سياسية

الخرطوم تستعين بالبنك الدولي لجذب الأموال


شرعت وزارة الاستثمار في إعداد خريطة استثمارية بالسودان بمعاونة البنك الدولي ومنظمات ذات صلة قبل أن تشكو من جملة معوقات وتحديات تواجه القطاع.
وأرجع خبراء اقتصاد توجّه الوزارة للاستعانة بالبنك الدولي، إلى توجه البلاد العام لجذب المزيد من الاستثمارات عقب الانفراج الجزئي الذي بدأت تشهده البلاد، ما يدعو إلى البحث عن منافذ جديدة وكيانات دولية تضمن استمرار تدفق الأموال نحو السودان.
ووفقاً لإحصاءات وزارة الاستثمار، تأتي الاستثمارات الصينية بالسودان في المرتبة الأولى، حيث تبلغ قيمتها 15 مليار دولار، تليها المملكة العربية السعودية بـ11 مليار دولار ثم الإمارات والكويت وقطر ومصر.
وتتصدر ألمانيا الدول الأوروبية باستثمارات بلغت 1.4 مليار دولار. وبلغ إجمالي حجم الاستثمارات الأجنبية بالبلاد 42 مليار دولار في 600 مشروع حتى الآن.
وقال وزير الاستثمار السوداني مبارك الفاضل في تصريحات نشرتها صحف محلية مؤخراً إن الحكومة صدقت في العام الماضي على 421 مشروعاً بلغت كلفتها 3.668 مليارات دولار، تصدرها القطاع الخدمي بعدد 221 مشروعاً بحجم 2.286 مليار دولار ثم الزراعي 111 مشروعاً بحجم 764 مليون دولار والصناعي 89 مشروعاً بحجم 618 مليون دولار.
وتواجه العملية الاستثمارية في السودان مجموعة من التحديات، منها غياب الدراسات الكاملة والمعلومات حول إمكانات البلاد الاستثمارية “الخريطة الاستثمارية”، إلا أن وزير الاستثمار قال إنهم شرعوا في إجراءات عملية لإنجاز هذه الخريطة بتعيين مكتب استشاري وطلب معاونة البنك الدولي وبعض منظمات “الانكتاد”.
ومن بين أهم العقبات التي تواجه المستثمر في السودان، تعدد الرسوم التي تُفرض على المشاريع الاستثمارية وتعدد أسعار الصرف، إلى جانب النقص الكبير في البنيات التحتية الأساسية المتمثلة في الكهرباء والتقانة والنقل والتخزين والطرق والمصارف والتمويل والخبرات والعمالة المدربة.
واقترح الوزير مبارك الفاضل جلب قروض ميسرة طويلة الأجل من صناديق إقليمية ودولية لمعالجة النقص الذي تعاني منه البلاد في مجال المقومات الأساسية للعملية الاستثمارية.
وحتى الآن تعتمد السودان على مجهودات أفراد فقط في تجهيزات البنى الأساسية، كما وصفها وزير الاستثمار السابق مدثر عبد الغني، الذي قال لـ”العربي الجديد” ليس لدينا خارطة استثمارية ولكن نسعى إلى تحديد احتياجاتنا في كل المشروعات بخارطة واضحة لتكون ملزمة بالدستور لتتحول إلى قانون يشتمل على كل الجوانب الفنية.
ويؤكد عبد الغني الإمكانيات الاستثمارية الكبيرة التي تزخر بها البلاد، إلا أن مسألة إبرازها في قالب استثماري جيد هي التحدي الحقيقي خاصة في القطاعات المرتبطة بالإنتاج الزراعي ووسائل الري المتنوعة من ري طبيعي وأمطار، مضافاً إليها المياه الجوفية التي تعتبر من مقومات الاستثمار في قطاع الزراعة والثروة الحيوانية، وهنالك قطاعات أخرى كالتعدين والنفط وهي من المزايا الطبيعية التي يتميز بها السودان بجانب الإرادة السياسية التي تعد من الركائز الأساسية إضافة إلى القوانين الجاذبة للاستثمار.
من جانبه يرى أسامة فيصل وزير الدولة بوزارة الاستثمار، أن الوقت قد حان لتعديل القانون ليتواكب مع الفترة القادمة بالتركيز على تحفيز المستثمرين وإعطاء دفعة لهم ولمناخه.
أما الدكتور الفاتح عثمان الخبير الاقتصادي، فشدد على أهمية إحداث نقلة في مجال الاستثمار بإشراك المنظمات الدولية في الترتيبات المقبلة لإعطاء ميزة نسبية إلى القوانين المحلية.
وقال إن إعداد الخرائط الاستثمارية يعتبر عملية تقنية تتجدد وتتطور حسب الحاجة، وبالتالي يحتاج السودان إلى خبرات البنك الدولي لإعداد خريطة متطورة.
وطالب الفاتح في حديثه لـ”العربي الجديد” بأن تكون العملية متواصلة وفقاً للمستجدات العالمية لإتاحة الفرص لتدفق رؤوس الأموال وقال “حتى لا تكون الخريطة جامدة”، مشدداً على أن هنالك أحداثاً تحتاج إلى تعديل ببرنامج متواصل، مثل إنشاء مشروع جديد تبنى عليه مشروعات أخرى، أو اتفاق مع منظومة يخلق فرصاً جديدة، فاللجوء للبنك الدولي مسألة مهمة جداً للعملية الاستثمارية.

وقال الفاتح الاستثمار في السودان يواجه عدة عقبات اقتصادية، أهمها غياب الرؤية الإدارية للاقتصاد.
وأضاف “يمكن لموظف صغير تعطيل مشروع قومي كبير”، إلا إنه يرى إن حلول الخريطة الاستثمارية وحدها لا تكفي، بل يجب أن تترافق معها رؤية كلية تعبر عن رؤية الإدارة للنهوض والتنمية الاقتصادية في البلاد حتى لا يحدث خلل في توزيع المشروعات وتعطليها.
من جانبها ترى وزارة الاستثمار، أنها وضعت رؤيتها للعام الجاري وهي تكملة وتفعيل الخارطة الاستثمارية القومية وتضمين ميزات تفضيلية للاستثمار في المناطق الأقل نمواً والمناطق الخارجة من حالة الحرب لتشجيع المستثمرين للتوجه إليها حتى تلحق بركب التنمية في البلاد.
ومن المتوقع أن تركز رؤية الوزارة وبشكل أساسي على إعادة تشغيل الطاقات الاقتصادية المعطة للإنتاج في القطاعين الزراعي والصناعي وإدخال ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية في المشاريع المروية التي تقع خارج دائرة الإنتاج إلى الدورة الإنتاجية.
كما سيتم التركيز أيضاً على بناء بعض البنى التحتية من قنوات وكهرباء وطرق وتأهيلها، مع إعطاء الأولوية لإعادة تشغيل تلك المشروعات بالمناطق التي تأثرت بالنزاعات بهدف توفير فرص العمل وتمكين المجتمعات المحلية من تحسين أوضاعها الاقتصادية ودعم جهود السلام والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والمساهمة في توفير الغذاء بما يتسق وجهود الدولة في الأمن الغذائي وزيادة الإنتاج والصادرات.
إلى ذلك توقع اقتصاديون مواصلة معدلات التضخم في السودان ارتفاعها بسبب مشتريات العيد الأساسية ودخول العام الدراسي، وهو ما يزيد من معاناة المواطنين بزيادة بند الصرف.
ويرسم خبراء الاقتصاد، صورة قاتمة لمستقبل السودان الاقتصادي جراء الركود الكبير الذي ظل يلازم الأسواق وشكوى التجار من قلة المشتريات وارتفاع الأسعار دون أية مبررات وعدم وجود سيولة في أيدي المواطنين.
وكان الجهاز المركزي للإحصاء قد أعلن ارتفاع معدل التضخم إلى 35.55% في مايو/ أيار الماضي، مقارنة بـ34.8% لشهر أبريل/ نيسان بزيادة 2.03%.
وانتقد اقتصاديون معدلات التضخم التي تعلنها الحكومة ووصفوها بغير المنطقية والحقيقية مقارنة بالوضع الاقتصادي الحالي، لافتين إلى أن التضخم أعلى بكثير من المعدلات الرسمية. وأضافوا أن مستويات التضخم الحقيقية تصل إلى أكثر من 50%.
ودعا الخبراء الحكومة إلى التدخل حتى وإن اضطرت إلى وضع أسعار تأشيرية لتتمكن من كبح جماح الأسعار والتحكم في الوسطاء الذين يسهمون في رفع وزيادة الأسعار بصورة وصفوها بالكبيرة مقارنة مع ارتفاع أسعار السلع عالمياً وإن تم حسابها بالدولار في السوق الموازية.
في هذا الصدد قال الخبير الاقتصادي أحمد آدم لـ”العربي الجديد “، في ظل الارتفاع المستمر للأسعار فإن أرقام التضخم المعلنة من جانب الحكومة تحتاج إلى مراجعة، ويرى أن الرقم قابل للزيادة نتيجة لزيادة شراء مجموعة من السلع الغالية لمقابلة احتياجات رمضان والعيد والعام الدراسي.

العربي الجديد