رأي ومقالات

وفاة التشكيلي السوداني ابراهيم العوام


لا أزعم أن لي إستيعاب للفنون التشكيلية ، وعموم أشغال الرسم ، لم أمتلك ذائقة لذلك ولا أنتحل مزاعم معرفة لي بخصوص هذا الفن ، حتي التقيت بالعم (العوام) شدني نحوه تهذيب يتقطر مثل حبات الندي ، قلت غير مرة أن صنف البشر الذين يحيطون أنفسهم بالتهذيب يربكون شخصيتي ! والعوام كان شيخ هؤلاء ، حينما حضرت الي صحيفة (الرائد) كان الرجل من اركان أعمالها في الملفات المرتبطة بالثقافة والفنون ، كان اقرب مني للزميلين الراحل (عوض الكريم المجذوب) والحاضر (طاهر محمد علي) كنت التقيه فان كان جالسا يقف او كان ماشيا توقف ، وانا في مقام ابنه عمرا ونعله وتحت نعله ابداعا وصيتا وبذلا للانسانية ، يحدثك بصوت خافت وحديث مختصر ، عليه سمت تواضع يشعرك انه عابر سبيل بالمكان وليس شريك نشر ورسالة له فيها حق الاصالة ، ملابسات لم اقف علي تفاصيلها انقطع بسببها الرجل عن الصحيفة التي تقطعت بعده وانضمت الي ذاكرة الارشيف ، وانقطعت أخباره الا لمحات من لقاءات في تلفاز او ذكر في مضابط مباحث اذاعية حينما يأت ذكر مدرسة الواحد ،كنت اجترح استفهامات الدهشة عن جفاء الناس للمبدعين والطرقات والمنابر تكتظ بانصاف المواهب والمتعلمين الحلاقة علي رؤوس الطيبين مثل (العوام ) وغيره ، الذين عجز مشروعنا عن إستيعاب طاقاتهم ، هي طاقات لم تتخطي الرقاب او تنازع في انصبة السلطة ، كنت دائم الظن ولا ازال بان الانقاذ محصلتها صفر عريض في الثقافة التي تحولت لوزارة ديوانية المناشط ، لم تفتح مسرحا او صالة لعرض الفنون ، وربما لم تطبع كتبا عدا وريقات بذلتها (أروقة) اغلبها لشاعرات انتاجهن من حيث مثل حساب شركات الاتصال بالثانية ! ولان (العوام) وامثاله ارق من إحتمال عذابات هذا الجدب والجفاف فقد رحل الرجل في هدوء ، حملت عقارب السادسة صباح يوم الإثنين نعيه الي عدد من مجموعات الواتس ، نعاه ابن شقيقته ، باسمه فترحم عليه الحضور بين يقظة ونوم ، لم يعرفه البعض ، حتي اشرقت الشمس وحفل الطريق بالمشاه فعرفوا انه العوام التشكيلي البروفيسر ، ثالث اركان مدرسة الواحد ، تلون الحزن بين عارفي مكانته ، لون سواد سميك عريض الكثافة وشم اسمه عليه ببياض بشرته الفاتر وبسمة كلما كنت اراها احتار في دلالة حيرتها الغامضة ، كان شبحا من ضحكة مقتضبة ، وبسمة ساخرة باقتضاب علي وجه طفولي الملامح ، مات (العوام) وبقي من لا يجيد العوم او حتي لزوم الشاطئ.

بقلم
محمد حامد جمعة

محمد حامد جمعة نوار

تعليق واحد

  1. مقال أكثر من رائع من ناحية المحتوى عن الراحل رحمة الله وغفر له وكذلك من ناحية الأسلوب ـ فالقارئ يستمتع بكل حرف من المقالة التي عرفته بالراحل بأسلوب شائق ـ