تحقيقات وتقارير

(رقيب) يقتحم جلسة تشريعي الخرطوم.. البرلمانات.. التأمين في زمن (الرقيب)


ضرب تشريعي الخرطوم طوقاً أمنياً على بواباته للحيلولة دون حدوث خروقات أمنية، على خلفية اقتحام رقيب يتبع للشرطة جلسة حضرها النائب الأول لرئيس الجمهورية، رئيس مجلس الوزراء القومي، الفريق أول ركن، بكري حسن صالح، وبث فيها رجل الشرطة شكواه التي لم تكن مدرجة في جدول المجلس ولا في حسابات رواده.
وساء مسلك العسس ومسؤولي التأمين ومحاولاتهم تطويق المجلس بحرز أمين، بعض النواب، فطالبوا بفتح بوابات المجلس على مصراعيها أمام الأهالي لبث شكاواهم.
إذاً فواقعة (الرقيب) تفتح الباب واسعاً أمام التساؤلات المتعلقة بالطرائق المتبعة في تأمين البرلمانات، وما إذا كان يحق وصول المشكلات الى القبة (يداً بيد).
سلطة شعب
تتفق الدساتير ــ تقريباً ــ على أن المجالس التشريعية والبرلمانات، للشعب ومنه تستمد تسميتها، وإليه ترجع سلطاتها. فكثيراً من البرلمانات بعدد من الدول تسمى بـ”مجلس الشعب” و”مجلس الأمة” وعندنا “المجلس الوطني”، تدليلاً على أن سائر أطياف المجتمع وعامة الناس هم المعبر للدخول إليها.
أما نواب وأعضاء هذه المجالس فدخولهم لم يكن إلا عبر المواطن، وبقاؤهم داخل المجلس غايته المواطن والمنافحة عن حقوقه وقضاياه ومعاشه، ولمّا كانت هذه المجالس معنية في الأساس بالمواطنين فالمتوقع أن يتدافعوا إليها طلباً لقضاء مصلحة ما، لكن ذلك أمر دونه مغاليق ومحاذير فنظم التأمين قد لا تمكن الزائر من مقابلة من يريد، ولا طرح ما يريد، مظلمة خاصة كانت أو شأناً عاماً.
أحقية
تتباين إجراءات التأمين بالبرلمانات والمجالس التشريعية بحسب الحدث الذي تستضيفه، فإن كان الزائر مسؤولاً رفيعاً من مؤسسة الرئاسة، فالتأمين شديد، والدخول غير ميسور إلا بعد تمحيص في كنه الداخلين ومعرفة أسباب حضورهم ذلك بعد إبراز هوياتهم، فيما خلا ذلك يكون التأمين بصورة معتادة.
لكن الثابت أن ارتياد المجلس الوطني ميسور حتى لعامة الناس، وما من قيود سوى الإجراءات العادية حيث إبراز بطاقة الهوية وتأكيد غرض الزيارة لأفراد الاستقبال فيمنح بطاقة زائر، قبل الدخول للاستقبال الداخلي، وهناك أيضاً يتكرر السؤال، حيث تنص لوائح المجلس على أحقية المواطنين في دخول المجلس وقتما أراد أثناء ساعات العمل الرسمية كما يمكن لكل مواطن حضور الجلسات، والاستماع لمدخلات النواب.
تأمين مستمر
ترابط بالمجلس الوطني قوة تأمين ثابتة تعمل على مدار اليوم في مناوبات مستمرة، ويتوزع أفرادها على مختلف باحات المبنى ما بين الاستقبال الخارجي والمواقع الداخلية لرصد أي تفلت أو إشكال قد يحدث، وفي حال حدوث ما يعكر صفو الهدوء المطلوب تقود القوة المتسبب في ذلك لأحد مكاتبها الداخلية لاستجوابه ومعرفة مسببات ما حدث وتشرع من فورها في معالجة الأمر وإعادة الهدوء لسابق عهده، ودائماً ما تسند قيادة الأمن بالمجلس لأحد الرتب الوسيطة من الضباط، بمعاونة عدد من المساعدين ثم يتوفر تحت خدمتهم جمع من الكوادر يزيد عددهم عن العشرين فرداً، ويزداد العدد عند الملمات الكبيرة في حال حضور رئيس الجمهورية على سبيل المثال.
يقظة وحذر
يقول أحد الذين تسنموا الإشراف على الأمن بالمجلس، وهو ضابط برتبة ملازم أول، إن التأمين بشكل عام يتمحور حول بث الطمأنينة داخل المؤسسات السيادية، مشيراً في إفادته لـ “الصيحة” أن الأمر يتطلب اليقظة والحذر والحس الأمني العالي تجاه كل ما يقع من تحركات، لا سيما وأن هذه المؤسسات يرتادها جمع لا يحصى من الحاضرين بمن فيهم الشخصيات الرفيعة، وهو ما يستوجب حفظ الأمن باليقظة والمتابعة دون التدخل في حرية الأشخاص، لافتاً إلى أن فرد الأمن مهمته تسهيل حركة الزائر وليس التضييق عليه، وقطع بأن التعامل بحكمة عند حدوث أي طارئ أمر مطلوب تجنباً للتصعيد.
اختراقات
مع كون اليقظة والحذر مطلوبين في تأمين مجالس التشريع والبرلمانات، لكن التشدد في هذا المسلك غير مطلوب لأنه يفقدها شيئاً من هيبتها المفترضة، كما أن إحساس الزائر لهذه الأماكن بالتوجس يصيبه بشيء من التبرم وإن كان مكتوماً، والثابت أن أغلب الاختراقات تكون في القاعة الرئيسية وما إن تحدث الجلبة والضوضاء حتى يتدخل أفراد التأمين باقتياد المتسببين فيها، ومن ثم التحقيق معهم لإعادة الهدوء للمكان.
وتعمد بعض المجالس التشريعية لابتكار طرق محددة للتعامل مع عامة المواطنين، وهنا يمكن استصحاب تجربة ولاية البحر الأحمر حيث يظل مبنى المجلس التشريعي متاحاً للمواطنين ويمكنهم التقدم وطلب مقابلة رئيس المجلس لطرح قضية تخصهم، لكن التجربة بها من العلات والنواقص ما يجدر تلافيه، حيث يقوم على تلبية مطالب هذا الجمع من الناس حاجب يتولى أمر إدخالهم لمكتب رئيس المجلس، ويقف الحاجب على بوابة تتقدم المكتب ومؤمنة بالبصمة بحيث يستحيل فتح مغاليقها بغير أن يجري عليها أصابعه فتفتح إيذاناً بالدخول.
سوابق
تروي إحدي السوابق عن اختراق ما حدث بباحة المجلس الوطني، حينما تسلل أحد الأفراد لداخل القبة وبعثر بعض الأوراق على القاعة ثم انسل خارجاً، وحينما علم أفراد التأمين بمسلكه حققوا معه، فوجدوا أنه غير غريب على المجال ويعمل أيضاً بذات مهمتهم ولكن بموقع آخر، في رسالة قد تبدو واضحة، بأن خطوته ومسلكه لم يكن اختباراً لقدرة الأمن بالمجلس على كشف أي تفلت قد يحدث.
وليس بعيداً عن الأذهان قصة الشرطي الذي اقتحم قاعة المجلس التشريعي لولاية الخرطوم قبل نحو أسبوع، وتباينت الأراء حول حادثة الاقتحام ولم تتفق على إجابة السؤال، هل تعتبر خللاً في التأمين أم غير ذلك، وتكمن الصعوبة في منع كل داخل للمجلس بلا سبب منطقي خاصة حال كان مهندماً وحسن المظهر ولم يبدر منه ما يجلب الظنون، وإن شئنا الانتقال للولايات لوجدنا بعض الحوادث الشبيهة حيث يقتحم المجالس بعض من عامة الناس لغرض ما، ومهما يكن من أمر، فكل تلك الحادثات يتم احتواؤها وطي القضية بعد استجواب المخالفين ومعرفة مسببات ودواعي ما دخلوا لأجله.
علاقة حقوق
يرى عضو المجلس التشريعي بولاية شمال دارفور، آدم منان، أن الأصل في هذه المجالس خدمة قضايا المواطن وإبراز همومهم ومشكلاتهم، لافتًا إلى أن حسن التعامل ما بين الطرفين – الجهاز التشريعي والمواطن- ما هو إلا دليل عافية ويعزز من فرضية كسب ثقة عامة الناس في عينهم الرقيبة على الجهاز التنفيذي للحكومة، وقال منان لـ “الصيحة” أمس: إن التأمين لا غبار عليه، بل هو مطلب حتمي ويحدث بكل المؤسسات، لكنه يرى أنه تأمين لحفظ الأمن وليس لتحجيم دخول المواطنين على سبيل المثال ولا تقييدهم من ارتيادها في حال كانت لديهم مظلمة يودون عرضها على من يمثلهم أو حتى لرئاسة المجلس أو لجانه المختلفة، وقال إنه وعلى المستوى الشخصي متاح لمن يريد طرح أي قضية تتبع لدائرته، واعتبر أن تشدد التأمين الرامي لمنع المواطنين من دخول المجالس التشريعية لا يتناسب مع رمزية المكان ومدلولات الاسم، قبل أن يدعو للتبسط في هذه الناحية ومد حبال الوصل بين المواطن ومجالس التشريع تمكيناً لها من أداء وظيفتها بغير إخلال بمبادئ السلامة والأمن.

الخرطوم: جمعة عبد الله
الصيحة