الطيب مصطفى

السودان الجديد وصراع المركز والهامش


كنا قد كتبنا عن نشوء أكبر تهديد للدولة السودانية التي قامت على إرث السلطنة الزرقاء أو مملكة سنار أو الدولة السنارية التي نشأت في بدايات القرن السادس عشر الميلادي بتحالف عظيم بين المكونين العربي والأفريقي ممثلين في القائدين عبدالله جماع وعمارة دنقس أو تحالف العبدلاب والفونج والذي قام على المرجعية الإسلامية التي اعتنقها الرجلان وشعباهما وأمتدت تلك الدولة من الخرطوم حيث العبدلاب حتى سنار حيث الفونج وتكون ذلك المركز الحضاري حول النيل ليشد أطراف السودان وأجزاءه الأخرى ويقيم دولة السودان الحديثة التي لم توهنها كل دعاوى الصراع بين المركز والهامش التي نشأت بعد ذلك كافراز لمشروع إعادة هيكلة الدولة السودانية الذي تبناه قرنق وتلاميذه من بعده عرمان وباقان ويوسف كوة والحلو وعقار تحت اسم الحركة الشعبية (لتحرير السودان) أو تحت ما سماه قرنق بمشروع السودان الجديد.

أكرر فأقول إن ذلك التهديد للدولة السودانية الحديثة التي قامت على أعتاب الدولة السنارية تمثل في قرنق الذي أراد تفكيك وإعادة هيكلة تلك الدولة القائمة على ذلك الأرث التليد وتلك الهوية السودانية المكونة من أربعة عناصر أساسية هي الدين الإسلامي الذي يعتنقه غالب أهل السودان ثم المكونان العربي والأفريقي بالإضافة إلى العربية كلغة قومية وثقافة غالبة.

لعل أكبر دليل على إتخاذ مملكة سنار هوية إسلامية مكونة من البعدين الأفريقي والعربي مع لغة قومية واحدة هي العربية ذلك الأنموذج الذي قدمه الشيخ فرح ود تكتوك الذي يعتبر أحد كبار الدعاة الذين اسهموا في تشكيل هوية تلك الدولة فالشيخ فرح ينتمي إلى العبدلاب الذين كان لهم سهم ضخم في تكوين مملكة سنار وسأنقل نماذج قليلة ، على سبيل المثال لا الحصر ، من النصائح الدعوية التي تقف دليلاً ساطعاً على الهوية الإسلامية لتلك الدولة والتي اشتهر بها ذلك الداعية الذي طبقت شهرته الآفاق ولا يزال السودانيون يرددون أحاديثه التي برع في نظمها بأسلوب شعري سهل الحفظ ومحبب إلى النفوس.

يقول الشيخ فرح :

ﺗﻮضأ ﺻﺤﻴﺢ.. وﺻﻞ ﺻﺤﻴﺢ… ﻭﺇﻥ سأﻟﻮﻙ ﻗﻮﻝ ﻗﻮﻻً ﻧﺼﻴﺢ… ﻭﻣﺪ ﺇﻳﺪﻙ ﻻ ﺗﻜﻮﻥ ﺷﺤﻴﺢ… ﺷﻮﻑ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎمة ﻛﺎﻥ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻡ ﻧﺼﻴﺢ.

اﻟﺘﺎﺟﺮ ﻳﺘﻢ ﻣﻴﺰﺍنو

ﻭﻳﺤلي ﻟﺴﺎﻧﻮ

ﺷﻮﻑ أﻛﺎﻥ ﻣﺎ ﺇﺗﻤﻼ ﺩﻛﺎنو

أﺩي ﺍﻟﻠﻘﻴﻤﺔ

ﻭﻋﺪي ﺍﻟﻜﻠﻴﻤﺔ

ﻭﺯﻳﻞ ﺍﻟﺼﺮﻳﻤﺔ

ﻭآﺧﺮ الليل أﺧﺪ ﻟﻴﻚ ﻗﻮﻳﻤﺔ

*ﺷﻮﻑ أﻛﺎﻥ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ أﻫﻞ ﺍﻟﻨﻬﻴﻤﺔ.

هكذا عبّر الشيخ فرح وأمثاله عن هوية تلك الدولة الإسلامية ونشروا الثقافة العربية في أرجائها وهكذا كونت تلك الدولة في وسط السودان النيلي وشكلت النواة الأولى لدولة السودان الحديثة حول النيل والتي شدت الأطراف حول ذلك المركز الحضاري الذي لم تضعفه أنظمة الحكم التالية بقدر ما رسخته سيما وأنها لم تنقل العاصمة خارج ذلك المركز إنما اتخذت الخرطوم التي جاء شق العبدلاب المكون لمملكة سنار مع الفونج من أطرافها (الحلفايا).

ما تكونت الدولة السنارية حول النيل إلا لأنه مصدر الخصب والزرع والضرع الذي نشأت حوله تلك الدولة وواصلت الدولة التركية ثم الإنجليز والحكومات الوطنية التالية حتى اليوم تعميق وتركيز سلطتهم على الدولة السودانية من ذلك المركز الحضاري بذات المرجعيات التي قامت عليها الدولة السنارية.

من الجانب الآخر كما أسلفنا في المقال الماضي فقد تبنى قرنق الذي يعتبر المُهدِّد الأول والأكبر لدولة السودان الحديثة مشروع تفكيك تلك الدولة بذات المشاريع التحريرية الثورية التي قادها بعض الزعماء الأفارقة ضد الأقليات العرقية التي استعمرت دولهم بما في ذلك جنوب أفريقيا وزمباوبوي (روديسيا البيضاء) ضد البيض وتنزانيا ضد العرب وذلك من خلال (مشروع السودان الجديد) الأفريقاني العنصري الذي انشا قرنق من اجل انفاذه الحركة الشعبية (لتحرير السودان).

أفلح قرنق في إدراج كل من اقتنعوا بنظريته العرقية من غير العرب فنقل الحركة الشعبية إلى جنوب كردفان من خلال يوسف كوة وإلى النيل الأزرق بقيادة مالك عقار، أما دارفور فقد أنشأ فيها حركة أفريقية أخرى معادية للعرب تولى قيادتها عبدالواحد محمد نور ومنحها اسم حركته باختلاف بسيط حيث سماها (حركة تحرير السودان) التي انشقت فيما بعد إلى جزءين تولى الآخر مني أركو مناوي.

إذن فإن قرنق رفع شعار تفكيك وإعادة هيكلة الدولة السودانية الحديثة (Restructuring) وفي سبيل ذلك حرّض الأفارقة جنوب الصحراء ضد العرب وتبنى من أجل ذلك طرحاً عنصرياً زعم فيه أن العرب في السودان أقلية مستعمرة ودخيلة وحرض بتلك الحجة الشعوب الأفريقية المنفعلة بقضية الأفريقانية والتحرير بهدف انتزاع حق ما سماه بالشعوب الأفريقية في السودان وكان يقول للأفارقة جنوب الصحراء : (إن العرب مكثوا في الأندلس أكثر مما مكثوا في السودان وكما أخرجوا من الأندلس سيخرجون من السودان) وكذلك : ( العرب في السودان لا يختلفون عن البيض في جنوب افريقيا).

لم يدّخر قرنق مصطلحاً أو شعاراً لم يرفعه في سبيل التبشير بنظريته وكان شعار صراع المركز والهامش من بين الشعارات التي رفعها.

كان الشيوعيون أكبر مساندي قرنق سيما وأنه بدأ حربه بدستور ماركسي اتساقاً مع الرئيس الإثيوبي منقستو هيلي مريام الذي كان أكبر داعميه حين أنشأ حركته وجيشه في عام 1983 ومعلوم أن الشيوعيين مولعون بالصراع الذي يعتبر أهم آليات التغيير نحو تحقيق هدف الانتقال للحلم الشيوعي (الصراع الطبقي).

في سبيل تحقيق هدف تفكيك الدولة المركزية رفع قرنق شعار ثورة الهامش بحجة أن المركز هو الذي سلب المهمشين في الأطراف حقوقهم.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة


‫5 تعليقات

  1. هكذا كان مشروع جون قرنق , ولا ينبغي التعمية أو الدغمسة في المشروع القرنقي الذي يقوم على خلافته الآن ولو من قبيل الأماني المدعو / عارمان والمدعو / ع الواحد نور ومن لف لفهما من الحاقدين مثل مالك آقار والحلو , ومنذ أكثر من ربع قرن حدثني زميلي وهو من قبيلة الهدندوة , وكنا نعمل معاً خارج الوطن , بأن جون قرنق اجتمع إلى المتمردين من البجا , واستعرض خارطة السودان الجغرافية أمامهم وأشار بيده إلى النيل وضفتيه شرقاً وغرباً وقال لهم : نريد أن نغير الديموغرافية والتركيبة السكانية لمنطقة الوسط النيلي وإبعاد من يسكن هذه المناطق إما بطردهم أو إبادتهم والقضاء عليهم حتى نحرر السودان منهم !! ولذلك هذا هو مشروعه , والذي ورثه عنه هؤلاء المذكورون آنفاً , ولكن سيخيب سعيهم وستفشل خططهم وأمانيهم وسيبقى السودان بمواطنيه بمختلف قبائلهم وتوجهاتهم وسودانيتهم , والله غالب على أمره ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون )

  2. اولا .الشيخ فرح هدا اسطوره لا وحود لها.بل هى خرفات لا اساس من الصحه. ام الموضوع الاساسى فياي الطييب مصطفى اترك هذا المواضيع ولا تثير فى نفوس الناس هذا الافكار لقد تكون سببا فى الكرهيه وينتبه الناس اليها كافيه الجنوب ي الطيب مصطفى

  3. اولا هزا المدعو الطيب هو انسان عنصري وافكاره تدعو للتفرقة بين ابنا الوطن الواحد السودان ويجب ان يعلم كل اهل السودان ان جنوب السودان انفصل بسبب هزا الرجل المدعو الطيب مصطفي ثم عاد الان يعزف هزه السنفونية العنصرية البغيضة التي يعلم الجميع انها تضر فقط ولا تنفع ان اغلب اهل السودان الان يفضلون حتي الحزب الشوعي علي حزبك المسمي كزبا وبهتانا الاسلامي والزي هو في الاساس حزب عنصري بغيض ازاق اهل السودان الويل والثبور وعظاءم الامور واوردنا موارد الهلاك – اما قرنق فهو لم يقل ما قلته عنه وارجو عدم زر الرماد في العيون واجو ان تعلم جيدا ان السبب الاساسي في فصل الجنوب هو افكارك وسمومك التعيسة

    1. أخى ود نيالا
      لو كان كلامك صحيح أن الجنوبيين صوتو للأنفصال بسبب الطيب مصطفى فهذا يعنى ان الاستاذ الطيب مصطفى
      انسان ذو تأثير طاغى أيجابى أو سلبى وحسب معرفتى المتواضعة بأن الجنوبيين نادو بالأنفصال قبل خروج المستعمر وأن تمرد سنة 1955 والمجزرة التى أرتكبت بحق الجنود والضباط هنالك وقتها ربما لم يكن الطيب مصطفى مولودا بعد وان كان ربما كان طفل بالتاكيد لم يبلغ الحلم بعد الشغلة حسب فهمى المتواضع كانت فيها “تقية” خمو الناس بمشروع السودان “البغيض ” وصدق كثير من الدراويش( المخلص بضم الميم) المبجل القائد المفكر دكتور جون قرنق ديمبيور فكان ان تصدى الاستاذ الطيب بكل جرأة وأدب ومنطق وبالحجة والادلة منذ نيفاشا المشؤومة لهؤلاء الاوغاد فجن جنونهم ونعتوه بأقباح الاوصاف والعبارات وفى النهاية صدق كلامه وكل ماحذر منه وقع لو كان الذين يقودون التفاوض مع الحركان السرطانية من أمثال الاستاذ الطيب مصطفى بلدنا ما بتجيها عوجة تب
      اللهم أحفظ وطننا وشعبنا من كيد الذين يكيدون فى العلن وشر الذين يحيكون فى السر

  4. فرح ود تكتوك شخصيه حقيقية هو ليس عبدالابي كما يقول الكاتب بل ينتمي لقبيلة البطاحين العربيه المعرفه