رأي ومقالات

كوريا الجنوبية هي التي بنت فندق قصر الصداقة في بحري، وقصر الشباب والأطفال في أم درمان وليست الشمالية


ربما رفع البعض حاجب الدهشة: ما الذي جعل الخارجية السودانية تُصدر بياناً قبل أيام، تُعرب فيه عن قلقها من التصعيد العسكري، الذي تشهده شبه الجزيرة الكورية، بل وتنصح سلطات كوريا الشمالية بضرورة ضبط النفس والالتزام بالمواثيق الدولية؟
هل تريد الحكومة أن تُبرئ نفسها من أيِّ علاقة تجمعها مع كوريا الشمالية، بعد المخاوف التي سرَّبتها واشنطن؟
من الواضح أن لا علاقة ظاهرة ومُعلنة أو حتى سرِّيَّة تجمع السودان بكوريا الشمالية، ومنذ عهد الرئيس جعفر نميري سارعت كوريا الشمالية قبل كوريا الجنوبية بافتتاح سفارة في الخرطوم، إلا أن نميري لم يُبادلها المودة والمحبة، حيث وجَّه بإنشاء سفارة للسودان في سيّول عاصمة كوريا الجنوبية، وما إن تم افتتاحها حتى سارعت كوريا الشمالية بإغلاق سفارتها في الخرطوم منذ ذلك الوقت وحتى الآن.

وفي سنوات مضت، بنت كوريا الجنوبية فندق قصر الصداقة في بحري، وقصر الشباب والأطفال في أم درمان، وتظهر في أوقات متباعدة بيانات أشبه بـ”العلاقات العامة”، تصدر من الجانبين، في حين لم تتَّضح أي معالم لعلاقة يمكن أن تجمع الخرطوم وبيونغ يانغ مطلقاً.
ما يثير الحيرة أكثر، أنه في حوار جمع صحفيين بثلاثة مسؤولين كبار بالإدارة الأمريكية تحدثوا خلاله عن علاقة الخرطوم وبيونغ يانغ، بدا واضحاً أن الخرطوم تُحاول ببيانها الأخير المُندِّد بسلوك كوريا الشمالية إما طمأنة مخاوف واشنطن التي لا محل لها في الإعراب، أو استغلال الأوراق المُتاحة.
صحفي من مجلة (Foreign Policy) وجه سؤالاً للمسؤولين الثلاثة حول التقارير الأمريكية التي أشارت إلى شراء السودان أسلحة من كوريا شمالية، وإن كانت واشنطن تحدَّثت مع الحكومة السودانية حول الأمر. قال أحد المسؤولين إنهم خصصوا اسم كوريا الشمالية في بيان الخارجية الأمريكية حول السودان لأن الأمر يمثل أولوية قصوى بالنسبة لهم، فيما أجاب مسؤول آخر على ذات السؤال أن موقفهم واضح مع الحكومة السودانية حول التعاون مع كوريا الشمالية، لأنها تُشكِّل مصدر قلق لديهم، بل وقال أيضاً: “السودانيون يتفهمون ذلك”.
نتساءل: كيف لدولة ليس لها سفارة في دولة أخرى، أن تكون على علاقة جيدة معها، بل لدرجة أن تشتري منها “أسلحة”؟!
الرقابة مشددة جداً على كوريا الشمالية من قِبَلِ الولايات المتحدة والأمم المتحدة، ولا مصلحة للسودان بتخطي الحواجز والوصول إلى قلب بيونغ يانغ لتقوية العلاقات وتعزيز التعاون العسكري، وشراء أخطر ما يمكن شراؤه من دولة!
رئيس كوريا الشمالية كيم جون أون، أكثر الرؤساء غرابة ودكتاتورية، ربما كان مندهشاً من بيان السودان – إن سمع به – باعتبار أن الخارجية استغلَّت حدثاً عادياً لتُبدي نفورها من تصرفات بيونغ يانغ، وربما لا يدري أن بلاده قد تصبح كرتاً رابحاً لدى السودان في مواجهة أمريكا.

لينا يعقوب