الصادق الرزيقي

ورحل الطيب المرضي!!..


والمنية تُنشب أظفارها، ولا تميمة تنفع مع الموت، رحل في هدوء وصمت، اللواء معاش الطيب المرضي من الدفعة الأولى في القوات المسلحة التي تخرجت في العام 1950م، وأشهر حكام درافور في عهد مايو،

دون أن تعرف عنه الأجيال الحالية الكثير، إلا اسم يلوح أحياناً عند معاصريه أو من يريد التوثيق لحقبة مهمة من تاريخ البلاد، وربما ظنَّ كثيرون أنه فارق الحياة من سنوات ونسوا أن الرجل ظل بمدينته وموطنه (الأبيض – فحل الديوم)، حتى وافاه أجله وانتقل إلى جوار رفيق كريم ..
> الطيب المرضي، اسم ما أن تذكره أمام أهل دارفور، حتى تنهال عليك مرويات وقصص وحكايات ومواقف، رغم قصر الفترة التي مكثها محافظاً للمديرية، وهي كل ولايات دارفور الحالية الخمس ولايات من(1973 حتى 1981م) عندما اندلعت انتفاضة عارمة مع بواكير الحكم الإقليمي عندما عيَّنه الرئيس السابق جعفر نميري حاكماً لإقليم دارفور ..

> عادت بنا الذاكرة منذ سماعنا نبأ وفاة اللواء (م) الطيب المرضي أمس، إلى تلك الأيام ونحن في بدايات المرحلة المتوسطة عندما اندلعت انتفاضة دارفور في كل مدنها، وكنا نردد في شوارع مدينة نيالا في تظاهرات هادرة، ضد قرارات جعفر نميري ورفض تعيين حاكم من خارج دارفور على المديرية التي تساوي حجم فرنسا .
> أسعفتي الذاكرة ببعض ما أعرفه عن الطيب المرضي الذي لم يره جيلنا عيناً بياناً، لكن لُذتُ بالأخ العزيز آدم جماع آدم والي ولاية كسلا، وأحد الذين فجروا وقادوا تلك الانتفاضة، ووجدته محزوناً مكلوماً لوفاة الطيب المرضي الذي ترك بصمات في دارفور كلها لا يمكن أن تُمحى من ذاكرة أهلها، وأفادني جماع بما يلي:

> « ولد الطيب المرضي في العام 1927م، بالأبيض، وهو ينتمي لبيت عزيز وكريم من بيوتات قبيلة الشويحات بكردفان، درس فيها، والتحق بالكلية الحربية وتخرج فيها في العام 1950م في الدفعة الأولى التي ضمت الفريق مزمل سليمان غندور (أطال الله في عمره)، وكان مزمل أول الدفعة، وعمل الطيب المرضي بعدد من الوحدات العسكرية في القيادة الغربية والقيادة الوسطى في الهجانة بكردفان وبالاستوائية والقيادة العامة للقوات المسلحة ومناطق ووحدات عسكرية شتى، وكان من أوائل الضباط الذين ابتعثوا لإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية لتلقي دورات عسكرية وتدريبية خاصة في مجال الاستخبارات العسكرية، وعمل ملحقاً عسكرياً بالخارج، وعقب وصول جعفر نميري للسلطة في انقلاب مايو 1969م استعان به مع عدد كبير من القيادات العسكرية في إدارة شؤون البلاد.

> عمل في مجال اللاجئين ومجالس الشعب ومواقع أخرى، ثم تم تعيينه محافظاً لمديرية دارفور في العام 1973م خلفاً لمحافظها السابق الضابط الإداري عثمان حسين .
> وما أن وصل الطيب المرضي دارفور -وكانت مديرية واحدة- حتى أرسى دعائم سلطته ومنهجه الجديد، ويُنسب له الفضل في تعمير المديرية وتوسيع الخدمات الضرورة والمشروعات التنموية في كل مناطق دارفور الحالية. استعان عند تكوينه لمجلس المديرية بالقيادات الأهلية ورموز المجتمع في (مجلس المديرية) الذي ضم كبار أهل دارفور وقيادات المجتمع (السلطان عبد الرحمن بحر الدين، الناظر علي الغالي، الناظر دبكة، الملك رحمة الله محمود، الملك علي محمدين، السلطان دوسة، الناظر ضو البيت، وسعد محمود موسى مادبو)، ومن التجار .. (بابكر أحمد نهار، وصالح فضل المولى آدم وعثمان محمد خير ، علي الرضي، علي الشريف آدم، الزين آدم رحال، مصطفى موسى، محمد الزاكي، القاضي علي إدريس، محمد فضيل حسن، باسكالي ماركيسي) وغيرهم. وبمعاونة هذا المجلس، بدأ المحافظ تنفيذ الخطة التنموية التي أنعشت دارفور نسبياً في تلك الفترة في مجال الخدمات (التعليم, الصحة، المياه، والكهرباء). وعرفت مدن في دارفور مثل كبكابية والجنينة ومليط وكُتم وأم كدادة والضعين وغيرها، الكهرباء مولدات الكهرباء المتوسطة الحجم من ماركة البارليه .

> توسعت في عهد الطيب المرضي تجارة الحدود مع ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى ودول غرب إفريقيا، وعمل على مشروع استقرار الرُّحل وتنمية مناطقهم، خاصة في شمال دارفور مستجيباً لما ظل ينادي به -الملازم حينها- عبد الرحمن عمر فايق الذي نجح في القبض على قيادات من حركة يوليو 1976م في كبكابية بفضل حسه الأمني الرفيع، وتمت ترقيته من مساعد الى ملازم وهو أول من عمل على ترسيخ فكرة توطين الرُّحل وتعليم أبنائهم وتوفير الخدمات لهم، واقترح الطيب المرضي أن تكون منطقة غرير عاصمة لمشروع التوطين .
> واهتم المرضي بالعمل السياسي وتطويره واستقطب بمشروعات التنمية وقيادات الأحزاب السياسية والمعارضة لمايو، وأوجد روح النفير وسط أهل دارفور، فلم تكن في عهده صراعات قبلية ولا اضطرابات أمنية، وكان حاسماً في قراراته.

> عمل على ترقية الخدمات وتنويع المشروعات بقيادات المصالح الحكومية وقادة الخدمة المدنية الذين كان يختارهم بنفسه من الخرطوم للعمل معه في الفاشر أمثال (د. كمال زكي حكيم باشي صحة دارفور، والمهندس علي أبو القاسم علي مدير هيئة المياه لدارفور، وقيادات التعليم مثل المعلم والشاعر الكبير عمران العاقب ويحيى عمران) وغيرهم كُثْر.
> كان حريصاً على العمل الميداني، ويتابع تنفذ قراراته الحاسمة والفورية بنفسه، فضلاً عن العسكرية التي جعلت منه إدارياً محنكاً يمتاز بصفات القائد الحقيقي .

> عندما أعلن الرئيس جعفر نميري الحكم الإقليمي في 1981م، عُيِّن الطيب المرضي حاكم مكلف للتمهيد لمرحلة الحكم الإقليمي وقضى سنة في ترتيب الأوضاع الإدارية والتنفيذية والسياسية وهياكل الحكم، في العام 1981م أصدر نميري قراراً بتعيينه حاكماً لدارفور بدلاً عن مكلف، وهنا ثارت ثائرة أهل دارفور ليس ضد الطيب المرضي، وإنما ضد قرار نميري لأنه عيَّن في كل أقاليم السودان حكاماً لها من أبنائها، عدا إقليم دارفور، مما اعتبروه إهانة لأهل الإقليم، لأن في ذلك الوقت كانت التوقعات أن يتم تعيين المهندس محمود بشير وكان محافظاً لمديرية شمال دارفور وبينما كان عبد الرحمن سلمان من أهالي الدويم محافظاً لجنوب دارفور.
> خرجت التظاهرات في مدينة الفاشر وقادها الإسلاميون وكانوا متحالفين مع مايو، وأشعلوا شعلة الانتفاضة من داخل الاتحاد الاشتراكي، ومنهم (التجاني سراج، آدم جماع آدم، الشفيع أحمد محمد، محمد علي عبد الله، حمد أحمد محمد، محمد مصطفى ماكن، محمد إبراهيم السناري، بخيت عثمان سالم، آدم قاضي «قاضي مليط»، محمد آدم كنين، إبراهيم فوزي، أيوب عز الدين إسحاق). ومن نيالا قادها المرحوم (داؤود يحيى بولاد، معيقل مفتاح، سراج محمد صالح، صلاح الدين محمد صالح . ومن الجنينة.. حسب الله دكو ومولانا محمد صالح السنوسي). ومن غير الإسلاميين في الفاشر عاصمة الإقليم (عبد الله الطيب جدو، أحمد بابكر نهار، حسين سراج، آدم أحمد أبو زيد، إدريس البناني، عبد القادر فضيل ومحمد آدم عبد الكريم.

> وكانت هناك لجنة من قيادات الإسلاميين في الخرطوم وغرفة عمليات تتابع الانتفاضة فيها (الدكتور علي الحاج وملانا علي يحيى ومحمد علي فؤاد)، وانتصرت الانتفاضة وتراجع نميري عن قراره وقدم الطيب المرضي استقالته..»
> ويقول آدم جماع بلسان شهود العصر وقيادات دارفور، الطيب المرضي وضع بصماته واضحة في دارفور ولم تكن الانتفاضة ضده كشخص او كحاكم، وإنما كانت ضد قرار الرئيس جعفر نميري، ولو سارت الأمور على ذات النهج الذي كان في عهد الطيب المرضي من بعده خلال عهد أحمد إبراهيم دريج ومن تلاه، لكانت دارفور غير دارفور الحالية، ولما التهم حريقها كل مكان ..

> رحل هذا الرجل العظيم، فخبر وفاته الأليم، جعل كل هذه الذكريات تهمي والمرائي والصور والأحداث تعود طازجة كما كانت، رحمة الله على الطيب المرضي، ونسأل خالقه البارئ الغفور الرحيم أن يجعل مثواه الجنة ويلحقه المولى الكريم بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً..
ولا حول ولا قوة إلا بالله

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة


تعليق واحد

  1. الشىء المدهش ان آدم جماع الذى كان من قادة الانتفاضة ضد تعيين الطيب المرضى حاكما لدارفور بحجة انه ليس من ابناء دارفور

    يحكم الان ولاية كسلا فى اقصى شرق السودان وهو ليس من ابناءها , ويحى على بلادنا التى تنهار وتزوى بفضل مزايدات وازدواجية

    معايير الاسلامويين والايدلوجيين بصفة عامة منذ منتصف ستينات القرن الماضى !!!!!!!!!