رأي ومقالات

تاريخ وجبة الغولة


أستاذ
> فيلم عن حياة جوجان (أشهر الرسامين).. والفيلم الرائع يكتفي بدخول عجوز من باب المعرض .. ولوحات جوجان معروضة.

أول ما رسم ثم اللوحة الثانية .. ثم .. ثم
ودون كلمة.. العجوز يخرج من الباب الآخر بعد آخر لوحة.
يخرج .. وتبقى أنت مسمراً في مقعدك لروعة ما شاهدت.
حكايتنا/ الحكاية التي تنتهي بتحول ادارة المسجد الأقصى أمس لأيدي اليهود.. حكايتنا لوحات معلقة لأنها فصيحة وموجزة.
وفي اللوحة الاولى قولدا مائيير عام 67م تقول
: اضطررنا لأسر (300) ألف جندي مصري حتى نساوم بهم لإطلاق سراح جندي إسرائيلي واحد اسير عندهم حقيقة.
واللوحة الأخيرة لا نستطيع الاشارة اليها لأنها خبر نشرته نيويورك تايمز عن بعض ما فعلته دول عربية في أزمة الخليج.
(2)
اللوحة الثانية التي تؤدي إلى اللوحة الأخيرة هي لوحة السلاح الذي يفعل بنا هذا.
والفتاة التي تنظر أنت إليها.. جميلة بعيون لامعة .. وجفون ثقيلة.. وخدود ساخنة .. وشفاه ممتلئة.
مثيرة وجميلة؟ نعم
لكن الطب يقول لك إن هذه الملامح على وجه الفتاة تعني أن الفتاة مصابة بدرجة متأخرة من داء الصدر.
كثير جداً مما نهتف ونرقص له الآن في عالمنا هو نسخة من الفتاة هذه.
(3)
وداء الصدر هذا يصنع عندنا بهدوء.. ولنصف قرن.
يصنع في كل شيء.. في الأدب.. في الأخبار.. في الاقتصاد.. في الفنون.. في الأشخاص.. في .. في
وأمس الأول مسلم له حماسك ورجولتك يقتل إسرائيليين ثلاثة
لكن/ السلاح الغريب/ يجعل العجز يبقى.. والعجز ما يصنعه هو خطأ صغير في صياغة سؤال صغير.
سؤال الخطأ فيه هو ما يقود تاريخنا منذ عام 48م.
فالناس بعد كل لطمة يصرخون في غضب..
: لماذا يفعل العدو ما يفعل؟
والسؤال خطأ
فالسؤال يصبح سؤالاً حين يتحول الى ..
: لماذا (لا) يفعل العدو ما يفعل؟
(4)
ومن يتخبطون بحثاً عن أسباب العجز الذي يجعلنا نحبو يجدون (عصيدة الغولة)
(وفي الأحاجي الغولة تطعم ضيوفها عصيدة من عظام الموتى فيعجزون عن النهوض).
وفي الأدب والفنون والقيادات السياسية والأعلام الغولة تطعمنا طعامها، ونحن نكرع ونبتلع.
وتاريخ الستينيات والسبعينيات نتجاوزه.. وايام كامب ديفيد اسرائيل تصنع مسلسلاً ضخماً/ انت واحد ممن شاهده واستمتع به/ يسمى: (المهلهل).
وملايين العرب ينغمسون في متابعة حكاية (حرب البسوس) وفيها المهلهل يقاتل لأربعين سنة ثم يهزم. والمسلسل يصنع إسرائيلياً أيام كامب ديفيد، لأن اسرائيل باللسان المصري تقول لمصر
: لماذا تهلكون أنفسكم في حرب يائسة.. سالموا وسالموا..
ومثلها اسرائيل تصنع كل شيء وتسقيه عروق المجتمع العربي.. ونحن نكرع
والجمال.. جمال العمل المقدم .. يصبح نسخة من جمال الفتاة اعلاه.
(5)
والسينما والمسرح والنكات والأغنيات تصنع بحيث تصبح هي طعام الغولة
والعمل الاجتماعي والسياسي مثله. ويهود يتبرعون لمبارك بكهربة الريف المصري
ومبارك يحدث برلمانه عن أن
: المزارع في اول المساء حين لا يجد شيئاً للتسلية فإنه يتسلى (بالولية)
والنتيجة مزيداً من الأفواه للطعام.
: وانا عندي (60) مليون فم ..أأكلهم من فين؟
ثم ما يحدث هو
المزارع يسهر مع التلفزيون بعد وصول الكهرباء، ثم وبدلاً من النهوض فجراً للعمل .. المزارع تحت السهر يصحو في التاسعة.
ولا إنتاج
والنماذج لا تنتهي
والحرب الجديدة سلاحها.. عمداً .. مجهول.
لكن السلاح الأعظم للتدمير يبقى هو السؤال الذي نطلقه بعد كل ضربة
لماذا يفعل العدو ما يفعل؟
والسؤال يصبح هو الكساح الأعظم
كساح يعجز حتى عن تحويل السؤال القاتل هذا الى السؤال الوحيد الذي يصلح والذي هو
..لماذا (لا) يفعل العدو ما يفعل؟

إسحق فضل الله
الانتباهة