زاهر بخيت الفكي

رحلت فاطمة وهل يُجدي البُكاء..؟


الناس صنفان..
موتى في حياتهم وآخرون في باطن الأرض أحياء..
ماذا يُفيد البُكاء والنواح والاحتفاء بعد الرحيل..؟
كم من مُفكِر وقائد ومُبدِع شارك في مجد هذا الوطن المأزوم تركناه يُعاني وحده شظف العيش وحيداً (غريباً) داخل الوطن وخارجه..؟

تعففّ هؤلاء لم يسألوا في حياتهم أحداً من الناس كما لم نسأل نحنُ منهم ، رحلوا في هدوء وتبيّن لنا بعد موتهم حجم المُعاناة التي كانوا يعيشونها بيننا لم تشفع لهم عظمة أعمالهم وجليل خدماتهم وهم أحياء ، ثم نبدأ في نظم قصائد الرثاء وانتقاء المُفردات التي تليق بهم بعد موتهم والكُل يدعي ويُحدث الناس (كذباً) عن علاقة خاصة جداً كانت تجمعه بالراحل/ة وجميعهم تنصّل من مسؤولياته تجاه من رحل قبل رحيله وعلى غيره يُلقي اللوم..

مات بهنس الشاعر المُبدع قبل سنوات قليلة من شدة البرد ورُبما من الجوع (الكافر) في القاهرة وعلى قارعة الطريق ، مات بهنس كما تموت الهوام ومُعظم من أكثروا النواح عليه وكتبوا عنّه كانوا يعلمون تفاصيل حياته قبل مماته ومنهم من جمعته الصُدفة في القاهرة ببهنس وزاغوا منّه دون أن يُقدموا له ما يحتاجه على قلته في غُربته القاسية تلك وكم من أحدٍ جاءنا بعد وفاته يلبس قناعاً من الحُزن يحكي عن علاقة لصيقة به ، رحل بهنس في صمت وحال من تصدى لحماية الابداع وأهله من الساسة في بلادي يُغني عن السؤال..

لم يكُن حال الفيتوري الشاعر الكوني بأفضل من بهنس وما من فرق بينهما سوى أنّ الرجُل توفي في داره مع أسرته المغربية ووجد في المغرب التي اختارها منفى له من يحتفي به بعد وفاته ولم يجد منّا سوى البُكاء (الكاذب) وترديد قصائده المتعوب فيها في ملماتنا ووسائطنا المُتعددة والتكريم الحقيقي الذي وجده هؤلاء في حياتهم وبعد مماتهم هو تكريم البُسطاء من الناس لهم..
رحمةٌ من الله واسعة تغشى جميع موتانا..

رحلت عنّا فاطمة أحمد إبراهيم المُناضلة الجسورة والمرأة القوية التي استطاعت أن تُنظِف لغيرها من نساء بلادي الكثير من الطُرق الوعرة وأضاءت لهنّ دروب مُظلمة لن يستطعنّ الدخول فيها لولا جسارتها وقوتها ومجابتها لصعاب تحاشاها حتى الرجال أصحاب النضالات (الفشنك) ومن يُكثرون الكلام (الساي) ، ضجت الأسافير برحيلها والكُل في حالة من البُكاء والكُل يبحث عن دور (ساهل) يُدنيه من مراتب النضال في بلادٍ أصبح النضال فيها مؤهل يُوصل صاحبه للوظائف العُليا..

سارعت الدولة ورغماً عن خلافها الأيدلوجي مع الراحلة لنيل شرف مواراتها الثرى في موطنها وتقديم عرضها في دفع كُل النفقات المُتعلقة بالجُثمان مع غيابها وجميع الأطراف المُتنازعة معها من مشهد حياتها والذي غاب عنه أيضاً نُشطاء الأسافير ومن أقاموا لها سُرادق عزاء في صفحاتهم وكثير من مُنتسبي الحزب الشيوعي داخل وخارج السودان..
نسأل الله لها الرحمة والمغفرة..

بلا أقنعة – زاهر بخيت الفكي
صحيفة الجريدة