تحقيقات وتقارير

على أعتاب دستور دائم نظام الحكم.. نظرة في منهج (الحاكمية)


الجدال حول الإسلام كمنهاج حكم، ومنهاج نبوة فقط، لن ينتهي بسهولة. فدعاة العلمنة يستقوون في دعواهم بدلائل مستقاة من داخل آخر الرسالات السماوية، وكذلك يفعل من يرفعون شعار الحاكمية لله.
في السودان الذي ما يزال دستوره في طور التشكل، تتنامى مثل هذه الأطروحات، ولكن في يومنا هذا سنعرف التصورات الإسلامية حول مسألة الحكم طبقاً لما ورد في ندوة (النظام السياسي في التصور الإسلامي) التي أقامتها أمانة الشباب بحزب المؤتمر الوطني يوم (الثلاثاء) بقاعة الشهيد الزبير وأمها مجموعة من المختصين وأساتذة الجامعات.
يذكر أن المؤتمر الوطني الحاكم، حزب ذو صبغة إسلامية، وساعٍ مع مكونات أخرى لإقامة دستور إسلامي دائم يحكم البلاد التي تستوطنها غالبية مسلمة.
صلاح
يقول أستاذ دراسات العالم المعاصر ودراسات الحضارات بجامعة النيلين د. محمد المجذوب، إن الإسلام يظل صالحاً لمسارات الحكم كافة بينما يكمن الاختلاف في صيغة التطبيق ودرجة الاستيعاب من دولة لأخرى في معظم القضايا، عازياً ذلك الى وجود مرجعيات وأسانيد يستند عليها الإسلام من الكتاب والسنة، حيث كان مجيء دولة المدينة في الأصل وظهورها بغرض تصحيح العديد من الأوضاع والسلوكيات الاجتماعية وهو ما يعني أن الإسلام لديه نظام يستند إليه بل هو إرث كبير، وربما يكون التطبيق جعل البعض يعتقد أنه في حاجة إلى تجديد كما يردد فلاسفة العصر الحديث الذين هم في الأصل يحرصون على فصل الدين عن الدولة.
ثوابت
يؤكد المجذوب أن العالم يدار اليوم من قبل مجموعة أشخاص تجتمع فيهم فكرة مشتركة على مستوى الرأسمالية، والعوامل السياسية والمصالح المشتركة، وسائل الإعلام وهو ما يكاد يكون حدث فعلاً في أوروبا مؤخراً حيث نجد أن دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية الأغلبية الرأسمالية هي التي تحكم بدعوى الديمقراطية.
ويضيف أن هناك ثوابت يتوجب اتباعها على صعيد النظام السياسي متى ما رغبت الدولة الإسلامية إنزال نهجها، منها مسألة مشروعية الحكم وهي أن تكون سلطة الحكم شرعية ومتفقاً عليها، فضلاً عن الحكم بشرع الله، فمتى ما خالف الحكم قواعد وعناصر التشريع تصبح مردودة عليه وحينها تنتفي المشروعية.
قاطعاً بوجود مشاكل يعيش فيها الفكر الغربي مردها انعدام الأخلاق وعدم الالتزام التام بتطبيق صفات العدالة والمساواة والحرية التي ينادي بها، ما دفع بعض الفلاسفة للدعوة إلى إخضاع الأمر لمراجعات كما حدث في العام 2008 عندما حدثت الأزمة الاقتصادية العالمية، وقول البعض إن الابتعاد عن دين الكنيسة تسبب في هذا الأمر والمعنى هنا ” الإنجيل”.
ورفض المجذوب حديث كل من يعتبر قضية المواطنة في دولة له أبعاد أيدلوجية ودينية بحتة بقوله ” إن مسألة المواطنة أضحت تحسب بعوامل مختلفة منها ما هو سياسي واجتماعي” ما جعل ظهور مجموعات الدفاع عن قوانين حقوق الإنسان والعدالة الدولية في عدة محافل.
الحاكمية
يوضح المجذوب بأن هنالك مفاهيم مختلفة أيضا لمسائل الشورى والديمقراطية ما جعل استيعاب تطبيقها صعباً لدى البعض، وقال: لذا أود التأكيد على أن الإسلام لديه من الأدوات والوسائل ما يكفي، والحاكمية في الأول والآخر لله برغم وجود اختلاف مع (السلفيين) مثلاً الذين يعتبرون تطبيق قول الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) يعني السلطان باعتبار عدم مخالفته لطالما اقتضى سبحانه وتعالى تولية الحكم، وهو تفسير خطأ حيث إن الحكم المطلق وتطبيقه كذلك بغير الجائز فهناك أمور تقديرية يجوز اللجوء إليها حال اقتضت الحاجة.
منوهاً، إلى أنه عندما تم توافق على وثيقة أهل المدينة بين الرسول صلى الله عليه وسلم واليهود جرى تطبيق نظامين سياسيين وفق رؤية موحدة تم الاتفاق عليه بين اليهود والمسلمين لإدارة الشأن العام مع قوة دفاع مشتركة لحماية المدينة متى ما تعرضت لأي خطر، ولفت محمد المجذوب الى ما حدث عقب التوقيع على اتفاقية السلام الشامل – نيفاشا 2005 والتي بموجبها حكمت الأغلبية صاحبة المرجعية الدينية الأكبر وهم المسلمون فارتفعت حينها الأصوات المنادية بالتخلص من عبودية إحساس أنهم مواطنون من الدرجة الثانية وتأسيس دولتهم ما ترتب عليه ذهاب الجنوب، ما يشير ويجزم في تحكم النخبة السياسية في بعض الاحيان بالدولة وتسخير الدين لمصالحها سياسيًا واجتماعيًا.
مزيد من البحوث
في المقابل ذهب الباحث السياسي في الفكر المعاصر د. حسام الدين سليمان إلى أن سقوط مجموعة الحضارات والأمارات الإسلامية التي حكمت في فترة من الفترات ساعدت في وجود الفلسفة ” اللييرالية” وأسهمت في توسع وجودها خاصة عندما تحدثت عن مفاهيم جديدة عن الاقتصاد والتداخلات الاجتماعية والأسرة.
ويمضي حسام أن الإسلام جاء في الأصل لتنظيم حياة الناس ومن ثم الانتقال بهم الى مرحلة أخرى ما يؤكد وجود نهج وسياسة مسبقة. ويتفق حسام مع الرأي القائل إن ظهور مجموعة من المنعطفات والمنعرجات أفرزت نتائج بخلاف الشيء المتوقع والمأمول ولكن هذا لا يعني القدح في الفكرة وما تحتويه من مضامين.
مطالباً في الأثناء بضرورة إقامة المزيد من الورش والندوات ومدارسة القضايا الفكرية صاحبة البعد الذي يربط ما بين قضايا الدولة والمرجعيات الدينية للوقوف على كل قضية وما هو ملموس ومطبق فيها، وما هو في حاجة إلى الإصلاح متى ما تطلب ذلك.

الخرطوم: الهضيبي يس
الصيحة