الصادق الرزيقي

جمع السلاح (3)


تناولنا في الحلقتين السابقتين من هذه المقالات، جذور وأسباب انتشار السلاح في دارفور وأهم مصادره وكيف تسرَّب الى أيدي المواطنين منذ العام1975. اليوم نستعرض أحد أهم وأخطر مصادر السلاح وأكثرها نشراً للفوضى العارمة التي حلت بكل الولايات الخمس خلال الخمس عشرة سنة الماضية،

ولا يمكن لراصد للحالة الأمنية والعسكرية ألا يضع نشوء الحركات المتمردة كنقطة فاصلة في الوضع بدارفور، إذ انفتحت فوهات الجحيم على أهلها، ولم يعد هناك من عاصم يكبح الإعصار الهائج وهو يجتاح هذا الجزء من البلاد.

> اذا كانت حركة داؤود يحيى بولاد وغزوه من الجنوب لأراضي دارفور طمعاً في الوصول الى جبل مرة وإعلان التمرد من هناك، بتنسيق مع حركة قرنق، تعتبر هي الرحم الولود للحركات التي جاءت من بعده، فيمكن القول إن حركة جون قرنق لم ترَ في محاولة بولاد سوى بداية الصعود الى البركان وإشعال الحريق بالكامل وإلحاق دارفور بمناطق الحرب مثل الجنوب، وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق، واستطاعت حركة قرنق خلال عشر سنوات من حملة بولاد، تجنيد عدد من أبناء دارفور في صفوفها، ولعب الحزب الشيوعي السوداني دوراً بارزاً في تنسيق (إعارة) عضويته من أبناء ولايات دارفور الى الحركة الشعبية، بالإضافة لتنظيمات أخرى أوفدت منسوبيها، وأبرز هؤلاء الذين انضموا او نسقوا مع حركة قرنق (عبد الواحد محمد أحمد نور، أحمد عبد الشافع، عبد اللطيف مسؤول الشؤون الإنسانية بحركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، عبد الله أبكر، ترايو، عمر فور، الهادي عيسى، أبو القاسم إمام، د. أبو القاسم سيف الدين وصلاح أبو السرة، د. أحمد محمدين)، وآخرين . كما أن حركة العدل والمساواة التي تنسب الى تيار الإسلاميين في المؤتمر الشعبي ، كانت جزء من الجوقة التي أدخلت السلاح ونشرته في دارفور .

> بمجرد ظهور الحركات المتمردة في أعلى مناطق جبل مرة في معسكرات أعدت لها هناك، وجد فيها قرنق والمنظمات الغربية التي تدعمه فرصتها لتمرير السلاح الى دارفور، وربط قضيتها بقضية الجنوب، وكان هدف قرنق الإستراتيجي هو تفجير الأوضاع في كل الأطراف وما سُمِّيَ بالمناطق المهمشة ليتم الضغط على المركز والزحف نحوه وإسقاط السلطة القائمة وإقامة السودان الجديد، واستطاعت الحركة الشعبية بقيادة قرنق بالتنسيق مع ليبيا وأطراف أخرى تمرير الأسلحة والعتاد الحربي الى الحركات المتمردة خاصة حركة تحرير السودان الأم وكان رئيسها عبد الواحد نور وأمينها العام مني أركو مناوي، وتضم أعداداً كبيرة من هؤلاء القادة المتمردين .

> والغريب أن الحكومة في ذلك الوقت كانت تنفي وجود أية حركات مسلحة في دارفور، ولم تستمع لتقرير رئيس لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان في ذلك الوقت من العام 2002 الفريق حسين عبد الله جبريل الذي ذكر فيه أنه توجد قوات مجهولة الهوية في دارفور، بل بعض أطراف الحكومة ورموزها وداخل المؤتمر الوطني طعن في صدقية تقرير الفريق حسين جبريل وتبنى رأي الجهات التي كانت تقول عكسه وأبرزهم الفريق أول إبراهيم سليمان والي ولاية شمال دارفور في ذلك الوقت ورئيس آلية بسط هيبة الدولة في دارفور .

> لكن مع مجيء العام 2003، سرعان ما ثبت صحة تقرير الفريق حسين عندما بدأت حركة تحرير السودان هجماتها والإعلان عن نفسها تحت مسمى (حركة تحرير دارفور)، ثم عدل جون قرنق بنفسه الاسم الى (حركة تحرير السودان)، واستطاعت الحركة مهاجمة مدينة الفاشر وتدمير الطائرات واستباحة جزء من المدينة قبل دحرها وخروجها وكانت تلك الولادة الفعلية للتمرد، وبدأت تدفقات السلاح من ليبيا وتشاد، وبسبب الخلاف بين الخرطوم وانجمينا أسفرت الأخيرة عن وجهها المعادي للسودان ودفعت بقوات مناصر قتالية الى صفوف الحركات، وألقى القذافي بثقله وراء الحركات المتمردة، خاصة بعد ظهور حركة العدل والمساواة في العام2003م وقويت شوكتها بعد جولة المفاوضات الأولى مع حركة تحرير السودان في مدينة أبشي التشادية في النصف الثاني من 2003م.

> منذ ظهور الحركات وتنامي نشاط التمرد حتى خبو ناره في كل ولايات دارفور، وتبدد دخانه، دخلت دارفور أكثر من ثلاثة ملايين (3000000) قطعة سلاح وصلت الى أيدي القبائل والأفراد، وشاركت بالعل في الحروبات القبلية او في أنشطة التمرد والقتال الذي دار خلال الخمس عشرة سنة الماضية وهي أنواع مختلفة من الأسلحة جُلها من أكبر مخزن للسلاح التقليدي في العالم وهو مخزن العقيد القذافي.
نواصل غداً

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة


تعليق واحد

  1. لن تستقر دارفور ولا السودان ما لم تضرب الحكومة وبيد من حديد على رأس كل من يحمل السلاح وبلا هوادة او مهادنة. كفى مجاملة.لا نريد لهذا البلد ان ينزلق في مزالق الحروب والدمار. على الحكومة ان تمضي في طريق جمع السلاح دون ان تاخذها لومة لائم.ة