تحقيقات وتقارير

“حال الخدمة” يرى خبراء أن إصلاح الخدمة المدنية يجب أن يبدأ من قمة الهرم الوظيفي وليس من قاعدته حتى ينصلح الحال.. ربما


تردٍّ بائن ولا اختلاف عليه، يضرب بجذوره عميقا في الخدمة المدنية في البلاد، وإن لم يتم تداركه عاجلاً فإنه سيشيعها إلى مثواها الأخير بعد مواتها الإكلينيكي الراهن، وهوانها على الناس بعد أن كانت نموذجا يحتذى بين الدول، وساهم التردي الكبير في تغيير الصورة الذهنية الثابتة بجودة العمل في دواوين الحكومة، وجعلت الحسرة تسيطر على كل السودانيين الذين باتوا يجترون الذكريات التي تتحدث عن خدمة مدنية معافاة وراقية يجدها كل طالبي الخدمة في المؤسسات العامة بسهولة ويسر.. جملة أسباب لهذا التردي من بينها سوء تقدير اتخاذ القرار من قبل المسؤولين والمجاملة أو الصعوبة في اتخاذ القرارات ذات نفسها لاعتبارات مختلفة، وقد أثبتت دراسات علمية أن الجهاز الإداري في البلاد معطوب وموصوم بالترهل والوهن والفساد، لدرجة بلغت مطالب الإصلاح الإداري فيها ذروتها، سيما وأنه وفي أي دولة يمثل القاطرة التي تجر وراءها كافة بنيات المجتمع نحو التقدم والتطور، لذلك يقفز السؤال دوماً والذي يتعلق بمدى إيمان الأجهزة الإدارية بضرورة مكافحة الفساد ومدى قدرتها على تحقيقه؟
ومنذ فترة اتجهت حكومة ولاية الخرطوم على إلزام المؤسسات والوزارات والوحدات التابعة لها بالاحتفال بما أسمته يوم الخدمة، ودرجت عدد من الجهات في الولاية على إقامته وبث مجموعة من الرسائل التي تصب في تجويد العمل بالخدمة المدنية، ويعد سانحة للتأكيد على إتقان العمل وتجويده ينتهزها مسؤولو حكومة الولاية لإنزال تلك الرؤى للعاملين بالمؤسسات، وكان عبد العاطي محمد خير المدير العام لوزارة التنمية البشرية والعمل قد أكد في وقت سابق من العام الماضي ضرورة تطوير مقدرات متخذي القرار بجميع وحدات ولاية الخرطوم، من أجل اتخاذ قرارات تصب في تطوير الخدمة المدنية إنفاذا لمقررات إصلاح الدولة.
وليس بخاف على أحد أن اتخاذ القرارات يمثل محور العملية الإدارية، لأنها عملية متداخلة في جميع وظائف الإدارة ونشاطاتها، فعندما تمارس الإدارة وظيفة التخطيط فإنها تتخذ قرارات معينة في كل مرحلة من مراحل وضع الخطة، وهذه الأشياء كانت مثار الحديث والنقاش في الورشة واتفق الجميع على أنها الأساس في العمل، سواء كانت عند وضع الهدف أو رسم السياسات أو إعداد البرامج أو تحديد الموارد الملائمة أو اختيار أفضل الطرق والأساليب لتشغيلها، وعندما تضع الإدارة التنظيم الملائم لمهامها المختلفة وأنشطتها المتعددة، فإنها تتخذ قرارات بشأن الهيكل التنظيمي ونوعه وحجمه وأسس تقسيم الإدارات والأقسام، والأفراد الذين تحتاج لديهم للقيام بالأعمال ونطاق الإشراف وخطوط السلطة والمسؤولية والاتصال. وعندما يتخذ المدير وظيفته القيادية، فإنه يتخذ مجموعة من القرارات سواء عند توجيه مرؤوسيه وتنسيق مجهوداتهم أو استثارة دوافعهم وتحفيزهم على الأداء الجيد أو حل مشكلاتهم، وعندما تؤدي الإدارة وظيفة الرقابة فإنها أيضًا تتخذ قرارات بشأن تحديد المعايير الملائمة لقياس نتائج الأعمال، والتعديلات التي سوف تجريها على الخطة، والعمل على تصحيح الأخطاء، إن وجدت.
وهكذا تجري عملة اتخاذ القرارات في دورة مستمرة، باعتبار أن اتخاذ القرار الفعال يعتمد على قدرة المدير في الحصول على أكبر قدر ممكن من البيانات الدقيقة والمعلومات المحايدة والملائمة، ومن ثم تحديد أحسن الطرق للحصول عليها، وتحليلها، ومقارنة الحقائق والأرقام ويخرج من ذلك بمؤشرات ومعلومات تساعده في الوصول إلى القرار المناسب. ومن نافلة القول التأكيد على أن أداء أي نشاط ما لم يسبقه قرار لن يتحقق، لجهة أن اتخاذ القرارات يعد أساس العمل والتي يمكن من خلالها إنجاز كل أنشطة المؤسسات وتحديد مستقبلها.
ومعلوم أن مختلف العمليات التي يقوم بها القائد أو المدير وما يصاحبها من أنشطة إدارية، إنما هي في الواقع سلسلة من القرارات، فالسياسة العامة ما هي إلا نتاج قرارات تتخذ في المستويات الإدارية العليا لتوجيه سلوك المرؤوسين، والإجراءات هي الأخرى تأتي نتيجة قرارات تحدد كيفية تنفيذ مختلف العمليات التخطيطية والتنظيمية، إذ إن أي موقف إداري أو تعليمي يمثل مشكلة ما أو فكرة ما، يتطلب اتخاذ قرار سليم نحو المشكلة بهدف حلها أو نحو الفكرة بغرض تنفيذها، والإنسان العادي يواجه في حياته اليومية مئات المواقف والمشكلات التي تتطلب منه اتخاذ العديد من القرارات، وفي الواقع أن بعض القرارات تتطلب من المدير جهدا كبيرا ووقتا أطول للحصول على أفضل البدائل تجاه مشكلة معينة، وقد لا يصل في النهاية إلى البديل الأمثل، وحال تحققت الوصفة أعلاه ستستعيد الخدمة المدنية عافيتها، لأن الأمر في الأساس ينبغي أن يعالج من أعلاه وقيادات العمل وليس المروؤسين فقط، وقتها فقط سينصلح الحال وينتهي الفساد والمحسوبية وأمراض الخدمة المدنية.

الخرطوم – مهند عبادي
اليوم التالي