تحقيقات وتقارير

الأحزاب وقضية أبناء دارفور…البحث عن «منابر» للثورة في الجامعات!


في كل أزمة داخل احدى الجامعات يزداد الإدراك بأن ثمة علاقة حميمة بين الحياة الداخلية للأحزاب وبين دورها في المجتمع …. وهو ما يؤكد على العلاقة بين الديمقراطية الداخلية للأحزاب السياسية وبين ديمقراطية النظام السياسي…لأنه من غير المتصور أن يكون الحزب ديمقراطياً في تعامله مع قضايا الجماهير ما لم يكن يمارس الديمقراطية في حياته الداخلية…. فلا يمكن بناء الديمقراطية بقوى وتنظيمات غير ديمقراطية..

ومما لا شك فيه أن العملية الحزبية لها أثر واضح على الحركة التعليمية بالسودان… تمثلت جميع الأحزاب السياسية في نشأة الفكر الحديث وتخللها في الحراك الطلابي…. فجميع الجامعات السودانية الحكومية والخاصة توجد بها أحزاب سياسية ومجموعات لها صوت كبير ومؤثر على البلاد……وأركان نقاش..وعمليات انتخابية للاتحاد الطلابي الخاص بها…
تكثر هنا الاستفهامات…لماذا الجامعات السودانية قضاياها تختلف عن غيرها من الجامعات في العالم ؟… لماذا تبدأ الاصوات تنادي بمطلب حق.. وتتحول الى أزمة حزبية؟…ما الذي يُدخل الأحزاب في قضايا التعليم والاستنارة؟…وهل باستطاعة الأحزاب معالجة قضايا الطلاب من خلال تدخلاتهم؟…
تحسس … واستغلال…
لم تعد الجامعات السودانية ساحة لتلقي العلم واكتساب المعارف فقط… بل باتت مكانًا للعنف الطلابي والموت أحيانًا…ومنذ أول فجر استقلال السودان وظهور أحزاب سودانية فاعلة في الساحة السياسية اقترفت تلك الأحزاب أخطاء كثيفة أثرت على جملة التاريخ السوداني الحديث وبدت تلك الأحزاب بعيدة عن الممارسة الديمقراطية الرشيدة التي ظلت ترفعها شعارات في وجه الحكومات المتعاقبة…فالممارسة السياسية هي المحدد الاساسي للسلوك الحزبي…. أول ممارسة سياسية شائنة كانت في أعقاب الاستقلال حينما اتفق زعيما طائفتي الختمية والأنصار على إسقاط حكومة الأزهري بعد شهور من إعلان استقلال السودان… لكن الجريرة الأكبر التي قارفها حزب الأمة كانت عندما أمر رئيس الوزراء «عبد الله بك خليل» بتسليم السلطة لقيادة الجيش في نوفمبر 1958 ليقطع الطريق على إجراء برلماني يسحب عنه الثقة….هذا يؤكد ان الملمح الأبرز في الساحة السودانية بين يدي الاستقلال انقسام النخبة السياسية حول الحدث الأهم… لكن كلا الموقفين.. الاستقلال الكامل للسودان أو إلحاقه متحداً بمصر…كان يقوم على خلفيات شكّلتها أجندات أجنبية….وهذا هو الخلل الحزبي الذي وقعت فيه أحزابنا… ومازالت تمارسه حتى الان…وقضية طلاب دارفور بجامعة بخت الرضا امتداد لاخفاقات الأحزاب…اساس القضية مطلبى واكاديمى وهو مااكده بيان ادارة الجامعة بحسم القضية حين قال الجامعة مفتوحة لعودة الجميع دون قيد اوشرط وان الامتحانات ستكون في موعدها حسب الجدول.. ولامانع في معالجة الاوضاع الاكاديمية فيما يخص الطلاب الذين لم يتمكنوا من الجلوس للامتحان العملي في كليات الجامعة التطبيقية.. واعفاء الغرامات الخاصة ب«19» طالبا لم يقوموا باسترداد المعدات الرياضية الخاصة بمنتخب الجامعة… ولاتراجع عن قرارات الفصل النهائي وفقاً للوائح السلوك ومحاسبة الطلاب بالجامعة بالنسبة للموقوفين جنائياً..فالامر متروك للقضاء….بهذا تكون ادارة الجامعة قد عالجت الامر في اطاره التربوي وفقاً لرؤيتها كادارة جامعة…. لكن تطور الامر بتدخل القوى السياسية فقد وضعت نفسها في موضع مؤسف واستثمرت قضية هؤلاء الطلاب لاهدافهم الحزبية دون النظر الى مآلات ذلك على الطلاب .. وماهو مستقبلهم…فهذا التنادي الذي عارضته المعارضة فى مواقف سابقة ، ولكنها مارست ذات الدور فى جامعة ام درمان الاهلية .. ذات الموقف تقف عنده القوى السياسية المعارضة مع طلاب دارفور ليتنادوا عن دور ضعيف باحثين عن موقف يحرك الشارع من خلال الجامعات كاحداث الاستقلال او ثورة اكتوبر…بعد فشلهم في تحريك الجماهير من خلال أحزابهم وفكرهم… لاسقاط الحكم…
نشاط سياسي…ولكن!
صحيح أن قادة العمل السياسي في السودان بدأوا نشاطهم السياسي داخل المؤسسات التعليمية…بيد أن الظروف المحيطة بالبيئة الجامعية اليوم لم تعد تلك التي كانت تحيط بطلاب عقود مضت لا من حيث الثقافة ولا من حيث العمر.. فضلا عن أن الممارسة العملية للسياسة لم تصب بنجاحات فقط بل ظل العمل السياسي في السودان مترعا بكثير من العلل والإخفاقات….النخب السياسية حكومة ومعارضة تتحمل تبعات من اراد العودة الى بلده من طلاب وترك الدراسة بسبب تصاعد قضية أبناء دارفور بجامعة بخت الرضا .. وتتحمل مسؤولية العنف بين الطلاب الذي هو حتما امتداد للانقسام السياسي الحاد في الشارع السوداني… ولا يمكن عزله عن ذلك بأي حال من الأحوال في ظل ممارسة سياسية غير رشيدة قائمة على الاستقطاب الحاد.. واستثمار الازمات لاهداف حزبية..وهذا لا يعفي المؤتمر الوطني من المسؤولية… فالقوى السياسية الحاكم منها والمحكوم لم يقدم للبلاد والعباد منذ الاستقلال إلا الفشل…واليوم أصبح القلق يسيطر على كثير من أولياء الأمور الذين أضحوا يفضلون ذهاب فلذات أكبادهم إلى جامعة الرباط التي تحرم النشاط السياسي بدلاً من تراجعهم عن هدفهم التعليمي والفشل في مستقبل مستقر…فهل تخرج الأحزاب السياسية وبعض منظمات المجتمع المدني من النفق المظلم الذي ادخلت فيه نفسها من خلال قضايا الطلاب.. ويعتدل مسارها.. ام ستستمر.. ويطل علينا مسلسل آخر.. في جامعة أخرى خلال المرحلة المقبلة؟!…

نفيسة محمد الحسن
الصحافة