تحقيقات وتقارير

السودان: دعوات إلى تجميد “كوميسا” لإنعاش الصناعات المحلية


طالب اتحاد الغرف الصناعية بالسودان بتجميد اتفاق “كوميسا”، لفترة خمس سنوات، وترتيب البيت الداخلي، بعد أن تدهورت الصناعة السودانية وتوقفت أكثر من 80% من المصانع بسبب عدم المنافسة.
ويقول اتحاد الغرف الصناعية، في هذا الصدد، إن السودان لم يستفد من الانضمام للكوميسا (السوق المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا)، بقدر ما تدمرت صناعته، والتي تواجه أصلاً مشاكل بسبب الاتفاق الذي أصبح من خلاله السودان مستهلكاً لسلع رخيصة، في ظل عدم وجود دعم حكومي للصناعة المحلية، ويهرب بعضها إلى الخارج بسبب السياسات الحكومية التي لم يستفد منها القطاع ولم يستطع جذب استثمارات صناعية إلى الداخل.
ودعا أمين السياسات في اتحاد أصحاب العمل، سمير أحمد قاسم، في تعليقات لـ “العربي الجديد”، إلى تجميد اتفاقية الكوميسا لفتره خمس سنوات، لاعتبارات كثيرة، من ضمنها أن السودان مازال يعتمد على الضرائب والجمارك، التي لا تتجاوز 3 مليارات دولار. ويصل العجز التجاري السوداني إلى ستة مليارات دولار.
وقال قاسم، لقد تأثر السودان كثيراً بالتعريفة الصفرية والواردات من الكوميسا. وأضاف: أن الصناعات الموجودة بالبلاد غالبيتها وليده تحتاج إلى حماية ورعاية الدولة، وبالتالي إيقاف وتجميد اتفاقية الكوميسا لفترة يؤدى إلى إنعاش الاقتصاد والصناعة السودانية، مشدداً على أهمية دعم الصناعة المحلية حتى تستطيع تغطية السوق المحلي والوصول إلى أسعار تتمكن بها من منافسه المستورد.
وأضاف “من الممكن إعادة تفعيل الاتفاقية مرة أخرى، خاصة أن التجميد لن يؤثر على خطوات الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، حيث إن الكوميسا اتفاقية تجارية إقليمية خاصة بدول شرق ووسط أفريقيا”.
وقال قاسم: لن تكون هناك عقوبات في حال خروج السودان من الكوميسا، إذا كان التجميد موضوعيا ومنطقيا.
من جانبه، قال الخبير بالكوميسا ناصر محمود، في تصريحات صحافية، إن قطاعات الأعمال السودانية لم تهتم كثيراً باتفاق الكوميسا وما بها من ميزات كثيرة، خاصة أنها تحتوي مواد كثيره للحماية ومعالجة الإغراق والدعم، ويمكن استخدامها لحماية الاقتصاد. وأضاف “من الممكن أن يتم رفع المواد المتضرر منها للحكومة”.
أما الفاتح عثمان، الخبير الاقتصادي، فيقول لـ “العربي الجديد”: إن السودان لم يستفد من الكوميسا بقدر ما استفادت بعض الدول الأفريقية التي بدأت تتنافس على الأسواق السودانية.
وأكد الباحث بابكر حامد الناير، أن الاستفادة من انضمام السودان للكوميسا أو منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى، تبدو محدودة جداً، نسبة لضعف القدرة التنافسية لمنتجاتنا ومحدودية تنوع صادراتنا. ولكنه قال إن انضمام السودان للكوميسا حقق عدداً من المكاسب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، منها الارتباط بسوق كبير يبلغ حوالي 389 مليون نسمة.
وأقر الناير، بإمكانية استيفاء السودان حاجته من المنتجات باستيراد ما يحتاجه من سلع ضرورية، بإعفاء كامل من الرسوم الجمركية من بعض دول المنظمة والتي ستنعكس إيجابياً على رفاهية المستهلك.
وذكر منها أيضاً التسويق للعديد من المنتجات السودانية لسوق الإقليم، كالقطن والمنتجات الدوائية والبترول وغيره وفتح أسواق خارجية.
وقال إن العجز في الميزان التجاري السوداني مع دول الكوميسا ظل متصاعداً، نتيجة لضعف الصادرات السودانية لدول الكوميسا مقابل الواردات منها. كما أن نسبة حجم الصادرات السودانية إلى دول الكوميسا مقارنة مع إجمالي صادرات السودان الكلية ضعيفة جداً بمتوسط 2.2 % فقط.
وأرجع الناير العجز التجاري السوداني لضعف الميزة التنافسية للصادرات السودانية، رغم وجود الحوافز والامتيازات التي توفرها الاتفاقية، مما يعني أن انضمام السودان للكوميسا له مردود سلبي من حيث مؤشر الميزان التجاري.
وطالب بالاستمرار في الاتفاقية والاستفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة، واشترط لذلك فتح فرص أمام انتقال التقنيات الحديثة والتدريب مع معالجة الخلل في الميزان التجاري، بخلق ميزة تنافسية وقيمة إضافية للصادرات السودانية.
واقترح الناير ضرورة إجراء إصلاحات لهيكل الصادرات والبنية التحتية لتسهيل عملية التبادل التجاري، وإصلاح القطاع المصرفي، والاهتمام بالقطاع الخاص ودعمه وتشجيعه ورفع وعيه في النفاذ والارتياد إلى أسواق الكوميسا، والاستفادة من المؤسسات التمويلية التي تتبع للمنظمة، مثل بنك التجارة التفضيلية واستخدام التقنيات الحديثة في الإنتاج، لرفع الإنتاج والإنتاجية، وتخفيض تكاليف الإنتاج للمستوى التنافسي.
والكوميسا سوق مشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا، وهي منطقة تجارة تفضيلية تمتد من ليبيا إلى زيمبابوي، وتضم في عضويتها 19 دولة أفريقية، وتهتم بتطوير قطاعات اقتصادها المهمة والتبادل التجاري مع دول القارة السمراء، وهي: جيبوتي، إريتريا، مصر، ليبيا، السودان، مدغشقر، جزر القمر، موريشيوس، سيشل، بوروندي، كينيا، ملاوي، رون، أوغندا، سوزولاند، زامبيا، زيمبابوي، كونغو، جنوب السودان.
ويبلغ عدد سكان دول الكوميسا 389 مليون نسمة، وتصل وارداتها السنوية إلى 32 مليار دولار، فيما تبلغ صادراتها حوالي 82 مليون دولار. ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول أكثر من 230 مليون دولار، وبذلك توفر سوقاً رئيسة عالمية للتجارة الداخلية والخارجية.
ورغم حاجتها للندق الأجنبي في ظل تهاوي قيمة الجنيه لمستويات تاريخية جديدة، يتجه السودان إلى حظر تصدير مواده الخام لدعم الإنتاج المحلي. يعتبر مراقبون توجه الحكومة السودانية نحو منع تصدير المواد الخام، خطوة إيجابية تحفظ للبلد الأفريقي الفقير موارده لاستغلالها في تدوير عجلة الإنتاج المحلي من جهة، وجذب الاستثمارات الأجنبية من جهة أخرى، لكن ثمة مخاوف بشأن مدى توفر الدولة على خطط استراتيجية تمكنّها من الاستفادة من إجراء كهذا.
والشهر الماضي، وضعت وزارة التجارة السودانية شروطا وضوابط تحد من دخول السلع غير الأساسية للبلاد، فيما وقعت بروتكولات تجارية مع عدد من الحكومات من أجل نفاذ الصادرات السودانية بشروط تفضيلية إلى أسواق هذه الدول.
وحسب مصادر مطلعة، من المتوقع إصدار تشريع أو قرارات خلال الفترة المقبلة للحد من استيراد سلع معينة كمالية أو غير ضرورية، ووضع قوائم سلع غير استراتيجية أو تلك التي لها بدائل محلية الصنع.
ويقول الخبير الاقتصادي، الفاتح عثمان، لـ “العربي الجديد”، إن الاستيراد يتلقى امتيازات كبيرة، والسبب في ذلك هو اعتماد الحكومة على الجمارك في تسيير النفقات المتزايدة لقطاعاتها. ونفى عثمان، حرص الحكومة على وضع قانون يمنع استيراد سلع غير أساسية.

smc