تحقيقات وتقارير

“القومي” ينفي اختيار خليفة للمهدي.. “الأمة”.. تمحيص الحديث عن خفايا التوريث


علاقة حزب الأمة بالبيت المهدوي، وثيقة جداً، وإن لم تدونها الوثائق. ولذا سيمس خبر من شاكلة مساعي قادة بالحزب لأن يكون اللواء الركن عبد الرحمن الصادق خليفة لوالده، شغاف كثير من القلوب، وغير قليل من الآذان.
ولو كان مقدورنا (التحليل بالنظر)، والحديث من منصة المؤتمر العام الثامن في حال غيبة الإمام، فيحق لنا القول إن عبد الرحمن الجنرال قد وجد حزباً خالياً، فتمكنا.
وعلى ذمة الزميلة “المجهر السياسي” الصادرة بالخرطوم يوم (الإثنين) فقد التأم اجتماع سري لقادة الأمة القومي من أصحاب الجلابيب البيضاء (من غير ياقات)، في شهر رمضان الفضيل، لتسمية خليفة للمهدي الذي أبدى زهداً في الترشح للمنصب في المؤتمر العام الثامن، مفضلين بعد نقاشات، تفرست في الوجوه، ومحصت الرؤى، بأن يتم الدفع بعبد الرحمن، ليكون خليفة للإمام.
سنة قديمة
جملة من الذين خرجوا عن طوع الإمام المهدي، سواء بترتيب أو بدونه، تذرعوا بتفضيل المهدي لبنيه، وتقديمهم على من هم دونهم، حد أن قادة بيض الصحائف على أيام كان فيه الانتماء للأمة كالقبض على الجمر، كمبارك الفاضل المهدي، اختاروا مغادرة (حوش الخليفة) والبحث عن الإصلاح والتجديد، كما هو حال ابن العم.
ويقول القيادي الشاب بالحزب، مهدي بخيت، في أحاديث مع (الصيحة) إن محاولات توريث المهدي لأنجاله قديمة، ويبدو أنها استوت اليوم على سوقها، ويراد تقديمها في صحون من ذهب، وذلك بعدما تمت تسمية عبد الرحمن من قبل أبيه كخليفة من ضمن (5) آخرين.
مؤسسات
أعربت قيادات بارزة في حزب الأمة القومي عن سخطها، من الحديث عن مساعي التوريث، ورأوا في الأمر محض شائعات.
يقول نائب رئيس الحزب، الفريق صديق محمد إسماعيل، إنه لم يحدث وأن اجتمعت مؤسسات الحزب، لتطرح بدائل للإمام، هذا وإن كان قد أشار في أحاديثه لـ (الصيحة) بقدرة كل متحزب للأمة وحادب عليه أن يتناول المسألة طالما كانت في إطار النقاشات المعتادة، والخالية من الغرض والمرض.
بدوره، يقول رئيس المكتب السياسي بالحزب، محمد المهدي حسن، إن الأمة القومي، حزب مؤسسي، يتكئ على نظام أساسي محل احترام، معلناً إصراره على أن مسألة خلافة الإمام، محلها المؤتمر العام، هذا بالطبع في حال آثر المهدي الابتعاد عقب عقود قضاها في العمل العام.
تفسير العلاقة
دعونا من لو تمت تسمية عبد الرحمن كخليفة لوالده من عدمها، ولننتقل إلى إثارة نقطة موضوعية، تتصل بما إذا كان ساكن القصر، ومساعد الرئيس، مستوفياً لاشتراطات الخلافة، وقادراً على إدارة كيان بحجم أمة.
يقول الفريق صديق بعدم وجود واصلة تربط عبد الرحمن بحزب الأمة ابتداء، وبالتالي فأي حديث عن تسميته خليفة لوالده تنفصم عراها بيسر شربة الماء.
موضحاً أن عبد الرحمن تقدم باستقالته من كافة مناصبه داخل الحزب، في اللحظة التي عاد فيها إلى صفوف القوات المسلحة السودانية التي لا تقبل صاحب قلبين في جوفه، وذلك في إشارة إلى (الحزب والجيش).
وحول ما إذا كان في المقدور إطلالة عبد الرحمن مستقبلاً في لبوس والده، اكتفى صديق الذي انتمى هو الآخر ذات يوم للسلك العسكري، بأن نجل المهدي ما يزال يرتدي بزته العسكرية.
بدوره، قال محمد المهدي حسن، إن الأمر في أوله، وآخره أمر مؤسسات، تختار كابينة القيادة بحرية تامة، ما يجعل من المهدي الإمام، وابنه عبد الرحمن، مرشحين عاديين أمام المؤتمر العام، وليسا مرشحين فوق العادة.
أما مهدي بخيت، فقال إن عبد الرحمن لا يصلح لقيادة كيان حزبي، بحسبان أنه رجل جيش، لا رجل سياسة، رغم محاولات جره لتلك الخانة بمبدأ الوراثة.
وكان المهدي قد أولى عبد الرحمن عناية خاصة في خطاب زهده الشهير نهايات العام المنصرم، ودفع عنه تهم ممالأة الإنقاذ، فقال عنه: (هو في النظام وليس منه)، وقال بمبررات ابنه لاتخاذ هذا الموقف- رغم عدم اقتناعه شخصياً بها- وممثلة في إصلاح النظام بالمباصرة لا المعارضة.
ورأى المهدي أن المباصرة نهج لا يفلح مع من يخاف المساءلة، وبالتالي سأل لابنه الهداية والرشد، ودعا لابنه (أن يتبين أن للمباصرة حدوداً تحول دون ما يريد).
العلاقة بالبيت
سؤال ثانٍ، ومن الأهمية بمكان، حول قدرة حزب الأمة في الاستمرار ككيان، حال وصول قائد له من خارج البيت المهدوي، الذي يظن كثيرون بأنه اللاصق الأبرز لتماسك الحزب.
يقول محمد المهدي حسن، إن المؤتمر العام وحده الكفيل بتسمية القيادات بطريقة منتخبة تعبر عن قواعد الحزب، مذّكراً بأن المؤسسات لا تتأثر –البتة- بالأشخاص.
بينما يقول الفريق صديق إن من يجيء برضا القواعد، سترسو له الأمور وتصفو داخل الحزب، باعتباره معبراً عن أشواق (الأنصار).
تمسُّك
وكان المهدي قد عنون رسالة طويلة في احتفاليته بمولده الواحد والثمانين، عبر فيها عن نيته الاعتزال حيث قال: (نريد ميلاداً رابعاً للحزب، بتسمية جديدة، ورئاسة جديدة، ومؤسسات جديدة تراعي كافة المستجدات، بناء على ورشة لتصدر توصيات يقرر في أمرها المؤتمر العام الثامن).
بيد أن تمنّع مؤسسات الحزب عن طرح بدائل للمهدي، تشي بوجود اتجاه قوي لتسميته رئيساً للحزب لدورة جديدة، وربما أخيرة، في أعمال المؤتمر القادم.

الخرطوم: مقداد خالد
الصيحة