حوارات ولقاءات

حسن مكي :آخر ما تقدر عليه السعودية هو المساهمة في رفع العقوبات الأمريكية وهي نفسها غارقة في مشاكلها!


( على الرغم من إحراز السودان بعض التقدم في الملحق التنفيذي رقم (13761)، قرر الرئيس الانتظار لبعض الوقت للنظر في هذا الأمر لتحديد ما إذا كانت الحكومة السودانية أوفت بشكل إيجابي بالتزاماتها كافة)..!
بهذه الأسطر التي تضمنها تقرير البيت الأبيض الصادر في 11 يوليو الجاري قضت الإدارة الأمريكية بإرجاء قرار رفع العقوبات الأمريكية لثلاثة أشهر بعدما رفعت سقف توقعات السودانيين إلى مداه الأعلى في يناير الماضي بتأكيدها أن رفع العقوبات عن السودان سيتم في النصف الأول من يوليو الجاري، فما هي دوافع الإرجاء وكيف قرأ الدكتور “حسن مكي” القرار؟ وإلى متى سيستمر مسلسل الوعود الأمريكية برفع العقوبات؟؟ (المجهر) حاورت بروف “حسن مكي” حول هذا الموضوع فماذا قال؟

{ دكتور كيف قرأت قرار الإدارة الأمريكية بإرجاء البت في رفع العقوبات لثلاثة أشهر؟
– ثلاثة أشهر بالنسبة لعمر النظم والشعوب ليست طويلة، لو صدقوا في ذلك فإن ثلاثة أشهر ليست ببعيدة.. لكن المشكلة لماذا أصبح همّ كل الدولة هو التعويل على رفع العقوبات؟ فهناك انفلات سياسي وانفلات اقتصادي وأصبح المخرج بالنسبة لبقايا السلطة الموجودة هو الاعتماد على رفع العقوبات. على أي حال، طالما أصبح هذا هو المخرج بالنسبة للنظام لإيقاف تدهور الجنيه السوداني، كما يتصورون، فلا بأس أن يستمر الناس في المراهنة على رفع العقوبات.
{ دكتور “حسن مكي” في تقييمه الشخصي ألا يراهن على ذلك؟
– أفتكر أن بلداً كالسودان لا يفترض أن يكون عليها عقوبات. السودان أولاً وافق المجتمع الدولي على فصل الجنوب وهذا كان هدية كبيرة له من السودان، ووافق على إيقاف الحرب، ووافق الآن على إيقاف الحرب في المناطق الثلاث، و التعاون مع الاستخبارات الأمريكية، التطوع بتصريحات ضد المنظمات السلفية كـ”داعش” وغيره، وفي هذا كله السودان لا ناقة له ولا جمل.. السودان لا بواكي له، كان يحارب ويموت رجاله وتسقط طائراته ولم تكن هناك دولة تقف معه تستنكر أو تستهجن! والآن، حتى عندما لم ترفع أمريكا العقوبات الجامعة العربية أصدرت بياناً على استحياء والسودان كان دائماً إذا حدث حادث حركة لسيارة تاكسي في واحدة من دول الجوار كان يستنكر ويستهجن!
{ فترة الثلاثة أشهر ليست بالطويلة بالنسبة لعمر الأمم والأنظمة كما قلت ولكن حبل الوعود الأمريكية لم يقف عند الثلاثة أو الستة أشهر أو العام حتى.. بل طال وامتد حتى بلغ السنوات؟
– في الفترة السابقة كانت سياسة السودان تدار على أساس الشعبوية، يعني تدار على أساس شعارات القواعد وعلى أساس شعارات عناصر قاعدية وليس عناصر نخبوية، وكانت تتحدث عن أن السودان سيرسل الإغاثة لأمريكا وعن أن الموت لأمريكا ولروسيا، وكان الذين يتحدثون عن السياسة منبوذين والحمد لله الآن هناك عودة للوعي. ففي الفترة السابقة كان هناك غياب للوعي والآن هناك عودة للوعي، وعودة الوعي هذه تجعل الإنسان لا يمجد أمريكا ولا يكرهها، ويكون مثله ومثل الآخرين في العالم عندما تخطئ يخطئها وعندما تصيب يثني عليها.

{ لكن عودة الوعي وتغيير النظرة تجاه أمريكا ليست شيئاً جديداً وإنما حدثت منذ سنوات ومع ذلك ليس لها أي تأثير في ملف رفع العقوبات؟
– والله للأسف الوعي عاد، وهم طبعاً (بحبوا يأدبوك كمان)، الوعي عاد بأن ارتمينا في أحضان الأجنبي وأصبحت قضايانا كلها تعالج خارج إطار السودان.. السودان في مرحلة اكتشف أنه ليس لديه حلفاء وأن حلفاءه هم أعداؤه. وأنه أخذ قضاياه ووضعها لكينيا ولـ”موسيفيني” ولـ”دانيال آراب موي” وللنادي المسيحي العالمي ووضعها لـ(الترويكا).. فمن (هبي هبي رياح الجنة) انتقلنا إلى )هبي هبي رياح الترويكا).. (ضاحكاً).. و(هبي هبي رياح موسيفيني وهبي هبي رياح كينيا)!

{ إلى ماذا تعزو هذا؟
– إلى الشعبوية.. أنك تستلهم سياساتك من العناصر القاعدية ومن هتافات الجماهير.. (يحشدوا ليك الناس ويحشدوا ليك الناس بتاعين الإبل بسيطانهم يهتفوا ليك وإنت دافع ليهم الأموال)، وتصبح هذه الهتافات وهذه الشعارات هي السياسات. وبعدين الحكومة الآن تتكلم عن المشروع الحضاري، كدي أمشي السوق المركزي دا مشروع شنو!! البالوعات والشوارع المكسرة والخضار المفروش والناس يتبرزون بالقرب من خضارهم ويبيعون، والقمامة والوسخ والكلام عن إسهالات مائية!! كأن البلد ما فيها حكومة! وهذا كله يحدث في مساحة كيلو في كيلو يعني ألف متر في ألف متر، ويقول ليك مناصب، رئيس المجلس الأعلى للبيئة ووزير الصحة و.. و..
والشعب السوداني طبعاً مثل حكومته!! يهتم بالمظهر الداخلي ولا يهتم بما هو حوله!! (تلقى الواحد باني ليهو بيت بمليون دولار وشجرة واحدة ما فيهو! وجنبه كسار الحجار والزبالة والأوساخ وبقايا الطوب قافلة الشارع ما بفكر ينضفها! بفتكر أن الحياة داخل البيت فقط وما شايف أن البيئة الحول البيت تهمه) .
{ هذا بسبب ضيق نطاق الأنا.. فالأنا مساحتها عند السودانيين ضيقة جداً لا تتجاوز البيت.. كل ما هو خارج البيت أو حوله ليس ملكي فإذن لن أهتم به؟

– السبب هو الجهل!
هؤلاء قادمون من الريف وبالمناسبة (دي الوقت ما تشوفي العمارات الفي الخرطوم دي، كلهم بعدما يطلعوا من الخرطوم بطلعوا الخلاء! ضاحكاً: (بتعرفي يطلعوا الخلا؟)..
(ولو قلت ليهم تعالوا أدفعوا عشان نعمل ليكم متنزه أو مدارس أو.. أو.. كأنك تؤذنين في مالطا! يمكن الحاجة الوحيدة البستجيبوا ليها إنهم يبنوا ليهم مسجد مع أن بناء حديقة ومتنزه ومدرسة لا يقل أهمية عن بناء المسجد).
{ دكتور.. في تقديرك ما هو السبب الحقيقي الذي دفع الإدارة الأمريكية لإرجاء قرار رفع العقوبات؟ هل هي بالفعل بحاجة لوقت لتقييم الموقف في ما يتعلق بملف حقوق الإنسان أم أن هناك سبباً آخر لا تريد إعلانه؟
– طبعاً الحراك الذي حدث في الكونغرس والمذكرة التي رفعها الـ(53) نائباً. (وبعدين بيني وبينك)، موقف حقوق الإنسان حقيقة أنا أرى أنه جيد، يعني إذا قارنت وضع حقوق الإنسان مع الوضع في أيام حرب الجنوب أو في فترة حرب دارفور والنيل الأزرق ليس هناك مقارنة، الوضع الآن ممتاز. ولكن هناك أشياء صغيرة أعداء السودان يقومون بتضخيمها وللأسف الشديد تضخم في الإعلام وتعطي دخاناً، و”ترمب” لا يريد شيئاً صغيراً مثل السودان يعرضه للنقد، فأصلاً هو موقفه ضعيف بالملف الروسي وحكاية الانتخابات، فهو يريد (Clean Water)، يريد جواً نظيفاً وبيئة نظيفة ليتحرك فيها.. فنحن يفترض أن نسهل هذه المسألة للمسؤول الأمريكي.
{ يفترض أن نوفر له جواً نظيفاً يستطيع أن يتحرك فيه ليتمكن من رفع العقوبات؟
– الأشياء الصغيرة هذه، مثلاً مسألة “مضوي” ما عندها معنى وحكاية الـ(فيفا) وإغلاق صحيفة ومصادرة صحيفة، أشياء ما عندها قيمة وإذا عملتها أو لم تعملها النتيجة واحدة.. ولكنها هناك يتم تضخيهما (وتضرب في ألف).
{ البعض قرأ قرار الإرجاء من زاوية موقف السودان من المقاطعة الخليجية.. ويرى أن للسعودية ولدول المقاطعة يداً في مسألة الإرجاء؟

– لا أعتقد ذلك.. بتاتاً.. لا السعودية ولا مصر ولا غيرهما. آخر ما يفكرون فيه الآن هو هذه المسألة لأنهم هم أنفسهم غارقون في مشاكلهم وغارقون في مشكلة قطر.
{ آخر ما يفكرون فيه أم آخر ما يقدرون عليه؟
– آخر ما يقدرون عليه، لأن السعودية الآن غارقة في حرب اليمن ومختلفة مع أمريكا في الخروج من حرب اليمن ومختلفة مع أمريكا في الموقف من قطر.. لكن السؤال يمكن أن يكون هو لماذا لم تأخذ أمريكا ولم تنتبه لتوصيات سفارتها هنا بالخرطوم والاتحاد الأوروبي بالخرطوم ولجنة الأمريكيين التي أصدرت تقريراً أوصت فيه برفع العقوبات؟!
{ في تقديرك لماذا؟
– أفتكر بسبب الدخان فقط، الذي تصاعد من بعض الأشياء الصغيرة، ولأن الرئيس الأمريكي حقيقة خائف من النقد والسودان سمعته قد تكون داخلياً طيبة لكن خارجياً هذه السمعة تتركز بصورة سالبة.
{ كان هناك تعويل رسمي من السودان على السعودية بأنها ستلعب دوراً في رفع العقوبات ويبدو أن الموقف الرسمي صدم بسبب عدم حدوث ذلك؟
– السعودية حتى في اليمن أمريكا تخالفها وهي غير قادرة على إقناع أمريكا بالوقوف معها في حرب اليمن، وغير قادرة على إقناع أمريكا لتقف معها في موقفها من قطر، فلذلك السعودية نفسها تقول يا ساتر.
{ كيف ترى موقف السودان وتجميده للجنة المتفاوضة مع الطرف الأمريكي الذي جابه به قرار الإرجاء؟
– لن يؤثر.. تجميد اللجنة أو تفعيلها لن يؤثر، لأن في النهاية السفارة الأمريكية هنا بالخرطوم ستتعامل مع وزارة الخارجية، والسفارة الأمريكية تصلنا حتى نحن أساتذة الجامعات وهم يعملون ويتواصلون مع الأكاديميين ومع النقابات، مع الاتحادات، مع الطرق الصوفية.
تجميد اللجنة هو نوع من الاحتجاج ونوع من (الحرد)، لكن قالوا إن الفأر (حرد) مشى وقف في الشمس فخطفته (الحدية)!
{ هذا الاحتجاج و(الحرد) ألا يمكن أن يفهم في سياق التحدي ويساهم في تعقيد الموقف؟
– (لا أبداً.. أمريكا ما شغالة بهذا وهي عارفة بالجاري في البلد شنو).
{ دكتور “حسن مكي” هل وارد أن ننحرف مرة أخرى ونعود للمحطة القديمة محطة العداء لأمريكا و(أمريكا روسيا قد دنا عذابها) إذا تعنتت الإدارة الأمريكية في ملف رفع العقوبات؟
– أبداً.. الآن هناك وعي وهناك رياح عاتية ضد الشعبوية.. الشعبويون كلهم الآن يذهبون نحو أمريكا، من يريد فيزا ومن يريد لوتري ومن يريد دولاراً، خاصة بعدما حدث للجنيه السوداني ما حدث.. (بس ربنا يكتب السترة، شفتي الناس كانوا بتنافسوا كيف عندما أعلنت الإدارة الأمريكية عن أنها ستقوم برفع العقوبات في منتصف يوليو؟؟ كل واحد كان يتباهى ويقول دا النصر بتاعي عملته أنا! تباهوا كأنه بقت الجنة بتاعتنا هي أمريكا).
{ في تقديرك.. ماذا سيحدث بعد الثلاثة أشهر؟
– أفتكر العقوبات سترفع.. تحصيل حاصل سترفع.. أنا كنت أتوقع أن ترفع في هذه المرحلة وحقيقة من ناحية سياسية عامة ومن ناحية قراءات ومن ناحية منطقية لا معنى لفرض أمريكا لعقوبات على دولة ضعيفة كالسودان، خاصة أن السودان الآن يكافح مع الاتحاد الأوروبي ما يسمى بالاتجار بالبشر. ويدعم أوروبا في إيقاف الهجرة إليها وهو مهم في الحرب على المخدرات ومهم في ما يسمى بالحرب على الإرهاب، وهذه كلها أجندة ليست أجندتنا.. دي أجندة أوروبيين ونحن مثل المرتزقة شغالين لأوروبا ولأمريكا نخدم أجندتهما. نحن نعلم أنه لو هاجر الناس إلى أوروبا فهذا بالنسبة إلينا جيد ورغم ذلك نحن نعمل معهم حتى لا يهاجر الناس إلى أوروبا، ونعمل معهم في حربهم على المخدرات حتى لا تدخل أوروبا ونعمل معهم في مكافحة الحركات الإسلامية والجماعات الإسلامية التي تدخل معهم في مقاومة، وهذه كلها ليست أجندتنا.. هم يعرفون أننا نعمل لأجندتهم!

المجهر السياسي


تعليق واحد

  1. مشكلة الطبقة المتعلمة واساتذة الجامعات في السودان انهم ينتقدون في سياسات الحكومة ولكن لا يساهمون بأي حلول للمشكلات التي نعاني منها -زهذا واجب عليهم- وخير مثال لقولي هذا هل هناك اي حلول لأي مشكلة في هذه المقابلة مع د.مكي؟ فقط انتقادات دون ايجاد الحلول. ما اسهل النقد يا دكتور.