حوارات ولقاءات

وزير الصحة السابق في ولاية القضارف مصطفى الخليل: “إسهال مائي”.. تسمية سياسية وليست طبية


لم تنتبه حكومة القضارف حتى الآن، حسب رؤية المواطنين، لخطورة مرض الإسهال المائي الذي تفشى بصورة حادة، ورغم أنها ترسل إشارات خاطئة ذات مقاصد سياسية؛ مثل إغلاق أو فتح المدارس، إلاّ أن الواقع دائماً ما يفاجئها بصورة أعنف، حيث إن رغبتها السياسية في استدامة واستقرار العام الدراسي يقابلها بعبع فتحها أمام الطلاب في ظل بيئات قابلة لمزيد من تفشي المرض، ثم ليس أقل من ذلك كله التعتيم الذي تضربه على حجم الإصابة والوفيات بالمرض، وتركن لموجه مركزي يمنعها من التصريح إلاّ عبر وزارة الصحة الاتحادية. وبين هذا وذاك يمكن أن يواجه الوضع الصحي وضعاً كارثياً، حسب رأي المهندس مصطفى سيد الخليل، الذي كان يجلس في كرسي وزير الصحة بولاية القضارف خلال حكومة الوحدة الوطنية في العام (2005)، ولديها اجتهادات في فترته التي يمدحها الكثيرون، ها هي شهادته في راهن مرض الإسهال بالقضارف، وعصارة ما يمكن أن يُستفاد منه في حواره مع (اليوم التالي).
* ربما لديك تعريف لمرض الإسهال المائي “المختلف” حوله؟
– بالتأكيد.. حيث يُعتقد طبياً أن كلمة إسهال مائي حاد، هي عرض وليس مرضاً، وأنا في اعتقادي الشخصي أنها تسمية سياسية وليست طبية.
* إذن لماذا دائماً يُحاط الإعلان عن مرض الإسهال لو صحت التسمية بالتعتيم؟
– عندما كنت وزيراً للصحة في القضارف، لم أعلن عن المرض؛ لأن الإعلان عنه يتم بواسطة المعمل، وهو ما يحدد هوية المرض إسهال مائي أم تايفوئيد أم ملاريا، وطيلة الفترات السابقة لم تقل المعامل إنه إسهال مائي، لكن بالمقابل فإن كل الدلائل والمؤشرات تشير إلى ذلك، ثم إن الإعلان عن المرض هو واحد من أنجع السبل لمكافحته، إذ لا يعقل أن تقول للناس إن الغابة بها (كديس) وأنت تعلم أن بها أسداً، لذلك من المهم معرفة أن الغابة بها مرض.
* باعتبار تجربتك السابقة هل ترى أن النظام الصحي في الولاية قادر على صد هجوم مرض الإسهال؟
– النظام الصحي في البلاد وعلى مستوى الولاية، ليس واسعاً بالقدر الذي يمكنه من احتواء أي وباء أو حتى الأمراض المزمنة، حيث إنه على مستوى العلاج يسمح للمريض بالبقاء في الحوادث ليوم واحد، إما أن يذهب لتكملة العلاج في منزله أو يُتوفى، أو ينقل لداخل المستشفى، وهي لا تستوعبه أكثر من شهر، لذلك نحن محتاجون لتوسيع النظام الصحي من حيث عدد الكوادر ونوعيتها، والمباني والمؤسسات.
* بحكم تجربتك.. كيف تقيّم وضع المرض الآن في ولاية القضارف؟
– الوضع في القضارف الآن يمكن وصفه بأنه ينبئ بكارثة، بمعنى وبحكم تجاربنا السابقة في مكافحة الإسهال المائي، اتضح أن تاريخه المرضي يعود للعام (67)، كان في منطقة الفكي أب نافورة في عد الطين، ثم في العام (95) جاء الوباء بصورة أوسع في منطقة العزازة المحطة، حيث تُوفي جراء انتشاره (90) شخصاً، لكن لم يتم ذكره نهائياً، ثم لما جاءت حكومة الوحدة الوطنية أصبح الحديث عن المرض من ناحية سياسية. وفي اعتقادي أن تسييس المرض ليس من صالح أي جهة، لأن البعوض لا يفرق بين الشيوعي والإخوان المسلمين، ويجب علينا أن نأخذ العبرة من الكلاب التي تتعارك، لكن بمجرد ظهور المرفعين تقاتله بصورة جماعية.
* كيف تقيّم انتشار المرض وحجم الإصابة مقارنة مع السنوات الماضية؟
– في تقديري أن المرض مستوطن في ولاية القضارف، بعكس ما يعتقد الناس أنه مرض عرضي يزول، وهو محمول عند مصابين، لذلك فإن التقصي المرضي مهم على أساس مكافحته عند الحاملين له، ونحن من سوء حظنا ظهر في عنفوان الخريف، وأتصور الآن لو استمر الخريف بهذه الصورة ستحدث مشكلة، لأن التغوط في القضارف في العراء والمياه سطحية.
* كثيراً ما يشتكي المواطنون من عدم وصول الرسائل في الإرشادات الصحية؟
– على العكس تماماً.. المناخ ملائم لعمل إرشادات باعتبار أن القضارف ولاية تنوع لغوي، ومن حظنا وقتها أن هنالك (راديو المجتمع)، حيث يقوم بإرسال الرسائل بأكثر من لهجة ولغة، والجهات المستهدفة دائماً هي محل للهشاشة مثل المرأة والأطفال، خاصة في جنوب القضارف، لذلك لا يمكن أن توزع مطبقات إعلانية في مناطق نسبة الأمية فيها متفشية، ولسان الأم هي الأهم، وهو سلاح وطرق إبداعية.
* ظهر خلاف بين رغبة الأهالي في إغلاق المدارس وقرار الحكومة بفتحها ومواصلة الدراسة في ظل شح كادر لمكافحة المرض؟
– أنا كنت أتصور اتخاذ قرار بإجازة للمدارس، ويتم استغلال أفراد الخدمة الوطنية والدارسين في أكاديمية العلوم الصحية، نحن الآن مواجهون بموسم زراعي فيه قرابة أربعة أو خمسة آلاف (كمبو)، وقرابة الألف قرية موزعة في أماكن يصعب الوصول إليها بعد الخريف وهطول الأمطار، وما استفدناه في تجربتنا السابقة أننا وزعنا كل المعينات للمحليات، وأعتقد خيراً فعلت وزارة الصحة الاتحادية، حيث قامت بتوزيع وتشوين المحاليل للمحليات، ثم من المهم تكوين أتيام جوالة لديها القدرة على التواصل، لأن مرض الإسهال لديه ست ساعات فقط، إما أن تتم فيها معالجة المريض أو يموت، وهو مرض لا يرحم.
* الرأي العام يعتقد أن الحكومة غير متصدية للمرض ومتمادية في قرارات تعزز بقاءه؟
– أنا في رأيي أن هذا الأمر لا يخلو من السذاجة السياسية، وأفتكر أن هنالك من وصل لسن اليأس السياسي، لأن السياسة هي ما ينفع الناس لا ما يضرهم، والحكومة من واجبها رفع الضرر وتحقيق أعظم الفوائد، وليست عراكاً مع معارضين، وماذا يضير لو توقف الطلاب عن الدراسة وتم تعديل التقويم في أيام ليس فيها انتشار للمرض، نحن الآن أمام تحدٍّ ولابد من اتخاذ قرارات ضد الناس، وهي على العكس فرصة أمام الحكومة لتجميع كل الناس مع بعضهم بعضا، للوقوف أمام هذا المرفعين، وأنا أرى أن هنالك حراكاً في المساجد ومنظمات المجتمع المدني، وحتى تجربة منتدى شروق، الذي كانت تنظر له الحكومة بغضب، إلا أنه قدم نفسه لوزارة الصحة واستقبلوهم بصورة جيدة، ووقفنا بعيدين.. عيب علينا.
* برأيك الدور المفقود في الوسط الحكومي، وتوقعاتك لانحسار المرض؟
– أنا أتساءل: أين المجلس التشريعي الولائي وأين أعضاؤه؟، هم غير موجودين إطلاقا، في ظل وضع يحتاج لقرارات مدروسة، بديهي جداً أن ينتشر المرض لأن المياه بدأت تتكون في البرك، والمخيف الآن حراك الناس ولأننا في موسم زراعي، يشهد حركة للعاملين، والمزارعون أنفسهم يتحركون داخل الولاية في نشاط مرتبط بالخريف ثم حتى من دول جوار، أنا لا أتمنى لكن أتوقع انتشار المرض، وأتمنى أن يكون مدعاة للوحدة، وللأسف رغم معاصرتي لهذا المرض خلال عامين لم يستدعِني أحد حتى الآن أو يسألني حتى وزير الصحة.

اليوم التالي