تحقيقات وتقارير

بعد مطالبة دول (الحصار) بإغلاقها فضائية “الجزيرة”.. جزء من الأزمة أم جزء من الحل؟


تباين في المواقف يجتاح الشعوب العربية هذه الأيام ما بين مؤيد ورافض لمطالبة بلدان عربية ضربت حصاراً على دولة قطر بدعوى تمويل ودعم الجماعات الإرهابية إعلامياً عن طريق قناة الجزيرة التي أنشئت بتمويل قطري في العام 1996، حيث أحدثت تحولاً كبيراً في سنوات قصيرة أخرجت خلالها الكثير من الشعوب العربية من حالة الصمت و(الفرجة) التي كانت تعيش فيها بحثاً عن معلومة ومعرفة، منتهجة في ذلك سياسة تحريرية مرسومة تهدف إلى الحياد التام والتماس الموضوعية ونقل الأحداث من مواقعها من دون المشاركة في صناعتها، بهذه الكيفية جاء حديث مدير مكتب قناة الجزيرة بالخرطوم المسلمي الكباشي ظهر أمس بالمنبر الصحفي بـ(طيبة برس) حول فضائية الجزيرة بعد المطالبة الأخيرة بإغلاقها من قبل دول عربية .

تساؤلات

المسلمي أكد أن مسألة ثورات العربي التي اجتاحت العديد من البلدان العربية وإسهام قناة الجزيرة في تغطية جميع تفاصيلها ما بين المؤيد والمعارض، كانت هي النقطة الفارقة في تاريخ القناة، بالإضافة إلى التغلغل في التغطية الحية لمجمل الأحداث المصاحبة لأحداث سبتمبر من العام 2001 والتي فرضت ظهوراً دائماً لتنظيم القاعدة ومعرفة من يقوم عليه من حيث التمويل والأهداف والأغراض.

ويضيف المسلمي أن ثورات الربيع العربي بدورها أفرزت نتائج على مستوى الشعوب العربية منها انتشار حالة الوعي وبروز تساؤلات كانت غائبة بسبب الأنظمة الممسكة بزمام السلطة في تلك البلدان لسنوات بدءاً من شرعية الحكم وحقوق الإنسان والخدمات والتداول السلمي للعملية الديمقراطية.

خط حياد

ويمضي المسلمي في حديثه بأن قناة الجزيرة لم تكن في يوم ما جزءاً من صراع نشب بين الحكومة القطرية وبلدان أخرى حيث كانت على الدوام تسعى وما تزال في التماس خط الحياد والموضوعية، ومؤكدًا أن عملية نقل الأحداث مسألة يقتضيها حجم وقيمة الخبر نفسه وهي ذات الفلسفة التي تنطبق على استضافة الأشخاص سواء المعارضين والموالين للأنظمة مستدلاً في ذلك بظهور شخصيات موالية لنظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي ما يزال يرفض الظهور على شاشة القناة، إذ نحن على استعداد تام لاستضافته، مشدداً على أن السياسة التحريرية للقناة لا تتأثر قط بالنظام في قطر سواء لديه علاقات جيدة أو سيئة مع دولة تكن العداء لقناة الجزيرة، بل إن القضية هي ثوابت مهنية ومدرسة عكفت عليها الجزيرة منذ سنوات. موضحاً أن هناك محاولات ومساعي من قبل أنظمة وأجهزة المخابرات للأنظمة في الدول التي اشتعلت فيها ثورات الربيع العربي وبقية دول بتنفيذ هدف إعادة الإعلام العربي إلى القمقم القديم في إشارة إلى الإعلام الحكومي الذي هدف إلى انسياب المعلومة من أعلى السلطة إلى أسفلها وهم الشعوب، وهو ما قامت به الجزيرة من تحرر بأن جعلت المواطن هو صاحب الأحقية والأسبقية في الحصول عليها وسريانها.

مخطط

وألمح المسلمي إلى وجود مخطط يدار في الخفاء بين أطراف عربية وأخرى إسرائيلية بهدف الإعلان عن تطبيع معلن بين دول عربية وإسرائيل، وأنه ومخافة أن تفسد قناة الجزيرة هذا المخطط لذا جاءت ردود الأفعال الإسرائيلية تشير لحالة من رضاء دولة الكيان عن الحصار الذي فرض على ايران ومواليها. مطالباً في الوقت نفسه بأن لا تكون الأدوات والوسائل الإعلامية جزءاً من الأجندات السياسية، باعتبار أن مطلب مجموعة الدول الفارضة للحصار على قطر بإقصاء قناة الجزيرة من المشهد العربي ليس الأول والجديد، إنما من قبل تعرضت القناة للمضايقة والإغلاق فضلاً عن تعرض صحفيي القناة للاعتقال والضرب والاغتيال، وبرغم مما سبق فإن القناة لا تزال تتمسك بخطها الذي هو تعبير ونقل لحالة ومشهد الشارع العربي بعيدًا عن أي انتماء وتحيز لجماعات وأطراف، وأضاف بقوله: (أعني هنا اتهام ميول القناة لجماعة الإسلام السياسي وهو أمر غير صحيح)، مشيراً إلى أن الحديث عن توصيف ما حدث في مصر بحلول الثلاثين من يونيو على يد الرئيس عبد الفنتاح السيسي بالانقلاب جاء عقب تدقيق واستشارات وقف عليها عدد من الخبراء والمختصين وأصحاب الخبرة من الإعلاميين الذين توصلوا إلى هذا الوصف.

حالة أولى

بالمقابل اعتبر الخبير الإعلامي والصحفي فيصل محمد صالح مسألة الزج باسم قناة إعلامية من ضمن مطالب سياسية لبلدان تعد الحالة الأولى من نوعها، عازياً ما ذهبت إليه دول الخليج العربي الفارضة للحصار على قطر بأنها مسألة نفوذ أكثر من أنها قضية تتصل بقضايا تمويل ودعم الإرهاب حيث إن المملكة العربية السعودية في وقت ما قامت بلعب هذا الدور.

وأردف فيصل أن شعور كل من دول الإمارات العربية المتحدة – السعودية – البحرين – مصر – الأردن بأن الدور القطري في منطقة الشرق الأوسط بدأ في التعاظم وأنها دولة شرعت في لعب أدوار أكبر من حجمها الطبيعي على المستوى السياسي والاقتصادي والعلاقات الخارجية مقارنة بحجم السكان والرقعة الجغرافية جعل هذه الدول تسعى إلى إقصاء القطريين من المشهد العربي بينما هي أيضاً غير معفاة من وزر دعم مجموعات الإسلام السياسي وهو ما ظهر جلياً في السياسة التحريرية مؤخراً لقناة الجزيرة من حيث الميول لهذه المجموعات في مصر – ليبيا – سوريا على حساب الحكومات القائمة ما أقحم القناة في صراعات مباشرة معها وجعلها في خط المواجهة مع هذه الحكومات ما دفع بها إلى إغلاق مكاتبها واعتقال منسوبيها .

أمر مختلف

ويؤكد فيصل أنن في منتصف التسعينيات عندما بدأت قناة الجزيرة في العمل أحدثت تغييرًا واختراقاً كبيراً في ذهنية المشاهد والمتابع العربي لتطورات الأحداث مرورًا بأحداث سبتمبر لعام 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية والحرب الخليجية الثانية في العام 2003، ولكن فور ظهور ثورات الربيع العربي تبدلت الأوضاع وصار الأمر مختلفاً بخلاف ما عرفت عليه بأن صنفت عند بعض الشعوب العربية بغياب المهنية والانحياز ولعب أدوار ليست من اختصاص الآلة الإعلامية التي لها خط مرسوم ومعايير محددة متعارف عليها.

الصيحة