رأي ومقالات

جيب (رعاياتك) وتعال (برطع) !


تأبَّط (م) شهادات خبرته في العمل التلفزيوني، بالإضافة إلى تلك الفكرة المميزة والاستثنائية لبرنامج تلفزيوني جديد، تلك الفكرة التي سهر وكافح ومرض وأُصيب بالرَّهق في سبيل (تسبيكها) وتقديمها كوجبة إعلامية مشبعة لمشاهد سوداني ملَّ التكرار وأعياه استنساخ الأفكار.

توقف (م) أمام مكتب مدير برامج القناة قبيل أن يعدل من هندامه ثم يطرق الباب طرقتين خفيفتين قبل أن يسمع صوت المدير من الداخل وهو يطلب منه الدخول، ليدير (م) رتاج الباب ثم يدلف إلى ذلك المكتب الأنيق الذي توسطته طاولة عريضة استكانت عليها عشرات الدوسيهات والفايلات، بينما جلس خلف الطاولة ذلك المدير الأربعيني والذي رسم ابتسامة باهتة على شفتيه، قبل أن يقول بسرعة:(وين الفكرة القلتها لينا)..؟.. هنا قام (م) بسرعة بمدّ الفايل الذي يحتوي على شهادات خبرته، والفايل الآخر الذي يتضمن الفكرة، ليضع المدير الفايل الأول جانباً قبل أن يغرس عينيه في (أحشاء) الفكرة.

دقائق مرَّت حتى قام المدير بطي الفايل قبل أن يقول وبصورة مباشرة لـ(م):(فكرة ممتازة بس عندك ليها رعايات)..؟.. هنا ارتفع حاجبا (م) في دهشة قبل أن يجيبه بصوت خافت:( يعني لازم أجيب رعايات عشان الفكرة تتنفذ)..؟..هنا أطلق المدير ضحكة عالية قبل أن يجيبه بسخرية:(انت يا استاذ جديد في الكار دا ولا شنو..؟… طبعاً لازم)…ابتلع (م) ريقه بصعوبة قبل أن يقول:(بس يا استاذ أنا ما بعرف أجيب إعلانات أو رعايات وما حصل يوم حاولت و….)، هنا قاطعه المدير بحسم:(خلاص لما تعرف تعال، لانو القناة ما بتقدر تنتج ليك الفكرة دي بدون ما يكون عندك رعاية من جهة)!.

والقصة أعلاه عزيزي القارئ ليست من وحي خيال الكاتب كما تعتقد، بل هي قصة حقيقية مائة بالمائة، وأجزم أن هناك عشرات القصص الشبيهة لها، تلك القصص التي تدور كلها حول محور واحد وهو اهتمام القنوات الفضائية خلال السنوات الأخيرة بالرعاية والإعلانات أكثر من الأفكار، بحيث صار امتلاك المبدع لفكرة عبقرية غير كافي لاكمال إجراءات ميلادها، بل يتطلب الأمر مجهوداً إضافياً يتمثل في جلب رعاية وإعلانات لتلك الفكرة، وهو أمرٌ يثير التعجب والدهشة.!

اشتراط القنوات الفضائية على أصحاب الأفكار الجديدة والمميزة جلب إعلانات في سبيل أن ترى أفكارهم النور، هو شيء مؤسف ومخجل للغاية، فالقناة هاهنا تتجرد تماماً من مهنيتها، وتتحول عقلية إبداعها إلى (عقلية تجارية) بحتة، وثمَّة سؤال آخر مهم هاهنا يطرح نفسه وهو: ما علاقة ذلك المبدع صاحب الفكرة بالإعلانات والرعايات..؟.. وما هي بالمقابل وظيفة قسم الإعلانات (الطويل وعريض) الجاثم داخل مباني تلك القنوات..؟

صدقوني، مطالبة القنوات الفضائية لأصحاب الأفكار المميزة بجلب إعلانات نظير بث أفكارهم يمثل (وصمة عار) في جبين مهنية الإعلام المرئي، فذلك يؤثر بشكل مباشر على جودة المادة البرامجية المقدمة على الشاشة، حيث ستغيب البرامج المميزة والمختلفة، بينما ستتمدد برامج (تافهة) أخرى لا تحتوي على أي متعة أو فائدة، لكنها تحتوى بالمقابل على (رعايات).!…عجبي.!

شربكة أخيرة:
الآن.. بشرى سارة… عزيزي (الفرحان) الرَّاغب في أن يكون لك برنامج داخل قناة فضائية…عزيزتي الرَّاغبة في استعراض (ثيابك الجديدة) و(مكياجك الصارخ)… أنتم لا تحتاجون بعد الآن لارهاق عقولكم أو البحث عن فكرة مميزة للظهور عبر الشاشة، كل المطلوب منكم الآن هو جلب (رعاية رعايتين) والتوجه نحو أقرب قناة فضائية ليرى محتواكم النور، حتى وإن كان محتوى (محظور)…و.. (أنا ما بفسِّر…وانتو ما بتقصروا)!.

أحمد دندش


تعليق واحد

  1. استاذ دندش
    ي شفيف
    مصيبة البرامج ف تلك الرعايه التي تقلل مساحة البرنامج
    وتكون الفتره الزمنيه للبرنامج مناصفه بين البرنامج والاعلان
    ومحن ع قولة الكاتب القدير شوقي بدري