عثمان ميرغني

جريمة تزوير علنية!!


أذكر؛ عندما كُنت مُغترباً في المملكة العربية السعودية في تسعينات القرن الماضي، كانت واحدة من أهم )أوجاع الغربة( مطار الخرطوم )منتحل صفة دولي(.. وفي يومٍ من الأيام قرأنا في الأخبار خبراً أسعدنا للغاية.. تكريم الدار الاستشارية ومنحها “نجمة الإنجاز” للطفرة العُمرانية التي أنجزتها في مطار الخرطوم.. ووصف مدير )الدار الاستشارية( في خطبة الاحتفال بالتكريم بأنه )أحد الطيور المهاجرة( التي عادت إلى الوطن من أجل البناء والتعمير.
في مدينة الرياض بالسعودية كان جَارِي من دولة الأردن، عاد من عُطلته السنوية ليحكي لي كيف أدخل مطار “علياء” بالأردن نظام الصعود والنزول من الطائرة عبر الأنبوب.. ليضارع أحدث المَطارات العَالميّة.. وعندما عُدت أنا إلى الخرطوم مررت بالمطار ورأيت )الطفرة!!( التي استدعت )وسام الإنجاز(.. كانت أشبه ببيت شعبي من غُرفتين )خلف خلاف(.. أُضيفت إليه )برندة زنك(.. وللدقة معها )مزيرة(.. وأرجو تجنب الإحراج بالسؤال عن المرافق الصحية )المرحاض(.. فهو أمرٌ متروكٌ لحُسن تقدير عابري المطار فيعملوا حسابهم قبل الخروج من منازلهم من باب المبدأ العسكري الشهير )تقدير موقف(..

وحتى لا أظلم مطار الخرطوم هو ليس وحده.. حكى لي مسؤولٌ رفيعٌ في المراسم أن ضيفاً كبيراً زار البلاد وأثناء اجتماعه مع الوفد السوداني بالمبنى السيادي الرفيع طلب الضيف الذهاب للحمام.. الطلب كان مُفاجئاً جداً للجانب السوداني.. وبعد تفكير حُلت المُشكلة.. تحرك موكب الضيف الكبير تتقدّمه الصافرات الجياد إلى “فندق هيلتون” خصيصاً باعتباره أقرب )مرحاض( ملائم.. قضى الضيف حاجته ليعود ويواصل الاجتماع تسبقه نفس الصافرات الجياد!.. تصوّروا معي )حال البلد( التي يتجمّد فيها المرور والسيارات والشوارع في انتظار الضيف الكبير ليقضي حاجته الإنسانية المبررة..

أمس الأول مررت بمطار الخرطوم.. حتى )طفرة!( الدار الاستشارية ما عادت موجودة.. وتأمّلت في خاطري كيف نسير ضد تيار الزمن.. هذا المطار جاء عليه زمان كان من أفضل المطارات في أفريقيا والوطن العربي.. ولو سبحنا بدفع الموجة العادية لنهر الزمن لما كان أقل من مطار “دبي” فهو أصلاً أكبر منه سناً.. وكان أفضل منه حالاً وجمالاً..

في المطار أمس الأول.. ما أن وصلت إلى آخر مرحلة قبل صعود الطائرة وأخذت مقعدي في الصالة المزدحمة الخانقة.. حتى بادرني رجلٌ يبدو من محياه أنه مغترب قضى عطلته مع الأهل والآن هو في طريق عودته لعمله بالخارج.. قائلاً: )يا أستاذ هل تصدق.. بدون أي ذنب جنيته.. اشتبكوا معي في المطار وأخذني بعض الموظفين لغرفة جانبية ووجّهوا لي إساءات شديدة( كان يتحدث بغبنٍ وألمٍ كبيرٍ وتكاد الدموع تطفر من عينيه.. )ولظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند(.. واسيته وقلت له.. ألست أنت سوداني؟ قال لي )بلى(.. قلت له: )وعندك رقم وطني.. كمان(؟ رد عليّ )بلى(.. فقلت له وكيف لا تُذل ولا تُهان؟؟ هنا في بلدي )المكتول كَمَد( نُصاب الذل والإهانة أن تكتمل شروط سُودانيتك!! ولما رأيت الحيرة في عينيه شَرحت له.. قلت له الخدمة المدنية في بلادنا لها )عقيدة( تعمل وِفقها.. هذه العقيدة تقوم على مبدأ أن المواطن السوداني )مُدان حتى تثبت إدانته(.. ومُهان حتى يخرج بطاقته )النظامية(.

والمُدهش أنّ )عقيدة الخدمة المدنية( تطبّق بمُنتهى العدل.. فنفس من يهينك هنا.. إذا ذهب وهو في حالة كونه مُواطناً عَادياً إلى جهة أخرى سيُذل ويُهان ويطيع الأمريكان.. فالعبرة أن تقع في يد الخدمة المدنية وأنت مُجرّد مُواطن سُوداني )بالثلاثة( تحمل رقماً وطنياً ورخصة القيادة وجواز سفر سُوداني.
بصراحة نحن بلد يُمارس علناً )التزوير في مطارات دولية(!

‏حديث المديبة
عثمان ميرغني


تعليق واحد

  1. يا أدارة تحرير النيلين – من هو كاتب المقال – عثمان ميرغنى أم جعفر عباس ؟؟؟؟؟؟؟؟؟