رأي ومقالات

القوات الجوية ودورها في الأزمات والكوارث


– إن دور القوات الجوية السودانية لا يقتصر علي حماية سماء الوطن والحروب والغارات ضد التمرد والأعداء فقط، كما لا يقتصر دورها علي الرصد الجوي والمتابعة، بل يتعدي دور القوات الجوية إلي مهام إنسانية عديدة علي رأسها المساعدة في الأزمات والكوارث التي حدث في سنوات مختلفة علي البلاد، وفي هذا المقال سنعرف واجبات القوات الجوية في مثل هذه الحوادث الطبيعية.

– ونبدأ ونقول إن الأزمات والكوارث الطبيعية وغير الطبيعية، لن تتوقف، ولا يمكن منع حدوثها، ولكن هناك كثير من الآليات والجهات التي يمكن أن يكون لها دور بارز في تخفيف حدتها، وتقليل الخسائر البشرية والمادية الناجمة عنها، ومن بين هذه الجهات القوات المسلحة، وذلك لما يتوافر لديها من معدات وأفراد مدربين، وبما تتمتع به من سرعة إنتشار، وإنضباط، وقدرة على التعامل مع الظروف الإستثنائية، وهو ما أثبتته التجارب في الكثير من دول العالم التي عانت من الكوارث وتعرضت لمواقف تضمنت قدراً كبيراً من الخطورة والتهديد وضيق الوقت والمفاجأة، مما تطلب استخدام أساليب مبتكرة وسريعة لإعادة التوازن، في ظل فقدان السيطرة، أو ضعف السيطرة على الأحداث، وضغط عامل الوقت، والشعور بالضبابية والإضطراب، ونقص المعلومات والتعقد والتشابك في الأمور أثناء حدوثها.

– القوات المسلحة في أي دولة هي سياج الأمن للوطن، وعماد الدفاع عنه براً، وجواً، وبحراً، وعلى أكتافها تقوم حماية المنجزات الوطنية، وتحقيق الأمن، والأمان، والإستقرار للوطن، ويتم تشكيل القوات المسلحة، وتقسيمها، وتدريبها لتحقيق هذه الأهداف، علاوة على تدخلها في حالة فشل أجهزة الأمن المدنية في السيطرة على الأوضاع، وذلك بفضل ما تمتلكه القوات المسلحة من القدرات والمهارات التي تمكنها في حالة الأزمات والكوارث من التواجد، والسيطرة على الأوضاع، والتعامل معها بأقصى سرعة، وبشكل منظم ومنضبط.

– وفي هذا الإطار، تقوم القوات الجوية بإتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ دورها في مواجهة الأزمات والكوارث وفقاً لقرارات القيادات العسكرية العليا في الدولة، لضمان التبادل السريع والمنطقي للمعلومات، وعمل التحضيرات اللازمة التي تتضمن خطط إنتشار وإستخدام القوات الجوية للقيام بالمهام المختلفة، في ضوء الإمكانيات والقدرات المتاحة.

• مهام المراقبة: تقوم القوات الجوية بتأمين المعلومات والبيانات الدقيقة عن الكارثة، وإتجاهات تطورها، وحجم الخسائر الناجمة عنها، وذلك للمساهمة في إتخاذ القرارات السليمة اللازمة للتعامل السريع معها، وبعض الطائرات مجهزة بكافة المعدات الفنية اللازمة لمراقبة مسرح الأزمة من الجو، كما أنها تستخدم في مسح وتصوير المناطق المتضررة في حالات الكوارث الطبيعية.

• مهام البحث والإنقاذ: يسهل إستخدام القوات الجوية أعمال البحث والإنقاذ والوصول إلى أماكن صعبة التضاريس، مثل الوديان والشقوق الصخرية والصحاري أو الأراضي المغطاة بالثلوج، أو مناطق الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل والفيضانات، وطائرات البحث والإنقاذ مجهزة بالمعدات الخاصة اللازمة لإتمام عمليات البحث والإنقاذ والإخلاء في المهام التي يصعب على رجال الدفاع المدني إنجازها، وتقوم في هذه الحالات الطائرات العمودية بعمليات البحث عن المفقودين في البر والبحر لمساندة الفرق الأرضية أو البحرية للعثور عليهم وإبلاغ القيادة، ومن ثم نقلهم وتسليمهم للجهات المختصة.

– وتستخدم طائرات القوات الجوية البحث الإلكتروني من خلال رصد ذبذبة النجدة التي تصدرها السفن والعبارات أثناء تعرضها لكارثة في البحر أو الطائرات المنكوبة، وتقوم هذه الطائرات العمودية بإبلاغ مركز البحث والإنقاذ في مركز العمليات الجوي، وكذلك يستخدم الطيارون البحث بالعين المجردة في الأحوال الجوية الجيدة، أو البحث بالأجهزة المتخصصة، مثل أجهزة الرؤية الليلية والتصوير الحراري بالأشعة تحت الحمراء.

– والعموديات لديها القدرة على المناورة على إرتفاعات منخفضة مما يساعدها على القيام ببحث أولي، وعادة ما يكون على إرتفاع ۳۰۰۰ قدم من سطح الأرض، ثم تقوم ببحث مركز على إرتفاع منخفض بعد تحديد موقع الكارثة، وفى حالة الكوارث الطبيعية، تقوم الطائرات العمودية بالهبوط في الأماكن المنكوبة، حيث تحمل المتضررين إلى أماكن أكثر أمناً وسلاماً، ويتم أيضاً إنقاذ المحتجزين في حالات حرائق المباني العالية، وإنقاذ الغرقى بإستخدام ونش الإنقاذ مع النقالة أو حزام الإنقاذ لإنتشالهم من البحر، ثم نقلهم إلى أقرب مستشفى، أو قاعدة جوية، والبحث عن المفقودين والهاربين في الأماكن الواسعة، مثل الصحاري والجبال أو خلافة، وذلك بالتعاون مع الجهات الأمنية الأخرى.

– وحيث تمتلك القوات الجوية طائرات متقدمة وحديثة يمكنها المساعدة في مهام البحث والإنقاذ في كل أحوال الطقس وفي الليل والنهار، نظراً لتجهيزاتها المتقدمة بمعدات الملاحة الدقيقة، وقدرتها على الوصول إلى موقع الحدث بدرجة دقة عالية، والتحليق فوقه، حيث أنها مجهزة برادارات لإكتشاف الأهداف على سطح البحر ، وبجهاز رؤية ليلية بالأشعة تحت الحمراء، لرؤية الأفراد في البر والبحر ونظام الملاحة الكوني GPS الذي يعمل بواسطة الأقمار الصناعية.

– وعند إستخدام الطائرات للبحث والإنقاذ فوق مناطق بحرية يكون لزاماً عليها الإتصال بسفن تجارية، وأن تحمل نسخة من لائحة مفتاح الرمز والشفرات الدولية لتمكينها من التغلب على صعوبات اللغة التي قد تنشأ عند الإتصال بتلك السفن، وينبغي لواحدة على الأقل من الطائرات المشاركة في عملية البحث والإنقاذ أن تحمل معدات نجاة قابلة للإسقاط لتقديم إمدادات من الجو للأشخاص الناجين. وينبغي أن تحمل العبوات أو الحاويات أو الصناديق المتضمنة لهذه المعدات بياناً عاماً عن محتوياتها بواسطة رمز لوني أو نص مطبوع، أو برموز ذاتية التفسير إذا كانت مثل تلك الرموز موجودة، وينبغي إضافة تعليمات إستعمال معدات النجاة على كل واحدة من العبوات أو الحاويات أو الصناديق القابلة للإسقاط، وينبغي طبع تلك التعليمات بلغات ثلاث على الأقل (العربية – الإنجليزية – الفرنسية) وأي لغة مناسبة أخرى.

• الإخلاء الجوي: إعتمد الإخلاء الطبي للمصابين في الكوارث على مدى قرون عديدة على الإخلاء البري في مختلف أنواع المركبات، وكان المصابون عادة لا يتلقون أي علاج في أثناء عملية الإخلاء، حتى يتم نقلهم إلى المستشفيات، ولكن، مع بداية عصر الطيران، ظهرت فكرة إستخدام الطائرات في إخلاء المصابين، وإقتصر ذلك في بداية الأمر على إخلاء الطيارين والمصابين في حوادث سقوط الطائرات فقط، ثم تطور الأمر مع مرور الوقت ليصبح الإخلاء الجوي أهم الأساليب لنقل المرضى المصابين في الكوارث، وظهرت أول طائرة للإخلاء الجوي في عام ۱۹۱۰م، أي بعد ٧ سنوات فقط من تحليق طائرة “الأخوان رايت”، حيث قام مهندسان عسكريان أمريكيان بتعديل طائرة ثابتة الجناح بحيث يمكنها احتواء حمالة مصابين، وفي الحرب العالمية الأولى، تطور تصميم الطائرات بوتيرة متسارعة، بحيث ظهر العديد من الطائرات القادرة على القيام بمهام مختلفة، وقام الفرنسيون بأول عملية نقل لمصاب في أثناء الحرب على متن طائرة في عام ۱۹۱٥م، وفى عام ۱۹۱٧م، حلقت أول طائرة مصممة خصيصاً لعمليات نقل المصابين، وهي الطائرة الفرنسية Dorand، وشهدت الفترة بين الحربين العالميتين، الأولى والثانية، تطوراً سريعاً لطائرات الإخلاء الجوي، كوسيلة آمنة وفعالة لنقل المصابين لمسافات طويلة، كما تستخدم قواتنا الجوية طائرات إسعاف مجهزة بكامل المساعدات والإمكانيات الطبية حيث أنها غرف طبية متكاملة طائرة، وفي الصور طائرة مروحية من نوع الإسعاف الجوي الذي يخدم ضمن قواتنا الجوية.

– وأصبحت الخدمات الطبية المقدمة على متن بعض الطائرات المتخصصة في عمليات الإخلاء الطبي تضارع، وفى بعض الأحيان تتفوق، على أعلى مستويات الخدمات الطبية في المستشفيات الرئيسية المتقدمة، وإستخدمت الطائرات في أعمال الإسعاف والإخلاء الطبي والإنقاذ أول الأمر للأغراض العسكرية فقط، وفيما بعد، إستخدمت في القطاعات المدنية عند حصول حوادث الطرقات وأثناء الكوارث والحرائق وللبحث عن المفقودين وإنقاذهم.

– والإخلاء الجوي يؤمن السرعة في تقديم الخدمة الطبية التي تخفف من حدة الإصابة، وتمنع حصول عاهات مستديمة، وطائرات الإسعاف مجهزة بكل المستلزمات الطبية وغرفة عمليات متنقلة مع طاقم طبي لإسعاف المرضى، ومن ثم نقلهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج اللازم، كما يتم نقل المرضى الذين لا يمكن نقلهم بوسائط النقل العادية إلى المستشفيات التخصصية والمجهزة بمهابط للطائرات العمودية، حيث يتم علاجهم.

– تساهم عمليات الإخلاء الطبي الناجحة والتي تتوفر لها الإمكانيات الجيدة من موارد بشرية متخصصة ومعدات وتجهيزات في الحفاظ على أرواح المصابين والمنكوبين بتقييم حالات إصاباتهم وتقديم الرعاية الطبية لهم في موقع الإخلاء، وترتيب أولويات نقلهم من موقع الأزمة بعد التنسيق مع المستشفيات لإستقبالهم، حيث يكون هناك مهبط للطائرة العمودية بجانب أو فوق مبنى المستشفى” كمستشفي رويال كير وسط الخرطوم”، أما بالنسبة للطائرات العادية، فإنه يتم نقل المصاب أو المريض إلى المطار بواسطة سيارة الإسعاف، ومن ثم ينقل بالطائرة إلى الوجهة المطلوبة.

• مساندة القطاعات الحكومية: تعتبر مساندة القطاعات الحكومية في القيام بمهامها المختلفة من أبرز الأدوار التي تقوم بها القوات الجوية في مواجهة الأزمات والكوارث، حيث تقوم الطائرات بنقل الأشخاص والمعدات، كما تشارك في مهام التصوير والمسح والمهام الأمنية، ويتم تحريك الطائرات في هذه الحالات حسب نوع المهمة، وبناءاً على أوامر محددة من الجهات العليا ذات الصلاحية، ومن أهم القطاعات التي تستفيد عادة من هذه الخدمات قوات الشرطة وقوات الأمن، ووزارة الإعلام، ووزارة الصحة.

– ويعتقد البعض أن الأطراف المدنية يمكن أن تقوم بأعمال إغاثة لمنكوبي الكوارث والأزمات بطريقة أفضل وأقل تكلفة، سواء أكانت هذه الأطراف سلطات وطنية، أو منظمات دولية، أو منظمات غير حكومية، وبينما قد يكون الأمر كذلك بالنسبة إلى معظم الكوارث، فهناك، لسوء الحظ، حوادث يكون فيها حجم الكارثة من الضخامة بحيث يشل حركة السلطات المحلية، وفي مثل هذه الحالات، تستطيع القوات الجوية أن تشارك، حيث أن مساعدة السلطات الوطنية في الإستجابة للأزمات مهمة أساسية لكل أفرع القوات المسلحة كما حدث في كثير من مناطق البلاد المختلفة وأبرزها السيول والفيضانات في السنوات الأخيرة، وهي مساعدة تمليها الحاجة الملحة وليس المساهمة في توفير الإمدادات اللازمة.

– كما أن هناك إتجاه لجلب طائرات إطفاء مجهزة بالمعدات المناسبة لإطفاء الحرائق في المباني المرتفعة أو الأماكن المزدحمة التي لا تصل إليها فرق الإطفاء الأرضية، وكذلك تستخدم الطائرات أيضاً لنقل كبار المسئولين إلى المناطق النائية.

• نقل إمدادات الإغاثة: يتصف النقل الجوي بأهمية حاسمة في نقل إمدادات الإغاثة، التي تكون مطلوبة على وجه السرعة، لاسيما أن النقل الجوي التجاري لا يكون متوافراً دائماً بأعداد كافية، بالإضافة إلى ذلك، أثبتت العموديات دورها الحيوي في المرحلة الأولى لعملية إغاثة ضحايا الكوارث والأزمات عندما تكون الطرق قد تضررت على نحو سيء، حيث ساهمت القوات الجوية في الكثير من المواقف والأزمات التي حلت بالبلاد من نقل المصابين أو المعدات والإحتياجات الطبية وغيرها.

• شروط نجاح القوات الجوية في أداء دورها: لكي تقوم القوات الجوية بأداء الأدوار المناطة بها في الحدُ والتخفيف من آثار الأزمات والكوارث، يلزم الآتي:
• أن يكون هناك تنسيق مسبق للتعامل مع الأزمة أو الكارثة من خلال غرفة عمليات يمثل فيها أفرع القوات المسلحة الأخرى البرية، البحرية، وكذلك مع باقي جهات الدولة ذات الشأن.
• تدريب القوات على أعلى المستويات للقيام بعمليات الإغاثة، والإنقاذ، والإمداد، والتموين في ظل الظروف الصعبة والاستثنائية المصاحبة للأنواع المختلفة من الكوارث، مثل الزلازل، والبراكين، والسيول، والتلوث الكيماوي، والتسرب الإشعاعي، والنووي، والبيولوجي، وغيرها.
• وضع دليل إسترشادي لمواجهة الحالات الطارئة، وأن يكون هناك آلية واضحة للقيادة، وتحديد للاختصاصات في أثناء الطوارئ والأزمات والكوارث.
• الاستفادة من خبرات القوات الجوية في مواجهة الكوارث في الدول الأخرى، حيث يكون لدى قوات هذه الدول رصيد من الخبرات والمهارات التي يمكن نقلها، والاستفادة منها.
• توافر غرف عمليات مجهزة بأحدث وأدق الوسائل التقنية، التي يمكن من خلالها تلقي البلاغات السريعة، وتحريك القوات لمواجهة الكارثة، ومتابعة سير الأحداث أولاً بأول في المنطقة المنكوبة.
• إلمام أفراد وقادة القوات الجوية بالأوضاع الجيولوجية، وجغرافيا المناطق المختلفة بالدولة، ودراسة طبوغرافيتها، ومعرفة أماكن التركز السكاني، وكثافته في هذه المناطق.
• توافر روح التعاون بين المواطنين، وأفراد القوات الجوية في حالة وقوع الكوارث، حيث أن هذا التعاون يساهم بقوة في توفير البيانات والمعلومات الدقيقة عن التطورات الخاصة بالكارثة أولاً بأول، وكذلك المعلومات حول حجم الأضرار البشرية والمادية الناجمة عنها، والاحتياجات المطلوبة لمواجهتها.
• توافر عدد كبير من العموديات التي يمكن من خلالها المحافظة على وجود جسر جوي، ودعم عمليات النقل الجوي داخل المناطق المنكوبة.

– وأخيراً نختم ونقول إن دور القوات المسلحة ليس مقتصراً فقط في حماية الوطن والدفاع عن أسواره بكل تضحية وغالي ونفيس، بل يتعداه إلي الدور الإنساني وقت الضرورة وسجل القوات المسلحة حافل في هذا المجال بما لا يمكن أن نكفيه في بعض سطور أو كلمات.

بقلم
أسد البراري