقارير

صعود (شاب) .. السعودية .. الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد


صدر مرسوم ملكي بالسعودية يوم أمس (الأربعاء) باختيار الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد بعد إعفاء الأمير محمد بن نايف من المنصب، في إعلان مفاجئ يؤكد أن الأمير البالغ من العمر 31 عامًا نجل الملك سلمان هو الحاكم القادم للمملكة أكبر مصدر للنفط في العالم.

وأضاف المرسوم الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس) أنه تقرر أيضاً إعفاء الأمير محمد بن نايف من منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ومنصب وزير الداخلية وتعيين الأمير محمد بن سلمان نائباً لرئيس مجلس الوزراء مع احتفاظه بحقيبة الدفاع وباقي المناصب التي يتولاها.

وقال المرسوم “يعفى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود من ولاية العهد ومن منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ومنصب وزير الداخلية”.

كما نص المرسوم على “اختيار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولياً للعهد وتعيين سموه نائباً لرئيس مجلس الوزراء مع استمراره وزيراً للدفاع واستمراره فيما كلف به من مهام أخرى”.

وقال المرسوم الملكي إن اختيار الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد حصل على تأييد أعضاء هيئة البيعة بالأغلبية العظمى وذلك بأغلبية 31 من 34″.

وبدافع حرصه الدائم على تبديد أي تكهنات بوجود انقسامات داخلية في عائلة آل سعود الحاكمة سارع التلفزيون السعودي لتوضيح أن هذا التغيير جاء بشكل ودي ويحظى بتأييد أفراد العائلة.

وبث التلفزيون طول صباح أمس (الأربعاء) تغطية للأمير محمد بن نايف وهو يبايع محمد بن سلمان الأصغر منه سناً والذي ركع وقبل يد ابن عمه.

وقال الأمير محمد بن نايف “نبايعك على كتاب الله وسنة رسوله في المنشط والمكره.. الله يعينك.. أنا بارتاح الحين (الآن) وأنت الله يعينك.. موفقين إن شاء الله”. بينما رد الأمير محمد بن سلمان “ما نستغنى عن توجيهاتكم ونصحكم”.

ورحبت هيئة كبار العلماء بالمملكة باختيار الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء “إننا نرحب بهذا الاختيار الموفق لما عرف عن سموه الكريم من الحرص التام على خدمة دينه ووطنه وأمته، كما ننوه بتأييد هيئة البيعة لهذا الاختيار الموفق”.

وقال محللون إن هذا التغيير يمكّن الأمير محمد بن سلمان من الإسراع بخططه لتقليص اعتماد المملكة على النفط والتي تتضمن خصخصة جزئية لشركة أرامكو النفطية التابعة للدولة.

وقال جون سفاكياناكيس مدير مركز الخليج للأبحاث ومقره الرياض “التغيير يعطي دفعة هائلة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، رؤية المملكة 2030، ونموذج التحول بأكمله الذي تسعى المملكة إلى تطبيقه والأمير محمد بن سلمان مهندسه.

وقال برنارد هيكل أستاذ دراسات الشرق الأدنى بجامعة برينستون إن قرار الملك سلمان يهدف إلى تحديد خط الخلافة بوضوح لتفادي صراع على السلطة بين ابنه والأمير محمد بن نايف.

وأضاف “من الواضح أنه تحول حدث بسلاسة ودون إراقة دماء، ستكون الأمور المتعلقة بالخلافة أكثر وضوحاً الآن، كان هناك نوع من التشوش من قبل وسط تخمينات الجميع بشأن ما سيحدث، والآن الأمور واضحة تماماً. وهذا الوضوح يقلل من أي مخاطر، ولا مجال للشك الآن فيمن سيتولى مقاليد الأمور”.

وقال مسؤول سعودي كبير إن القرار اتخذ بسبب ما وصفه بالظروف الخاصة التي عرضت على أعضاء هيئة البيعة، مضيفاً أن الأمير محمد بن نايف دعم القرار في رسالة إلى الملك سلمان.

ووصفت إيران، التي تتنافس مع السعودية على النفوذ في الشرق الأوسط، اختيار الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد في السعودية “بالانقلاب الناعم”. وكانت القيادة الإيرانية انتقدت تصريحات للأمير محمد الشهر الماضي عندما قال إنه يجب نقل “المعركة” إلى إيران.

ووفقا لوسائل إعلام رسمية هنأ زعماء عرب بينهم أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح والسلطان قابوس سلطان عمان والملك عبد الله عاهل الأردن والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الأمير محمد بن سلمان. ولم يشر المرسوم الملكي إلى اختيار ولي جديد لولي العهد وهو منصب جديد نسبياً في السعودية التي عادة ما يختار ملكها ولي عهده.

وفي محاولة واضحة لطمأنة الأسرة الحاكمة تضمن المرسوم بنداً يوضح أنه لن يكون من حق الأمير محمد بن سلمان اختيار أحد أبنائه خلفا له.

وكان الأمير محمد بن سلمان حتى وهو ولي ولي العهد مسؤولاً عن إدارة الحرب التي تقودها السعودية في اليمن ويتولى رسم سياسة الطاقة ويقود خطط إعداد المستقبل الاقتصادي للمملكة لعصر ما بعد النفط.

جاء الإعلان المفاجئ بعد عامين ونصف العام من التغييرات الكبيرة بالفعل في السعودية التي فاجأت حلفاءها في 2015 بشن حرب جوية في اليمن وخفض الدعم السخي للمواطنين وكذلك باقتراحها في عام 2016 خصخصة جزئية لشركة أرامكو النفطية التابعة للدولة.

وقال محللون ماليون إن تصعيد الأمير محمد لتولي ولاية العهد يؤكد أن العناصر المهمة في الإصلاحات الجذرية لتنويع اقتصاد السعودية لعصر ما بعد النفط ستستمر.

وقالت مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري “لا نتوقع أن نرى أي تغييرات كبيرة في جوانب رئيسية للسياسة بما في ذلك الاقتصادية- الأمير محمد بن سلمان يقود بالفعل الأجندة الاقتصادية والسعي نحو تحويل وتحرير الاقتصاد”.

وأعلن الأمير محمد بن سلمان العام الماضي تغييرات كاسحة تهدف إلى إنهاء ما يصفه “بإدمان” المملكة للنفط في إطار حملته للتعامل مع تحديات جذرية لم يسبق للمملكة التصدي لها.

القوة وراء العرش

إلى أن أصبح والده سلمان بن عبد العزيز آل سعود الملك السابع للمملكة العربية السعودية في يناير كانون الثاني عام 2015، لم يكن كثيرون خارج المملكة يعلمون أي شيء عن ابنه الأمير محمد الذي يعتبر الآن بعد أكثر من عامين من توليه منصب ولي ولي العهد القوة وراء عرش المملكة.

ويشغل الأمير محمد منصب وزير الدفاع وهو منصب في السعودية يوفر لمن يتولاه أحد أكبر ميزانيات السلاح في العالم كما يجعله مسؤولا عن المغامرة العسكرية غير المسبوقة للمملكة في اليمن.

ويرأس الأمير محمد أيضاً مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي الذي يضم مجموعة من الوزراء يلتقون أسبوعياً للإشراف على جميع عناصر السياسة التي تمس الاقتصاد أو القضايا الاجتماعية مثل التعليم والصحة والإسكان.

ويرأس الأمير محمد المجلس الأعلى لشركة أرامكو مما يجعله أول فرد من العائلة الحاكمة يشرف مباشرة على الشركة المملوكة للدولة.

وخارج السعودية أثار هذا الصعود السريع والتغييرات المفاجئة لسياسات مستقرة منذ فترة طويلة فيما يتعلق بالشؤون الإقليمية والطاقة والاقتصاد بعض القلق وأضفى قدراً من الغموض على بلد يعتبره حلفاؤه منذ عهد بعيد شريكاً معروفاً لهم.

وداخل المملكة نال ذلك إعجابًا وسط الشباب الذين يعتبرون صعود الأمير محمد دليلاً على أن جيلهم يأخذ موقعاً محورياً في إدارة شؤون البلاد التي تضع تقاليدها منذ عقود من الزمان السلطة في يد كبار السن.

وارتفع المؤشر السعودي أكثر من ثلاثة بالمئة في المعاملات الصباحية يوم الأربعاء بعد إعلان اختيار الأمير محمد وليا للعهد.

وبعد 70 دقيقة من المعاملات النشطة صعد المؤشر السعودي 3.4 بالمئة. وكان سهم البنك الأهلي التجاري، وهو أكبر بنك مدرج في السوق ومن المتوقع أن يلعب دوراً رئيسياً في تمويل بعض الصناعات غير النفطية التي يهدف الأمير محمد لتطويرها، أكبر الرابحين إذ ارتفع عشرة بالمئة.

الصيحة