داليا الياس

أرض الدهشة!!


إذا كان شعور الدهشة لا يعدو كونه كلمة تتداولها حتى الآن في حياتك اليومية كمجرد تعبير، فأنا أنصحك بأن تيمم وجهك عاجلاً صوب ولاية (جنوب كردفان) بإنسانها المميز ومناخها المتميز لتتعرف على المعنى الحقيقي للدهشة والاندهاش على أرض الواقع!..

فالشاهد أن عموم نظرتي للسودان العزيز ومستقبله الإستراتيجي قد تغيرت كلياً في المسافة التي قطعتها بالسيارة ما بين (الأبيض) و(كادوقلي)، مروراً (بالدلنج)!ومهما بلغت من قدرة على التعبير فإنني سأظل عاجزة عن نقل تلك الصور الخضراء المتتابعة تفصيلياً مهما شحذت خيالكم بالأوصاف وأسهبت في تنسيق العبارات، إنه المشهد الوحيد الذي عبر حياتي حتى الآن ولا ترسمه إلا العين المجردة!وإن كانت (الأبيض) هي (عروس الرمال)، و(الدلنج ) هي (عروس الجبال)، فإن (كادوقلي) هي (عروس النضار والخضار والازدهار) دون منازع والله على ما أقول شهيد.ولا يمكنني اليوم بأي حال من الأحوال أن أكتب مقالي هذا بمنأى عن السحر الذي أنغمست فيه إبان رحلتي الأخيرة برفقة أساتذتي الكبار وبدعوة كريمة من حكومة ولاية جنوب كردفان للمشاركة في النسخة الثانية من مهرجان السياحة والاستثمار والتسوق.وكنت قد توجست من الموافقة على قبول الدعوة وأنا أستدعي جميع الصور الذهنية المختزنة بخاطري جراء أنباء القتال والتمرد والحرب طويلة الأمد التي نشأنا ونحن نتداول أنباءها ونتابع أخبار رموزها أصحاب ربطات العنق الفاخرة الذين يتشدقون بذرائع التهميش ويرفعون أصواتهم المحتجة إنابة عن أهلنا في جبال النوبة وهم أبعد ما يكونون عن واقعهم وأحلامهم وآلامهم واحتياجاتهم!وكنا قد حرصنا إبان رحلتنا التاريخية هذه، على التوقف مراراً للتمتع بصحبة أهلنا من العرب الرحل في مقاماتهم المتفرقة لنحتسي الحليب الطازج ونستمع لمطالبهم الإنسانية البسيطة ونغبطهم على ما هم عليه من رضى وقناعة، ولم تكن أمنياتهم بأي حال تتجاوز توفير العلاج والتعليم لهم ولأبنائهم بشكل ثابت!..

كما أن احتساء الشاي الصباحي في سوق المدينة – بعد وصولنا إليها – كل يوم ونحن نتحلق في أريحية مطلقة إلى جانب قيادات الحكومة ووجهاء المدينة ومثقفيها تحت الأشجار الوارفة والدعاش يلفح وجوهنا مهدئاً الأعصاب، كانت فرصة طيبة للإاستماع لأحاديث القلب وهي تسرد الوقائع بهدوء، وتؤكد أن لا مبرر للخلاف وأن احتواء الأمور هناك يحتاج فقط للتواصل التجاري والإنساني، لأن الأصل في العلاقات بين طرفي النزاع هو صلة الرحم والذكريات الجميلة.فعن أي حرب يجب أن نتحدث بعد الآن؟…

وها هو (عبد العزيز الحلو) يبدي النوايا الحسنة، بينما يحرص سعادة الوالي (عيسى آدم أبكر) على إطلاق مسمى (الأخوة في الجانب الآخر) بدلاً عن (المتمردين) فى جميع خطاباته.وأحسب أنه لم يعد أمامنا جميعاً سوى خيار تعزيز ثقافة السلام والتعايش لننعم بكل ذلك الجمال الأخاذ في منطقة تعد بكل المقاييس من أجمل المناطق السياحية في العالم لما تعج به من مناظر خلابة وطبيعة مبهرة ومناخ خريفي لا يضاهى ولكنها للأسف قيد الإهمال!!لقد آتى هذا المهرجان أكله كما يجب..

فأنا أعرف العديد من المبدعين الذين تشرفوا بزيارة جنوب كردفان خلاله للمرة الأولى.. وعادوا مكتنزين بالبهجة والأمل والدهشة.. يلفهم الندم على كونهم لم يبادروا بالزيارة من قبل.. ويودون من صميم قلوبهم أن يساهموا بفاعلية في تعديل الصورة النمطية السالبة عن المنطقة وأهلها، والحقيقة أننا كنا في تمام الأمان والحفاوة ومحل تقدير الجميع طوال مدة الرحلة ونحن نزور القرية السياحية والحديقة النباتية ونتمتع بالراحة النفسية ونضحك من الأعماق وقد غسلتنا (كادوقلي) من همومنا ولم تترك لنا سوى العشم الأخضر الدهشة!!تلويح:وأمتع نفسي بالدهشة .

اندياح – داليا الياس
صحيفة آخر لحظة