تحقيقات وتقارير

داخليات البنات.. سرقات تتجدد كل حين


كل صباح يوم جديد تضج صالات تلك الداخلية الواقعة في أمدرمان فهناك اشياء مفقودة، من داخل الغرف وهناك أيادٍ متخصصة تنسحب إلى أقفال (شنط البنات) تسرق وتلهو بهدوء تام، هذا ما حدث للطالبة (ن) التي تعودت على هذه الظاهرة، غير أن سرقة مبلغ (خمسة آلاف ) جنيه من حقيبتها غير شكل حياتها، هذا المبلغ الكبير أرسلته لها أسرتها لتكملة إجراءات التسجيل بالجامعة والسكن والإعاشة وبعض الاحتياجات الصحية وغيرها، ولم تجد وسيلة غير أنها خرجت إلى الأحياء تطرق الأبواب بحثاً عن عمل عشوائي، فامتهنت (الغسيل ومسح الأرضيات) لتوفير ما يعينها على استمرار الحياة.
إصرار وعزيمة
أشارت (ن) والتي فضلت حجب اسمها خلال حديثها لـ(الصيحة) أنها فقدت كل ما لديها نتيجة الثقة في بعض من بنات الداخلية، لكنها أبدت سعادتها لأنها لم تفقد العزيمة والإصرار على مواصلة الحياة بالعمل الهامشي ومواصلة المشوار التعليمي، حرصًا منها لعدم إثارة أي مشكلة أو اتهام للزميلات بالغرفة المشتركة، ولمواصلة المشوار التعليمي كما أنها تسعى لتحقيق هدف واحد فقط يتمثل في خروجها من العاصمة وهي تحمل شهادة جامعية خالية من الشوائب، وأشارت أن هذا الحلم في يوم من الأيام كان تحقيقه بالنسبة لها من (المستحيلات) نسبة لظروف أسرتها المادية، وقالت: أنا الآن خريجة وما دايرة اتخرج بسيرة سيئة ودائمة الشكوى من التعرض للسرقة )، وطالبت بضرورة المحافظة على سمعة الداخليات باعتبارها مقرا يحتضن مجتمع بأسره وملتقى لكل الثقافات السودانية والأجنبية، كما أنه من المكتسبات التي تحوي كل المفاهيم والقيم التي اكتسبناها من السنوات التي قضيناها بداخلها .
أوقات ممتعة
فيما أشارت الطالبة (نعمات) وهي تسكن في واحدة من أكبر الداخليات بولاية الخرطوم، إلى الأوقات التي وصفتها (بالجميلة والرائعة) بالداخليات رغم أنها تحيط بها السرقات المتتالية وفقدان الاحتياجات وأجمل ما يميزها وقفة ودعم الزميلات للطالبة (المسروقة) وتعويضها فوراً، إلى جانب وضع الخطط للقبض على السارقة ومعرفة ظروفها والوقوف معها حتى تكف عن هذه العادة السيئة، التي شوهت سمعت الداخليات، وفي جانب آخر أضافت أنها استفادت من الاختلاط الإثني وتعدد الجنسيات ومزج القبائل السودانية، وذلك من خلال معرفتها بالطقوس السودانية من أكلات شعبية وأغانٍ وأعراس وغيرها .
الدنيا بخير
أما الطالبة (نهى ) وهي تدرس بجامعة أمدرمان الإسلامية وتقيم في داخلية خاصة للبنات بالرياض تقول : أول مرة تعرضت فيها للسرقة كان بالنسبة لها يوماً صعب للغاية، وحدث ذلك في أول يوم لها بالداخلية، فكانت مفاجأة وصدمة في نفس الوقت، ولم تكن قادرة على استيعاب ما حدث فدخلت في حالة بكاء وصراخ حتى إنها تسببت في إزعاج أصحاب المبنى المجاور من الجهة الشرقية للداخلية، فسرعان ما خرج الرجل (الخيري) صاحب اليد البيضاء التي تعطي ولا نراها وأخبرها بوجود لص يتربص ببنات الداخلية ويهجم عليها نهاراً ويعتدي على أموالهن حتى لا يبقي منه شيئاً، حتى إنه سرق (مرتبة) طالبة، ولم يترك اللص وراءه أي أثر يثبت جريمته، ثم أعطاها (ظرفاً ورقياً) بداخله مبلغ وقدره (1500) جنيه كمصروف توفق من خلاله أوضاعها المعيشية ، بعد أن سألها عن حجم المبلغ الذي سرق منها، كما تكفل بدفع القسط الأول من الرسوم الجامعية، ووعدها بإكمال ما تبقى لها من رسوم، وقد كان قدر المسؤولية والوعد، ووصفت ما حدث لها بـ(الكابوس) وأشادت بدور الطالبات في مساندتها والوقوف معها حتى مرت الأزمة الحرجة نظرًا ان المبلغ المسروق عبارة عن (تركة) ورثتها والدتها من أسرتها، وختمت بأن تكاتف الطالبات يشجع على السكن الجامعي ومحاربة ظاهرة السرقة التي تقع بين الفترة والأخرى .
أحلام متناثرة
أما الطالبة (حواء) فقد حكت رحلتها مع سكن الداخليات الذي بدأ منذ العام (2014م) وهي لم تعرف العاصمة جيدًا ، وحتى لا علم لها بمجتمع الداخليات لكنها تفاجأت بالسرقة على مستوى عالٍ بالداخلية التي تقيم فيها، فقد تعرضت لعدة سرقات جعلتها تعض الأنامل ندمًا لأنها عارضت فكرة والدها وزوجها اللذان طلبا منها الإقامة مع (عمها)، إلا أنها رفضت واختارت السكن بالداخلية التي أفقدتها كل شيء، ولم تجد حتى ثمن تذكرة الطبيب المتابع (لحملها)، الأمر الذي جعلها تراجع نفسها وتتخذ قرار الرحيل والانتقال من هنا إلى هناك حيث الأمان الأسري والاستقرار، وبالفعل سكنت في منزل عمها حتى أكملت سنتها الدراسة الاولى بجامعة النيلين بسلام، وانتقدت وبشدة قضية السرقة ولفتت إلى وجود طالبات معدمات وقد لا تملك الواحدة منهن ثمن (الرغيفة الواحدة ) الأمر الذي أدى إلى تفشي ظواهر أخلاقية وسلوكية غير حميدة ، ودعت الى أهمية أن يتم دراسة ملف الداخليات وإخضاع حالة الطالبات لدراسة نفسية لمعرفة الخلل الذي يؤدي للسرقة.
زعزعة الأمن
لم تتمكن الصحيفة من الحصول على إفادات من الجهات المختصة لمعرفة البلاغات المدونة بالأقسام فيما يتعلق بالسرقات في الداخليات، ولم تتح لنا فرصة لمقابلة مشرفات بالداخليات المعنية لمعرفة الخلل كما باءت كل الاتصالات بالفشل حيث رفضت ثلاث منهن الحديث واشترطن الحصول على إذن من إدارة صندوق دعم الطلاب ، بينما صرح لـ(الصيحة ) مشرف عام لداخلية فضل حجب اسمه واصفاً الظاهرة بالسيئة وأنها تحتاج لمعالجات جذرية وتكاتف جهود كل الجهات المسؤولة والمعنية بالتعليم، وأشار إلى أن المجتمع الجامعي به الصالح والطالح وأن ظروف الحياة المحيطة بالطالبات تقود الواحدة منهن لارتكاب المعاصي كـ(السرقات) وغيرها حتى تحصل على لقمة العيش، في ظل ضعف اهتمام الأسرة التي تسكن بعيداً، وأضاف من الأسباب أيضاً تأخر وصول المصاريف الشهرية بالتالي تلجأ الطالبة إلى توفير مصروفها من حقائب زميلاتها لأنها تعاني الفقر، مؤكداً أن هذه مسؤولية الأسرة والمشرفين واتحاد الطلاب والصندوق القومي لدعم الطلاب، وأيضًا أشار إلى انتشار بعض اللصوص من خارج محيط الداخليات الذين يتربصون بمقتنيات الطالبات والعمل على سرقتها نهاراً جهاراً، واعتبر هذا العمل فيه زعزعة لأمن الداخليات عموماً، لأنه في بعض الأحيان يصعب على الأمن الجامعي التوصل إلى السارق، ودعا إلى محاربة الظاهرة بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة .
إقرار ومعالجات
إذن تلك إفادات متنوعة، وهنا نسأل صندوق رعاية الطلاب عن الاتهامات التي توجه صوب طالبات الداخليات، وهل توجد انحرفات وماذا يفعلون حيال هذه القضية، يجيب أمين الصندوق بولاية الخرطوم، معاوية عبد الله عبد الماجد، مبينا وجود 343 ألف طالب وطالبة يدرسون بجامعات الخرطوم ، وقال إن الصندوق يوفر السكن لـ 37 ألفاً، وقال إن الصندوق ومن أجل مساعدة الطلاب أصحاب الإمكانيات المادية الضعيفة عمل على تنفيذ مشروع التسليف، بالإضافة الى تقديم دعم مادي شهري لعدد يقترب من المائة ألف طالب، ويؤكد أن الصندوق يبذل مجهودات مقدرة وجبارة في محور سلوكيات من يقطنون الداخليات خاصة الفتيات، ويشير الى أن هذه القضية تستحوذ على اهتمام الكثير من الجهات الحكومية التي تعمل معهم في هذا الصدد. ويضيف: لا يمكن أن نقول إن سلوكيات من يقطنون الداخليات وصلت نسبة 100% من الانضباط والالتزام ، ولكن ما نستطيع تأكيده أن الكثير من الجهات الحكومية تبذل مع الصندوق مجهودات مقدرة للحفاظ على جيل الغد بعيدًا عن كل المؤثرات التي من شأنها الإضرار بالسلوكيات، ويعترف أمين الصندوق بولاية الخرطوم بفصل طالبات وطلاب لفرض الانضباط ، ويقول إنهم يركزون على محور العمل الدعوي الذي يسهم في ترقية السلوك والحفاظ على الخلق القويم بالإضافة الى المعالجات الاقتصادية، مؤكدًا أن الجانب السلوكي من المحاور التي تحظى باهتمام بالغ من الصندوق لجهة أن من يقطنون الداخليات أمانة في اعانقهم، حسبما يؤكد.

تحقيق: بدور مبارك

الصيحة