تحقيقات وتقارير

“ظاهرة الاختطاف” الإدارة الأهلية استنفرت قواها بصورة طوعية لتتبع الأثر جنباً إلى جنب مع جهود الأجهزة الأمنية لإعادة عربة منظمة المسار.. فهل ستعود العربة إلى مسارها؟


تفشت ظاهرة اختطاف السيارات بشكل كبير في الآونة الأخيرة في ولاية شمال دارفور، ما يؤكد أن الولاية لا تزال بحاجة لمزيد من الإجراءات الأمنية التي بإمكانها أن تحد من تفشي الظاهرة، ومواصلة لعملية الاختطافات التي شهدتها الولاية في الأيام الماضية قام مسلحون ملثمون (السبت) الماضي باختطاف سيارة إسعاف طبية، وأجهزة لابتوب وهواتف نقالة خاصة بموظفي منظمة (المسار) الخيرية لتنمية وتطوير الرحل، من خلال هجوم شن عليها بمقرها بمنطقة كبكابية بولاية شمال دارفور مطلع هذا الأسبوع.
وفر المسلحون إلى جهة غير معلومة، بعد أن استولوا على سيارة الإسعاف وأجهزة اللابتوب والهواتف الخاصة بموظفي المنظمة التي ينشط عملها في توفير الخدمات الصحية والعلاجية للإنسان والحيوان، إلى جانب بعض الأعمال الأخرى مثل تشييد الفصول الدراسية لأبناء الرحل على امتداد مساراتهم وصوانيهم التي يتوقفون عندها خلال فصل الخريف. وفي السياق قال عثمان حسين أبو بكر الأمين العام للمنظمة في تصريحات صحفية نقلتها عنه وكالة السودان للأنباء إن الهجوم المسلح كان بدافع السرقة، كما أنهم أبلغوا السلطات الرسمية بالحادث، والتي بدورها عقب البلاغ أسرعت في عمليات التحري وتعقب المجرمين.
واستخدم الخاطفون أسلوب قوة العين، إذ إنهم سرقوا النوم من أعيُن موظفي المنظمة أولاً وتحت (تهديد السلاح) ومن ثم الاعتداء بالضرب على اثنين منهم وإصابتهما إصابات خفيفة، قبل أن يفروا إلى جهة غير معلومة، وطبقاً لـ عثمان حسين أبوبكر الأمين العام للمنظمة أن الإدارة الأهلية “استنفرت” قواها بالكامل بصورة طوعية لتتبع الأثر جنباً إلى جنب مع جهود الأجهزة الأمنية، للقبض على المسلحين لاسترداد السيارة.
غير أن الحادثة لم تؤثر على عمل المنظمة التي توجد في محلية كبكابية وتشارك وزارة الصحة الولائية في القافلة الصحية الطبية والبيطرية المتكاملة في مواجهة الإسهالات المائية وتقديم المعينات للرحل والمستقرين في مناطق الريف بولاية شمال دارفور، خصوصاً بمحليتي كبكابية والواحة، وبحسب ما أفاد به عثمان حسين الأمين العام للمنظمة في تصريحاته صحفية فإن العمل قطع أشواطاً بعيدة وبنجاح مشهود حتى تشمل الرعاية الصحية جميع المواطنين للاستفادة من المعينات الطبية التي تقدمها وزارة الصحة بشمال دارفور بمشاركة المنظمة.
وسبق أن أكد المهندس عبد الواحد يوسف والي الولاية مضاعفة جهود الأجهزة الأمنية في حسم الظواهر السالبة، وتطبيق خارطة أمنية جنائية جغرافية، ومشاركة القوات المشتركة التي ساهمت في محاربة الجريمة والقبض على المجرمين والمتفلتين، وأشار عبدالواحد، في حديثه أمام المجلس التشريعي للولاية منتصف مايو الماضي، إلى أن الولاية خالية من أي صدامات أو مواجهات قبلية أو جهوية، إلا من بعض الأحداث الفردية من الخارجين عن القانون، الذين قال إن الأجهزة المُختصة حسمتهم.
وكان المجلس التشريعي لولاية شمال دارفور شدد في جلسته الدورية في مايو الماضي التي أُجيز فيها خطاب والي الولاية عبد الواحد يوسف على ضرورة معالجة بعض المشاكل الأمنية التي لا تزال ماثلة في بعض المحليات المتمثلة في ظاهرة اختطاف الأشخاص، ووجود المعسكرات والمحاكم العشوائية، لا سيما على طول طريق الفاشر كبكابية، وتفعيل النقاط الشرطية بالمحليات، وطالب أعضاؤه في ذات الجلسة ببسط هيبة الدولة وذلك بحسم المتفلتين، خاصة الذين يقومون باختطاف الأشخاص ويطالبون بالفدية.
وبالعودة للوراء قليلا فإننا نجد أن ظاهرة الاختطاف في دارفور منذ مطلع مارس من العام 2009م، حيث كانت حادثة اختطاف ثلاثة موظفي إغاثة يعملون لصالح منظمة أطباء بلاحدود فرع بلجيكا من منطقة سرف عمرة بولاية شمال دارفور، تلتها حادثة اختطاف (شارون كومنز) و(هلدا كابوكي) من منظمة غول الإيرلندية من كتم في يوليو من ذات العام، اللذين أطلق سراحهما بعد حوالى (100) يوم بعد مجهودات لأعيان الولاية.
ومن الحوادث الشهيرة أيضاً حادثة اختطاف اثنين من موظفات الإغاثة ضمن طاقم منظمة المساعدة الطبية العالمية بولاية جنوب دارفور، تحديداً منطقة عد الفرسان، وتوالى الأمر باختطاف (غوتييه لوفيفر) رئيس البعثة الفرعية للجنة الدولية للصليب الأحمر في الجنينة بولاية غرب دارفور، الذي أطلق سراحه بعد (147) يوماً من اختطافه في 22/ أكتوبر/2009م.
وفيما يبدو أن الظاهرة تديرها عصابات منظمة وأشخاص لم تستطع السلطات الأمنية بولايات دارفور الوصول إليهم حتى الآن. وفي السياق يقول مالك دهب المراقب للأوضاع بولاية شمال دارفور إن الظاهرة كادت أن تكون جزءاً من ماضي الولاية إلا أنها عادت للسطح خلال الشهور الماضية. وفي حديثه لـ(اليوم التالي) أمس (الاثنين) قال إن الفترة الماضية سجلت الولاية فيها عددا من حوادث الاختطاف، منها اختطاف عربة وزارة الزراعة، وعربة ملاكي وبعض الأغراض تتبع لإحدى الموظفات العاملات في اليوناميد، وعربة المنظمة الإثيوبية، وأضاف مالك أن بعض العربات تُستعاد ولكن (دون القبض على الجناة) الذين قال إنهم مازالوا حتى الآن يشكلون خطراً، ويهددون بأفعالهم نسف ما تسعى إليه الحكومة من استقرار بالولاية.
وبحسب ما أفاد به مالك دهب، فإن محاربة الظاهرة تتطلب من حكومة الولاية مزيداً من المراجعات في السياسات الأمنية خاصة وأن بعض الجرائم تتم دون الوصول إلى الجناة في حاضرتها مدينة الفاشر ومحلياتها المختلفة، وفرض مزيد من الإجراءات الأمنية في بوابات المدن، وأشار دهب إلى ضرورة أن يكون هناك تنسيق أمني في الفترة القادمة بين المحليات الحدودية لولايات دارفور لمحاربة الظاهرة التي مازال الجناة فيها يمرحون في الهواء الطلق.
ولكن فقد أكملت القوات المسلحة ترتيباتها الخاصة بإنفاذ خطة جمع السلاح في ولايات دارفور وكردفان، من أجل تعزير السلام والاستقرار الاجتماعي، ودعت منسوبيها إلى فرض الانضباط في أنفسهم بهدف تطبيق القانون لجمع السلاح من أيدي المواطنين.. سيبقى السؤال الذي يحتاج لإجابة هو هل تستطيع لجان الأمن بولايات دارفور الخمس وكردفان وضع الخطط الأمنية التي تمكنها من القبض على الذين يمارسون خطف العربات والمواطنين مقابل حصولهم على فدية؟

الخرطوم ـــ المقداد سليمان
اليوم التالي