سياسية

مكاتب محاماة دولية تسعى لتمثيل السودان في نزاع حلايب وتردد حكومي لمعالجة قضايا الحدود


اجرت مكاتب محاماة دولية اتصالات بالحكومة السودانية اثر تفجر قضية مثلث حلايب الحدودي المتنازع عليه مع مصر مؤخرا وعرضت عليها تمثيل الخرطوم امام المحاكم الدولية.

وطبقا لمراسلات احد المكاتب المتخصصة في قضايا الحدود بعاصمة أوربية اطلعت عليها (سودان تربيون) فإن هناك استراتيجية قانونية تسمح بمقاضاة مصر التي ظلت رافضة لتسوية النزاع عبر التحكيم الدولي.

ويتنازع السودان ومصر السيادة على مثلث حلايب، الذي فرضت مصر سيطرتها عليه منذ العام 1992، ويضم حلايب وأبو رماد وشلاتين، ويقع المثلث في أقصى المنطقة الشمالية الشرقية للسودان على ساحل البحر الأحمر وتسكن المنطقة احدى قبائل البجا السودانية المعروفة.

وعادت قضية حلايب الى الواجهة بعد أبرام المملكة العربية السعودية و مصر العام الماضي اتفاقية مثيرة للجدل لترسيم الحدود البحرية شملت المنطقة البحرية لحلايب وهو ما اعتبره الكثيرون اقرارا ضمنيا من الرياض بسيادة مصر على المثلث.

وقللت الحكومة السودانية وقتها من اهمية الاتفاق واكتفت بالقول انها ستتابعه للتأكد من انه لا يمس حقوق السودان، ورفضت في الوقت نفسه أي اتجاه لاستدعاء سفيري البلدين.
وهناك مفارقة في ان السودان ابرم اتفاقية مع السعودية في مايو 1974 بشأن الاستغلال المشترك لثروات البحر الأحمر في المنطقة المشتركة بينهما، وقعها عن الجانب السوداني وزير الخارجية حينها منصور خالد، وعن السعودي وزير النفط احمد زكي يماني وكانت تشمل المنطقة البحرية لمثلث حلايب وفقا للخريطة المرفقة.

ولا يعرف على وجه التحديد لماذا لم يتم حتى الآن تعيين الحدود البحرية بين السودان والسعودية رغم حسم الخلاف على ثروات البحر الأحمر منذ السبعينيات، ورغم ان الطرف السعودي طلب عدة مرات من الخرطوم الجلوس للتفاوض حول الموضوع.

وأصدر الرئيس السوداني مرسوما في مارس الماضي بشأن خطوط الأساس المستقيمة التي تقاس منها المناطق البحرية للسودان وشملت مثلث حلايب.

وبالتزامن مع ذلك أودعت وزارة الخارجية السودانية لدى الأمم المتحدة إعلانا بتحفظها على مرسوم مماثل اصدره الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عام 1990 وحدد فيه خطوط الأساس المستقيمة للمناطق البحرية المصرية.

وأودعت الحكومة المصرية لاحقا اعتراضا على خطوط الأساس المستقيمة للمناطق البحرية التي أعلنها السودان وأكدت عدم اعترافها بأي إجراء تتخذه الخرطوم أو أي اتفاق دولي يمس “سيادة مصر على حلايب وشلاتين”.

تردد سوداني

ولا تبدي الحكومة السودانية في الوقت الحالي على الأقل أي رغبة في اتخاذ اجراءات تصعيدية حول مثلث حلايب باستثناء تجديدها السنوي لشكوى لدى مجلس الأمن تعود لعام 1958، وذلك عند اندلاع اول مواجهة بين البلدين حول المثلث انتهت بتراجع مصري بعد محاولة الأخير اجراء استفتاء في المنطقة.

وكشف خبير القانون الدولي دكتور فيصل عبد الرحمن علي طه في تصريح لـ(سودان تربيون) عن أنه أوصل رسالة للحكومة السودانية على أعلى المستويات عام 2010 عبر طرف ثالث حذر فيها من ان مصر والسعودية تتفاوضان حول ترسيم حددوهما البحرية وانها تشمل منطقة حلايب وان على الحكومة التحرك لمواجهة أي خطوة تتغول على حقوق السودان.

لكن الرد جاء لاحقا على لسان المتحدث باسم الخارجية في ذلك الوقت خالد موسى، الذي قلل في تصريحات صحفية خلال يناير 2011 من تبعات المفاوضات الجارية. وأضاف ان أي اتفاق بين دولتين ليست له سلطة نفاذ على طرف ثالث مجاور وان موقف السودان في القضية معلوم وموثق في أضابير الأمم المتحدة مغلقا بذلك الباب أمام أي إجراء يمكن ان تتخذه الخرطوم لمواجهة الأمر.

ولكن فيصل فند هذه التصريحات وشدد على انه لو كان هناك مجرد احتمال بأن تمس معاهدة ما حقوق السودان، فإنه ينبغي عليه أن يتدخل لتأكيد حقوقه أو الحفاظ عليها، بالاحتجاج لدى الدولتين المعنيتين، وتسجيل موقفه لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة، وانه لا مجال للسكوت أو عدم الاحتجاج من ظرف يستوجب رد فعل إيجابي للتعبير عن الاعتراض أو الدفاع عن الحقوق.

ويبدو ان الخرطوم فطنت مؤخرا لخطورة ما حدث. وسارع وزير الخارجية السوداني ابراهيم غندور ـ بشكل غير معلن ـ الى ارسال رسالتين لنظيره السعودي وأخرى لنظيره المصري طالبا نسخة من الاتفاقية مشيرا الى ان لها “ارتباط بمثلث حلايب”.

ومن غير المعروف ما اذا كانت أيا من الدولتين قد ردت على طلب الخرطوم بالحصول على نص الاتفاقية التي صادق عليها البرلمان المصري والرئيس المصري الشهر الماضي وينتظر ان تدخل حيز التنفيذ في الأسابيع القادمة.

ويظهر التخبط السوداني في التعامل مع قضايا الحدود في تهنئة غندور التي قدمها لنظيره السعودي عادل الجبير على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع مصر رغم اقراراه في خطابه للجبير لاحقا بانها مرتبطة بمثلث حلايب.

وقال القانوني والقيادي السابق في الحزب الحاكم دكتور الدرديري محمد أحمد في تصريح لـ (سودان تربيون) ان الرياض اعترفت ضمنا عبر الاتفاقية بتبعية حلايب لمصر.

وأضاف “وضح تماما ان المملكة العربية السعودية بابرامها اتفاقا مع مصر على ترسيم الحدود البحرية متضمنة حلايب انها تكون اخلت بالتزام امام القانون الدولي الخاص بعدم الاعتراف باحتلال حلايب principle of non-recognition. يوجب هذا على السودان ان يحتج لدى المملكة وان يبلغ احتجاجه أيضا لدى الأمم المتحدة”.

وشدد الدرديري على انه لا عذر لحكومة السودان بعدم القيام باجراءات الاحتجاج، بعد ان تم نشر الاتفاقية والتأكد من انها وضعت حلايب في الإقليم المصري.

وردا على سؤال ان كانت العلاقات التي اصبحت قوية بين الرياض والخرطوم تمنع الأخيرة من أي اجراء قال الدرديري ان “الاحتجاج يتخذ اشكالا مختلفة، وأنا في تقديري تكون الدول اكثر قدرة على تفهم مواقف بعضها من القانون الدولي والالتزامات التي يلقيها عليها عندما تكون العلاقات بينها جيدة. ولكن لا ينبغي أبدا ان يقال إنه بما ان العلاقات جيدة فإن الاحتجاج يعكر صفوها، فالعلاقات الجيدة تستخدم لخدمة مصالح الدول”.

ولم ترد الخارجية السودانية على استفسار (سودان تربيون) حول الخطوات القادمة التي تزمع الحكومة اتخاذها ردا على اقرار الاتفاقية من قبل القاهرة رسميا.

واعلن وزير الخارجية السوداني مؤخرا ان ملف حلايب سيترك لرئيسي الدولتين بناءً على اتفاق بين الطرفين.

وتقول الحكومة المصرية ان مثلث حلايب خاضع لسيادتها بموجب اتفاقية 1899 بين مصر وبريطانيا وان قرار وزير الداخلية المصري عام 1902 بوضع المنطقة تحت الأدارة السودانية كان لأسباب انسانية لا تغير من وضع الحدود الدولية.

غير ان الحكومة السودانية تصر على ان اتفاقية 1899 لم يرد فيها ذكر لكلمة حدود وان مصر وقتها كانت ولاية عثمانية ومحمية بريطانية في نفس الوقت. وتشير كذلك الى اعتراف مصر باستقلال السودان في 1956 بدون تحفظ بعد الاتفاقية المصرية ـ البريطانية عام 1953 والتي اجريت بموجبها انتخابات في جميع انحاء السودان بما فيها حلايب.

وخلال قيام الحكومة المصرية بفرض سيطرتها العسكرية على حلايب بين عامي 1992 ـ 1995 اودع السودان عددا كبيرا من الشكاوي لدى مجلس الأمن كان اخرها في يوليو 1995. وبعدها اكتفى بتجديد الشكوى السنوية فقط رغم استمرار الأجراءات المصرية في المثلث.

وعاد السودان للاحتجاج على الأجراءات المصرية في حلايب بعد توقف دام 20 عاما في نوفمبر 2015 بعد قيام القاهرة بتخصيص دائرة انتخابية في المنطقة التي انتهت بانتخاب اول نائب مصري عن حلايب في تاريخها.

ويعيد ذلك الى الأذهان ان السودان تأخر 27 عاما في الأعتراض ـ بدون سبب واضح ـ على خطوط الأساس المستقيمة المصرية التي اصدرها الرئيس المصري الأسبق وادخلت حلايب ضمن المناطق تحت السيادة المصرية.

قانون البحار/ مفوضية الحدود

ويقول خبراء إن بعضا من اوجه القصور في التعامل مع مشكلة حلايب يعود الى عدم وجود جهة مستقلة ومختصة بقضايا الحدود في السودان وان الموضوع مبعثر بين عدة جهات في الدولة من بينها وزارة الخارجية و العدل وهيئة المساحة.

وأقر مدير الهيئة العامة للمساحة السودانية بروفيسور عبد الله الصادق بهذا الأمر وقال في حديثه لـ (سودن تربيون) إن السودان بحاجة ماسة الى مفوضية للحدود قائلا إن الأمر “تأخر اكثر من 60 عاما”.

وتابع “لو كانت هناك مفوضية منذ ذلك الوقت لما كان لدينا هذا الكم من المشاكل الحدودية مع جيراننا”.

وفي مارس 2016 اعلن المتحدث باسم مجلس الوزراء السوداني ان المجلس أجاز انشاء مفوضية وطنية للحدود وقرر إطلاق حملة وطنية لجمع الوثائق الخاصة بحدود السودان.

وكشف رئيس القطاع القانوني في وزارة العدل دكتور معاذ احمد محمد تنقو ان مشروع قانون مفوضية الحدود تم اعداده ومن المفترض أن يتم تقديمه للبرلمان مع قانون آخر للمناطق البحرية السودانية. ولكنه نبه الى ان انشاء مفوضية للحدود مسالة مكلفة ماليا وكذلك الالتزامات التي ستترتب على اقرار قانون البحار.

وشكلت الحكومة السودانية عام 2012 لجنة لتعديل قانون البحر الإقليمي و الجرف القاري الذي صدر عام 1970. وحسب مذكرة تفسيرية اطلعت عليها (سودان تربيون) فإن هذا القانون صدر قبل اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 التي صادق عليها السودان وبالتالي فإنه يحتاج الى مراجعة شاملة حتى يتواكب مع الاتفاقية المشار اليها.

وأصدر وزير العدل في ذات العام قرارا بتشكيل لجنة لمراجعة قانون البحر الاقليمي و الجرف القاري لسنة 1970 ورات هذه اللجنة ان التعديلات كثيرة بما يستوجب اعداد مشروع قانون جديد برئاسة معاذ تنقو وعضوية ممثلين من الهيئة العامه للمساحة، ادارة التشريع في وزاره العدل، وزارة الدفاع، وزارة الخارجية، وزارة الداخلية وجهاز الامن والمخابرات.

ولم ير القانون النور حتى هذه اللحظة رغم ان دكتور تنقو قال ان اللجنة فرغت من عملها عام 2013 وقدمت مشروع القانون لرئاسة الجمهورية، وعزا التأخير لأولويات التشريع التي تحددها الحكومة. غير انه اضاف ان الجهات الحكومية عادت ببعض الأسئلة حول المصطلحات المستخدمة في مشروع القانون التي جاءت متماهية مع القانون الدولي وتختلف عن القانون الداخلي.

وقال إن اللجنة ذهبت الى منطقة بورتسودان في 2015 وجلست مع عدة جهات لشرح الفرق بين قانون 1970 والقانون الجديد المقترح باعتبار ان الاخير يضع على كاهل هذه الجهات “مهام جديدة و صعبة لانه يضيف اكثر من 50 ميلا بحريا لحدود السودان”.

ولكن فيصل قال انه تحصل عبر مسؤول في الخارجية عام 2012 على مسودة لمشروع القانون الجديد الذي كانت تناقشه اللجنة المعنية ووجد فيه الكثير من “الثغرات والأخطاء الجسيمة” دفعته لكتابة مذكرة تفصيلية تشرح التعديلات الواجب ادخالها ومعها ايضا قائمة احداثيات لخطوط اساس مستقيمة في البحر الأحمر على الساحل السوداني موضحة على خريطة بحرية صادرة من الادميرالية البريطانية اعطاها للمسؤول الذي عرضها على اللجنة وسلمها لهم.

وفي 2014 قال فيصل إن رسالة جاءته بالبريد الألكتروني من مسؤول في وزارة العدل عرف نفسه انه عضو في اللجنة المكلفة بمراجعة قانون 1970 وطلب منه نسخة من المذكرة قائلا إن أحد أعضاء اللجنة الآخرين عرضها عليهم سابقا، وبعد تحديثها قام دكتور فيصل بارسال المذكرة لذلك المسؤول.

وفي عام 2015 قال فيصل انه تحدث مع وزير العدل الجديد في ذلك الوقت عوض الحسن النور ولفت انتباهه للمذكرة.

ونبه دكتور فيصل الى أن اصدار قانون جديد للبحار يحقق للسودان عدة فوائد منها تأكيد سيادته على مناطقه البحرية وثرواتها وتنظيم استغلالها بما يحقق مصالحه الاقتصادية كما أنه سيسهل للوزارات والهيئات التي لها مهام تتصل بالبحر ممارسة هذه المهام.

سودان تربيون