تحقيقات وتقارير

“حسبو” يكشف عن وجه صارم ويشهر أسلحته في الفولة


أظهرت الحكومة وجهاً جديداً بعد رفع القناع الناعم واستبداله بآخر خشن وصارم.. وأقلعت عن الخطاب السياسي الذي يميل إلى كسب ود المخاطَب واستدرار عطفه بخطاب أقرب للعسكري الصارم.. وفي قاعة المجلس التشريعي بمدينة الفولة، أمس، وضع “حسبو محمد عبد الرحمن” فاصلاً ما بين شخصيته السياسية الناعمة الملمس التي تميل للحلول الوسطية وبين شخصية أخرى صارمة جداً إزاء امتلاك المواطنين للسلاح.. وأشهر نائب الرئيس سيف الدولة وصرامة الإنقاذ في سنواتها الأولى وهو يرفض مجرد تحفظات الإدارة الأهلية بغرب كردفان على جمع الأسلحة من المناطق المتاخمة لأبيي وتلك التي تواجه التمرد في الجبال الغربية.. في تلك القاعة التي شيدت منذ سنوات الولاية الأولى قبل تذويبها، تحتفظ جدرانها التي تشبه مدرجات الجامعات بصور وأحداث في مخيلة أهل الفولة.. وقد تبدلت وجوه.. وغابت أقمار من واجهة السياسة، لكن تبقى مواجهة ما يعرف بشباب القطاع الغربي في ذات القاعة مع د. “عيسى بشرى” نائب الوالي في حضور رئيس الجمهورية الذي خاطب حشود المسيرية حينذاك بلهجة صارمة، وحينما طلب من وزير الطاقة والتعدين “الزبير أحمد الحسن” تنفيذ توجيهات الرئيس باستيعاب العمالة المحلية من أبناء القطاع الغربي نهض “الزبير” وضرب أرجله على الأرض ليكشف عن عسكرية تتدثر بثبات مدنية، وقال: (حاضر سيادة القائد).. وفي ذات القاعة عقد قيادات شورى الولاية مؤتمراً طارئاً برئاسة رئيس الشورى “شيبون الضوي” رغم رفض “عمر سليمان” عقد المؤتمر، وكذلك شهدت القاعة سحب الثقة من الأمين العام للمؤتمر الوطني “محيي الدين التوم حامد” والمطالبة بإعفاء الوالي.. تلك سنوات الثورية التي انصرفت وجاءت لحظة إعلان الحكومة تجريد حملة السلاح من سلاحهم، وفرض ضوابط صارمة لحمل السلاح للقوات النظامية والإقبال على تأسيس مجتمع مدني بعد عسكرة استمرت لأكثر من (30) عاماً، فهل تفلح جهود الحكومة في جمع السلاح من أيدي المواطنين وتطبيق منشورات قانون الطوارئ الذي يجرّم حملة السلاح من غير القوات النظامية ويضعهم في السجن؟ وكيف واجهت الحكومة تحفظات زعماء المسيرية والنوبة والداجو على قرار الرئيس بجمع السلاح؟؟ ولماذا أشهر نائب الرئيس “سيف” الطوارئ في وجه الناظر “عبد المنعم الشوين” ناظر المسيرية الفلايتة وهو يتوكأ على عصاه، وقد تجاوز السبعين من العمر، ليقيم في السجن معتقلاً قبل أن يدفع قرار الاعتقال الفوري عشيرة الناظر “الشوين” لدفع مبلغ (400) مليون جنيه في ساعتين فقط، وقد مانعت ذات العشيرة من “المسيرية الزيود” في دفع الدية التي قررها المؤتمر لمدة عامين وأجلت بذلك وقف نزيف الدم.
{ مديرية لالوب تستجيب
لم يجد نائب رئيس الجمهورية “حسبو محمد عبد الرحمن” ووفده رفيع المستوى مشقة عند لقائه القيادات السياسية والفعاليات بشمال كردفان في نقل توجيهات القيادة العليا.. وقرار الرئيس بجمع السلاح.. وقد حشدت شمال كردفان زعماء الإدارة الأهلية “الزين ميرغني” زعيم البديرية والسير “التوم” ناظر الكبابيش.. ود. “هارون الطيب” ناظر الجوامعة.. وناظر دار حامد وقيادات الأحزاب السياسية من الأمة القومي وفروعه داخل منظومة الحكم والشعبي والاتحادي الديمقراطي.. وجمع والي شمال كردفان مولانا “أحمد هارون” في القاعة الرئيسة الجديدة بأمانة الحكومة التي صممت على طريقة مباني جامعة الخرطوم الأثرية ومبنى البرلمان البريطاني في شارع (تين داون استيريت)، وتحدث في اللقاء الذي ضم وزراء ومعتمدي الحكومة والإدارة الأهلية والفعاليات السياسية الوالي “هارون” والنائب “حسبو” ولم يفتح الباب لحوار ومناقشات لاعتبارات متصلة بطبيعة شمال كردفان، حيث لا صراع قبلي ولا تمرد عسكري يبرر حمل السلاح.. وحتى حينما غشيت الأبيض أو مديرية اللالوب أمراض الاحتجاج كان تعبير بعض المحسوبين على كردفان مختلفاً، تمظهر في (حركة كاد) أو تجمع كردفان للتنمية، الذين شاركوا في الحوار الوطني وتم تمثيلهم بنائب في المجلس التشريعي بجنوب كردفان، بينما تم تمثيل الحركة الشعبية بقيادة “فضل الله أبو كيعان” نائب برلماني في شمال كردفان طبقاً لفلسفة التغريب التي اتبعت في تفريق دماء المتمردين السابقين بين الولايات.. وقال “أحمد هارون” في حديثه عن جمع السلاح إنه مطلب حيوي للاستقرار والتنمية في كل ولايات السودان، ووصف مهمة النائب “حسبو” ولجنته لجمع السلاح في شمال كردفان بالسهلة والميسورة لأن الولاية التي استعصت على المتمردين بسبب تماسك المجتمع لن ترفض جمع الأسلحة التي لا يمثل انتشارها هنا حداً مقلقاً، ولكن وجود بندقية واحدة خارج السيطرة بمثابة خطر داهم على المجتمع.. بيد أن الجوار الجغرافي لدارفور وجنوب كردفان يعدّ مهدداً لشمال كردفان.
وتحدث “حسبو” بلهجة باردة جداً.. ربما تأثر بالخطاب الذي قدمه مولانا “هارون” وطبيعة شمال كردفان التي اعترف “حسبو” بأنه عاش فيها أيام شبابه.. لكن عدّ دوافع جمع السلاح لها علاقة مباشرة بتنفيذ مقررات الحوار الوطني الذي يتطلب الحراسة.. ولأن السلاح يمثل أكبر مهدد للأمن الاجتماعي والاقتصادي فإن قرار جمعه في الفترة الأولى ونزعه في المرحلة الثانية ضرورة أملتها خطورة السلاح وأثره العميق على تفاقم الصراعات، وقال إن الصراع الأخير بين “الرزيقات” و”المعاليا” قتل فيه (89) شخصاً بسبب سرقة (24) نعجة فقط.. وضحايا “الحمر” و”الكبابيش” أكثر من مائة بسبب (ناقتين) فقط.. وأصدر “حسبو” توجيهات فوراً لقادة الشرطة بإلقاء القبض على المتفلتين من “حمر” و”الكبابيش” وإيداعهم السجن، ووعد المتفلتين من شمال كردفان بالسجن في حلفا حيث السجن أخف قسوة من سجون بورتسودان وسواكن حيث يقبع الآن (425) من المتفلتين في تلك السجون، من بينهم (32) عمدة، وقال: (منذ أن تم القبض على هؤلاء ووضعهم في السجن لم تشهد شرق دارفور أي أحداث تذكر ولا بلاغات قتل ولا نهب ولا سلب.. وعاش الرزيقات والمعاليا في مكان واحد يتبادلون المنافع كل ذلك لأن الذين يثيرون الفتن قد تم إلقاء القبض عليهم). وحدد “حسبو محمد عبد الرحمن” بصورة قاطعة أن الفزع الأهلي ممنوع وتتولى الحكومة الفزع واستعادة المسروق، أما القوات النظامية فقد حددت الأوامر بصورة صارمة حمل السلاح وفق الضوابط العسكرية.. ولم يتح لقادة النظام الأهلي التعبير عن وجهة نظرهم حول قرارات جمع ونزع السلاح باعتبارها أوامر غير قابلة للنقاش أو التراجع.
وانتقل الوفد الكبير الذي رافق النائب “حسبو” في زيارته لولايتي شمال وغرب كردفان إلى مبنى رئاسة الحكومة القديم كأن
“أحمد هارون” يسعى للاحتفاظ بتاريخ من سبقوه في منصب الحاكم.. أو وفاءً وتقديراً للفريق “الفاتح بشارة” والفريق “الحسين عبد الكريم” والعقيد “فيصل مدني مختار” والشيخ “إبراهيم السنوسي” والأستاذ “بكري أحمد عديل” و”عبد الرسول النور”، احتفظ للمبنى القديم باجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي وقليل من الأنشطة.. وهنالك عقد النائب “حسبو” اجتماعاً لخمس ساعات خُصص للجنة أمن ولاية شمال كردفان التي حددت في الاجتماعات مطلوباتها من الآليات والرجال والمال لتنفيذ قرارات الرئيس.
{ الفولة الحميرة وعاصفة اللقاء
حينما هبطت الطائرة الأنتنوف بمطار حقل بليلة النفطي بدا وجه الحقل شاحباً.. وحركة المهندسين والعاملين في قطاع النفط محدودة.. وذلك تعبيراً عن واقع نضوب آبار البترول وضعت إنتاجها وغروب شمس النفط في تلك الحقول منذ انفصال جنوب السودان، وضعف حركة الاستكشاف حتى بات وزير البترول لا يذكر اسمه أحد بعد أن كان في زمان إمبراطورية د.”عوض الجاز” مملكة داخل جمهورية السودان.. استقبلت ولاية غرب كردفان اللجنة العليا لجمع السلاح مرتين، الأولى بمدينة بليلة وكان الاستقبال مقتصراً على الوالي الأمير “أبو القاسم بركة” ورئيس المجلس التشريعي “شريف عبادي” وقادة الجيش والشرطة والأمن والقضاء والنيابة.. ولكن في مطار الفولة حيث استقل الوفد طائرة مروحية رئاسية صغيرة إلى هناك كان حشد المواطنين كبيراً.. ومتميزاً جداً عن كثير من الولايات التي زارتها اللجنة العليا لجمع السلاح.. وقد استبق الأمير “أبو القاسم” أعمال اللجنة الوزارية المركزية بتكوين اللجنة الولائية التي جمعت أكثر من مائة قطعة سلاح، وتقدم العمدة “حسن شايب” عمدة مدينة الفولة الجميع.. ولم يمنعه المرض أو ينال من همته العالية لتسليم بندقية كلاشنكوف كان يستخدمها في حماية أسرته من نوائب الدهر.. ولكن النائب “حسبو” في الاجتماع العاصف بقيادات المجلس التشريعي والإدارة الأهلية رفض المبررات التي وضعت بين يدي اللجنة من قادة الإدارة الأهلية الذين تقدمهم الناظر “الصادق الحريكة عز الدين حميدة” وهو أصغرهم سناً، ولكن أعمقهم رؤية وحكمة وحنكة حينما قال إن قرار الرئيس بجمع السلاح لا رجعة عنه، ولكن هناك مناطق تواجه التمرد في محلية لقاوة ومحلية السنوط وكيلك ومناطق حدودية مع جنوب السودان، ينهض بسد هذه الثغرات المواطنون قناعة منهم بأمن بلادهم وحماية نظامهم الذي ارتضوه.. وقال “الصادق الحريكة عز الدين” إن المتمردين مجرد سماعهم بأن الحكومة بصدد تجريد القبائل من أسلحتها هاجموا لقاوة يوم (الجمعة) ونهبوا (150) رأساً من الأبقار و(طلعت الأبقار) الجبال، والحكومة تقول إن الفزع ممنوع وإن الشرطة هي المسؤولة عن استرداد المنهوب من الثروات، ولكن النهب يقوم به التمرد بأسلحته المتطورة، وأضاف الناظر “الحريكة”: (نحن نواجه أيضاً جنوب السودان وثروتنا الحيوانية تعبر الحدود إلى داخل دولة الجنوب التي يسودها الاضطراب ونحن نحمي أنفسنا وثروة السودان بسلاحنا.. فهل تستطيع الدولة أن تقوم بهذه المهمة الصعبة؟ وقال الناظر المهندس “أحمد كوكو” ناظر قبيلة الداجو إن لقاوة بكل مكوناتها مع جمع السلاح، ولكن ليس الآن.. إذا أرادت الحكومة نزع السلاح وجمعه عليها القضاء على التمرد في الجبال وتأمين مسارات الرُحّل.
ولكن ممثل النوبة في اللقاء قال: (ليس من العدل في شيء أن تنزع الحكومة سلاح القبائل العربية وتترك النوبة الذين لا سيطرة لنا عليهم يحملون السلاح للقضاء على العرب).. ولكن “قريب حماد” عضو المجلس الوطني ونائب ناظر عموم دار حمر، قال إن قبيلة “حمر” على استعداد لجمع السلاح، لكنها تجاور ولايات دارفور حيث التمرد والفوضى، وتجاور منطقة “الكبابيش” حيث توجد جيوب للتمرد هناك.. وقال إن الحكومة قبل أن تصدر قرار تقنين العربات أمهلت أهل دارفور أكثر من شهر، وجدّدت المهلة مرة أخرى، لكنها الآن تطالبنا بتسليم العربات دون منحنا مهلة لتوفيق أوضاعنا.. وغالب العربات القادمة من ليبيا هي لأبناء “حمر” المغتربين في ليبيا.
{ “حسبو” يشهر سيوفه
لم يشهر “حسبو محمد عبد الرحمن” نائب رئيس الجمهورية سيفاً واحداً في وجه “المسيرية” و”حمر” و”الداجو” و”النوبة” في اللقاء بالمجلس التشريعي، إنما أشهر عدة سيوف، أولها رفضه التام للتبريرات التي قدمها قادة النظام الأهلي، وقال إن قرار الرئيس لا تملك أية جهة التحفظ عليه.. لذلك أي حديث عن تحفظ يعدّ مرفوضاً تماماً وغير مقبول ولا قيمة له.. وإن مسألة جمع السلاح لا استثناء فيها ولا مجاملة.. ومن يرفض تسليم سلاحه يُنزع منه قسراً ويقدم للمحاكمة، ويتم الكشف عن الأسلحة المخبأة داخل الأرض بأجهزة حديثة تصل قدرتها على اكتشاف المعادن إلى عشرة كيلومترات.. وقال إن الحدود مسؤولية الدولة، هي من يحمي الحدود وليس المواطنين، والتمرد مسؤولية الدولة، وعلى المواطنين تسليم أسلحتهم فوراً وحمايتهم أمانة في عنقنا نحن.. وأضاف “حسبو محمد عبد الرحمن” إن الأسلحة التي بيد المواطنين لم يحاربوا بها أعداء الوطن لكنهم استخدموها في إبادة بعضهم كما حدث في الحرب بين أبناء العمومة “المسيرية الزيود” و”أولاد عمران” و”أولاد هيبان” و”أولاد سرور”، لذلك سيتم نزع هذه الأسلحة بالقوة فلا رأفة ولا مجاملة في أمن المواطنين.. وأشهر “حسبو” السيف الثاني باعتقال زعيم عشيرة المسيرية الفلايتة الناظر “عبد المنعم الشوين” وعمد القبيلة فوراً لتقاعسهم عن جمع الديات من أهلهم لتدفع لـ”أولاد عمران” حتى يتم طي صفحة النزاع القبلي.. وقال إن “أولاد عمران” دفعوا ما عليهم، ولكن سمعنا (تحت تحت) أن المبالغ التي جمعت تم سحب جزء منها، إذا صح ذلك نوجه باعتقال “إسماعيل حامدين” أمير “أولاد عمران” السابق وبعد ساعتين فقط من قرار اعتقال ناظر “المسيرية الفلايتة” تبرع ابن “المسيرية” ووكيل نظارة العجابرة “مصطفى ختم” مبلغ (400) مليون جنيه فدية لإطلاق سراح الناظر “الشوين” وهو المبلغ المطلوب دفعه منذ عامين.. والسيف الثالث الذي أشهره “حسبو” أمام قادة “المسيرية” هو للتفتيش الفوري للمدن خاصة الفولة بيتاً بيتاً، بحثاً عن السلاح وتفتيش النهود وأبو زبد حتى يتم القضاء على ظاهرة السلاح نهائياً.. وكل من تجد السلطة بحوزته سلاحاً يُقدم للمحاكمة ويُنقل إلى سواكن ليبقى قريباً من أبناء عمومته “الرزيقات”.. فهل يجاور “المسيرية” “الرزيقات” في السجون مثلما هم جيران على الأرض وبينهم مودة وحب عميق؟؟
ولم تقتصر ترتيبات جمع السلاح على المسؤوليات الشعبية وحدها.. فالقوات المسلحة التي يمثلها في اللجنة العليا الفريق “علي سالم” وهو شخصية صارمة تحظى بقدر كبير جداً من الاحترام والفريق “السر حسن بشير” رئيس أركان القوات البرية واللواء “الزمزمي” أحد كبار قادة الدعم السريع عقدوا سلسلة اجتماعات مهمة جداً في الفولة.. والأبيض لترتيبات انتشار القوات المسلحة في مناطق التمرد ومراجعة خطط التأمين والمعابر وما يقع على عاتق القوات النظامية من مهام في مرحلة ما بعد جمع السلاح من أيدي المواطنين ومرحلة الجمع الطوعي والنزع القسري.. ولنا عودة.

الأبيض / يوسف عبد المنان
المجهر السياسي


‫2 تعليقات

  1. فعلا لا ينبغي أن يكون السلاح في أيدي المواطنين

    ولكن ينبغي توفير الأمن للمواطن لكي لات يضطر لحمل السلاح للدفاع عن نفسة

    وينبغي أن يتم جمع السلاح من الجميع بدون إستثناء أكررر مرة وألف ومليون بدون إستثناء

    لأنه لا يمكن أن تجمع السلاح من جانب وتترك الجانب الأخر