داليا الياس

أبداً.. لم يكن حباً..!!


هل يموت الحب حقاً؟ هل ينتهي بفعل الخلاف.. أو الفراق.. أو حتى الزواج..؟، العديد من المؤشرات تؤكد أن الحب ـ في زمننا هذا ـ أيضاً يموت، ولكن متى يموت الحب، وكيف؟ ولماذا لم يمت حب قيس لليلى، أو نزار قباني لبلقيس، وبينهما قصص كثيرة خالدة؟! أم أن ذلك الحب أيضاً مات ولكن أبطاله أمعنوا في إطلاق العنان لخيالهم فأتحفونا بتلك الأساطير في العشق والهيام؟، ربما.* البعض يذهب إلى أن الحب في الأصل كذبة كبيرة، أو أنه كما قال (أمير الحب العربي) نزار قباني (في الدنيا بعض من تخيلنا لو لم نجده عليها لاخترعناه)..، وما هو تعريف الحب المجرد علمياً؟، إنه تجاذب كيميائي تلعب الرغبة فيه دوراً رئيساً، ولكن إن سلّمنا بأن هذا هو التعريف الحقيقي للحب، فماذا نسمي العلاقات الجميلة التي تربطنا بأمهاتنا وآبائنا وأهلنا وأصدقائنا وأوطاننا؟ ألا نطلق عليها مصطلح الحب؟! فهل هو تعريف خاطيء؟ إذن.. الحب أكبر من مفهوم الرغبة والتجرُّد.. أو هكذا يجب أن يكون حتى لا يموت.* لهذا.. فإن كل علاقة تنتهي لأسباب واهية أو لخيانة ما أو لسوء تقدير هي بالضرورة لا تندرج تحت مسمى الحب، فالحب لا يموت.. ربما يتحوّر أو يتغيّر أو يتأثّر بالأحوال الخارجية والظروف المحيطة ولكنه لا يموت، فإذا دفعتك الغيرة العمياء لقطع علاقتك بالمحبوب، فاعلم أنه لم يكن حباً.. وإذا راودتك نفسك الأمّارة بالسوء للنظر إلى آخر سواه مُظْهرة لك عيوبه ونواقصه فاقتنعت بأن هذا الآخر أفضل من حبيبك فاعلم أن ما بينكما أبداً لم يكن حباً.. * وإذا تسلّل الملل إلى حياتكما واستشرى الصمت والبرود في أجواء لقاءاتكما، فتأكد بما لايدع مجالاً للشك أن ذلك ليس حباً، لأن الحب عدو الملل، وربيب الأحاسيس المستعرة، والثرثرة الشائقة، وهو لا يحتمل التجزئة أو الشراكة أو الكذب مهما كانت ألوانه حتى وإن كان الكذب أبيض اللون، ولا يعيش في ظل الجحود والقسوة والتجريح واللا احترام حتى وإن كان تحت سقف واحد.* الحب الحقيقي الصادق (سيد الاسم) قائم على التقدير والامتنان وقبول الآخر بما هو عليه، والتضحية لأجله والاجتهاد في إسعاده، فلا تسموا العلاقات الجامعية العابرة التي تولد على المدرجات وتموت تحت ظلال الأشجار لمجرد دسيسة أو (قوالة) من زميلة حاقدة (حباً)، ولا تعتقدوا أن اللقاءات الاجتماعية العارضة داخل (الصيوانات) التي يتم فيها تبادل أرقام الهواتف وتبدأ بعدها المكالمات الليلية المجانية الطويلة التي لا تقف عند أي حدود أخلاقية (حباً) ولا تطلقوا على الزواج القائم على إعجاب العريس بالعروسة التي رآها في زفاف صديقه فاصطفاها من النظرة الأولى (زواج حب).. فالحب لا يأتي من النظرة الأولى، ربما تكون هي نظرة إعجاب أو اشتهاء أو أنانية، ولكنها لا تصل لمستوى الحب، وأنا أؤكد أن الحب من أول نظرة وهمٌ كبير لا يمضي إلى حيث نريد في أرض الأحلام. * وإذا كان اعتيادك على زميل أو زميلة الدراسة أو العمل أو ابن أو ابنة الجيران واتفاقكم على العديد من الآراء والقناعات وهواياتكم وميولكم المشتركة يدفعكم للاعتقاد بأن هذا هو الحب، فأرجو أن تُعيدوا النظر في الأمر بحياد وموضوعية، وتحسبوا حساباً لأعماركم وأوضاعكم الاقتصادية ومستوياتكم العلمية وظروفكم الاجتماعية، لأن الحب لا يصمد طويلاً في وجه الفروقات، وإذا كنتم قد سمعتم كثيراً عن الحب الذي انتصر على فروقات السن والمستوى المادي والاجتماعي، فاعلموا أن أبطاله قد اكتشفوا خطأهم الكبير ولكن ربما يمنعهم كبرياؤهم أو ظروفهم من الاعتراف بالفشل والإخفاق.. لذلك يحاولون أن يجمِّلوا لنا الصورة ويظهرون لنا وكأنهم في غاية السعادة والوفاق خوفاً من الشماتة والشفقة. * إذن.. الحب لا يموت..، وقد يستسلم للتغيرات التي تطرأ على البيئة التي نشأ فيها، ولكنه يبقى كامناً في زاوية بعيدة ويبرز للسطح كلما بحثنا عن أحاسيسنا الجميلة، وجلسنا إلى أنفسنا لنقيِّم حياتنا ونوازن بين المكسب والخسارة فيها، فالحب مكسب كبير وعظيم ولكنه نادر الوجود، ولا يأتي لكل الناس، فإذا ظننت أنك شهيد الحب أو ضحيته وذرفت عليه الدموع فأعلم أنه أبداً لم يكن حباً !!! * تلويح: غلطة كانت غرامي ليك!

اندياح – داليا الياس
صحيفة آخر لحظة