الصادق الرزيقي

أين نذهب وبأي مكان نلوذ ..؟!!


ارتسمت صور شتى يوم أمس في عواصم مختلفة، لم تتحرك في الأرض العربية ولم تهتز شعرة واحدة لمنع الصلاة في المسجد الأقصى أولى القبلتين ومسرى الرسول الأكرم (ص)، صمتت الأبواق العربية وهي ترزح تحت نعل حكامها، وأطبقت الأفواه العربية كأن الشفاه خلقت لتطبق على ارتجافات الذهول،

لم نسمع فقهاء وعلماء السلطان، الذين برروا للقتل وسفك الدماء للجلادين الجدد في عواصمنا المترعة بالخنوع .. ولم يخرج النظام الرسمي العربي من قوقعته المقدسة ليعلن للدنيا ولنفسه، أن المسجد الأسير والمحزون ليس وحده.

> هكذا هي عواصمنا العربية منذ أن أتتها سحابة هولاكو التتري الجديد، ومد لها شبيه الديك الرومي أذرعه المذهبة الأظافر، حاملاً مخلاته الفارغة وعاد بها ملأى من دولاراته المشؤومة، وداست خيول الجلاوزة المبجلين المتشحين بالسواد على كل عباءة معبأة بالخيبات الملونة، لم يعد هناك من أمل جديد يمكن أن يشتعل ويشعل معه التاريخ من جديد .. فهذا النظام الرسمي العربي كما كان يقول القذافي في ساعات صلفه وجبروته، أهون من أن يقول كلمته لله وللأوطان في الهواء الطلق وتحت شعاع الشمس الساطع، هو أجبن من أن يتفوه بكلمة ضد عدوه وعدو أمته الكيان الصهيوني المغتصب.

> منع الصهيانة الصلاة في المسجد الأقصى، ودويلاتنا العربية تتقاتل وتتحرف لقتال بعضها، ودقت بينها عطر منشم، لأنها تتنازع على الفراغ والهواء والأثير والصور المنقولة والكلام المرسل وصيحات المتحاورين وتسريحات المذيعات على شاشات الفضائيات العربية التي لم تشبع بعد من الشتم واللطم وسيل العرم اللفظي الذي تعفن في مراقده ومساراته وأوديته النتنة!!

> صور شتى ترتسم في المرأى العربي… لا شيء ولو خرقة بالية من غبار التاريخ، يمكن أن تسمح دمعة حرى لامرأة مسنة في القدس جاءت لصلاة الجمعة في المسجد الأقصى ونفسها ممتلئة حتى تفيض بيقين طافح، لتجد آلة الحرب الصهيونية وكلاب الصيد المدربة وهراوات وبنادق اليهود تحاصر وتمنع، وأجساد الفلسطينيين كلمى مثخنة بالجراح وقلوبهم تدمي من فقدان النصير.

> صور متعددة في شرق الوطن العربي وغربه، الأرجل في خليجه والأيدي في محيطه، حالة التيه تضرب بقوتها الهائلة بلا مقياس كزلزال عنيف، كل العواصم نائمة أو كسيحة أو مستلبة أو مختطفة أو مقهورة، فبغدان تلعق جراحات غائرة، ودمشق .. ويا ويح جلق.. تنام في دمها المسفوح وتصحو على أزيز الطائرات والرصاص وهدير المدافع، وقاهرة المعز غارقة في تهويمات الثعالب بعد أن نامت نواطيرها، وصنعاء مستلبة، وبيروت ساهمة، وعمان ترنو للسماء تارة ثم تنتحب، وطرابلس ضائعة وتائهة وسط الرمال والخبال والجنون، وتونس مازالت تبحث عن ذاتها، والجزائر أشاحت بوجهها وانكفأت، والرباط لم تزل تفتش عن أفق آخر، وفي الخليج عواصم غضوبة تعلمت لغة الخصام العلني والضرب تحت الحزام وكيف تأكل لحم بعضها حياً، وبينها عواصم آثرت الصمت النبيل فوق أمواج الخليج، بينما القدس عروس عروبتنا تغتصب أمام أعيننا ويبقى مسجدها شامخاً رغم المحن والزمن وأجنحة الخيانة البيضاء.

> هذه صورنا والعالم وحتى يوم أمس، يتلطخ مسجدنا الأقصى وتنجس ساحاته الأقدام الهمجية، بينما عواصم اخرى في عالمنا الإسلامي تلملم أوراق المأساة، تركيا التي احتفلت بآخر ورقة جافة سقطت من شجرة حاضرها بذكرى الانقلاب المدحور الذي كان يريد لبلد الخلافة أن ترجع مرة أخرى إلى القبو الأتاتوركي البئيس وترقد في أحضان الشيطان، تنهض تركيا فوق جبالها تستقبل الشمس وهي زاهية بثوبها الأردوغاني القشيب وتمضي نحو السماء ..
> لا شيء يدعونا الى التعجب.. لقد ماتت عندنا الدهشة وداست المأساة على جثث الكلمات، لم يبق لشعبنا العربي إلا حشرجات الأسى ولغة باهتة تموت في الشفاه اليابسة، فأي وطن كان وأي وطن سيكون ..؟ إذا كانت الأنظمة والحكومات تغرس خناجرها المسمومة في قلب الشعب المسكين، وألوية الغزاة الزاحفين تغطي السماء فوقه والبغاة الطغاة بأنيابهم الحادة ونصالهم الثلمة الرعناء وفوهات بنادقهم المتحفزة والطائشة على الأبواب والنوافذ والساحات والمدارات.. إلى أين نذهب ..؟ وبأي مكان نلوذ…؟

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة


تعليق واحد

  1. لقد اسمعت لو ناديت حيا ولكن لاحياة لمن تنادى . جزاك الله خير الجزاء على كلمات الحق هذه. فى زمان زهق فيه الحق وظهر الباطل . حكامنا أهون عليهم اختصاب الأقصى من ان يتركو ا كراسيهم . فهلا من نهضة وغزوة فى سبيل الله . والله لقد أصبح باطن الأرض خير من ظاهرها . فهيعلا .ويا خيل الله اركبى . فوالله اننا لجاهزون .