رأي ومقالات

(كلام ساكت)


أيام زمان .. عندما يجتمع الأعمام لمناقشة قضايا القرية، كنا نستخدم توزيع الشاي والبلح والماء كوسيلة تقربنا إليهم لنستمع – ونستمتع – بأفكارهم وأمثالهم وطرائف مجلسهم .. واجتمعوا – ذات صيف – لمناقشة قضية تمويل المشروع حتى يتيسر لهم أمر زراعة الذرة.. وكانت الذرة تكتسب أهميتها من حيث إنها المحصول الذي ينتظر حصاده بعض الناس وكل الأنعام بصبر جميل..ولاتزال في الخاطر، تلال القصب الجاف ذات الرص البديع وهي تزين جنبات الشوارع وأسقف المنازل وأركان الميادين، وهكذا يطمئن المزارع على المخزون الاستراتيجي لغذاء أنعامه عاماً كاملاً..!!

:: هذا ما كان يحدث قبل أن يهجر الشباب الزرع والضرع ويرتادوا الفيافي بحثا عن الذهب.. المهم، اجتمع الأعمام لأمر الذرة وشرعوا في طرح أ فكار وآراء كلها بمثابة مقترحات تصب في كيفية تمويل زراعتها..أحدهم، وكان معروفاً باللامبالاة والرأي الأشتر، قطع حبل مقترحاتهم الصائبة ولطم مجلسهم بمقترح مفاده : (ياجماعة ح يحصل شنو يعني لو السنة دي خلينا زراعة الذرة ؟)..قالها بمنتهى اللامبالاة وسكت ..فاستاء الجميع، وكالوا له من السب والشتم ماكالوا، وعندما إقترحوا طرده من الاجتماع، رفض حكيم القرية الاقتراح قائلاً : ( ياجماعة ما تزعلوا، خلوه يتكلم، ده النوع البيفتح خشمو والكلام يجي مارق براهو)، فضحكوا ثم واصلوا اجتماعهم غير مبالين بالمقترح الأشتر..!!

:: واليوم، ليس الوزير أحمد بلال فقط، بل حال السواد الأعظم من ساستنا – أمام وسائل الإعلام – لايختلف كثيرا عن حال ذاك (اللامبالي)..يفتحون أفواههم فتخرج منها التصريحات ( لا إرادياً)، أي كيفما اتفقت أحرفها وكلماتها ومعانييها.. فتوثقها أجهزة التسجيل ثم تنشرها أوتبثها ( كما هي)، فيحزن الرأي العام أوتغضب دول الجوار وربما ( كل العالم).. وهنا، أي بعد الحزن والغضب، يرتبك المسؤول وينتبه بأن تصريحاته تلك لم تخرج من فمه كما يهواه، بل خرجت (لاإرادياً)..ويسارع إلى النفي والتكذيب، ولكن النفي والتكذيب لايجد حيزاً في إعلام هذا العصر المشبع والضاج بأحدث أجهزة التسجيل والتوثيق، فيجلس المصرح (ملوماً محسوراً).. ولوتأنى قليلاً وجمع ما يود قوله في عقله أولاً، ثم أخرجه بفمه إرادياً ومنتظماً، لما ندم وتحسر – وجقلب – بعد نشر حديثه..!!

:: حديث الوزير أحمد بلال للقناة المصرية -هجوماً لقناة الجزرة كان أو تحفظاً لسد النهضة – يليق بالإعلاميين في إطار (الرأي و الرأي الآخر)، ولكن لا يليق بوزير الإعلام والناطق الرسمي باسم حكومة تتخذ الحياد موقفاً في القضايا الاقليمية..بالهجوم غير المسؤول على قناة الجزيرة – في هذا التوقيت – أخرج الوزير أحمد بلال الموقف الحكومي عن مسار الحياد وأكسب التحالف السعودي وإعلامه (صوتاً حكومياً)..وقبل أسبوع، انتقدت موقفاً غير مسؤول لرئيس لجنة بالبرلمان – الطيب مصطفى – عندما هاجم السعودية وسفارتها بالخرطوم وانحاز لقطر بتطرف، فقلت فيما قلت بأن هذا المتحاز لقطر بتطرف لم يعد يمثل نفسه لحين الإستقالة من رئاسة لجنة الاعلام بالبرلمان، وأن حديثه هذا يُجرد برلمان الدولة من الحياد .. ولكن العزاء أن بلال والطيب، وغيرهما كُثر، قيادات تنفيذية وتشريعية (غير مسؤولة)، وأن تصريحاتهم مجرد (كلام ساكت)..!!

الطاهر ساتي


تعليق واحد