الطيب مصطفى

القيد الصحافي وفضيحة كليات الإعلام!


بالله عليكم ماذا يكون شعوركم عندما يرسب خريجو كليات الطب والهندسة في امتحان المادتين وينجح خريجو الإعلام والآداب في امتحانات الطب والهندسة؟!

لا تضحكوا قرائي الكرام أو تدهشوا لهذا السؤال لأن ذلك هو عين ما حدث في امتحانات القيد الصحافي فمن بين (493) من خريجي كليات الإعلام بلغ عدد الناجحين (140) فقط بنسبة (28)% بينما نجح كل خريجي الطب والهندسة الجالسين لذلك الامتحان بل أن من أحرز المركز الأول من بين جميع الجالسين للامتحان كانت مهندسة وكان الوحيد الذي دخل في المراكز الخمسة الأولى (الخامس) من تخصص الإعلام (صحافة) أجنبياً من اليمن.

حق لرئيس اتحاد الصحافيين الصادق الرزيقي أن يعبر عن استيائه من النتائج البائسة التي حصل عليها خريجو الإعلام وأن يطالب بالعلاج ولمراجعة مناهج كليات الإعلام ولن نقف نحن في لجنة الإعلام والاتصالات في البرلمان مكتوفي الإيدي إزاء ما حدث سيما وأن ذلك الخلل قد تكرر بالرغم من أن الأمر ينبغي أن يخضع أولاً لمراجعة وزارة التعليم العالي ولجنة التعليم بالبرلمان، وأدعو لجنة التعليم بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي وكليات الإعلام بالجامعات واتحاد الصحافيين إلى عقد ورشة بالبرلمان لمناقشة المشكلة بغرض الخروج بتوصيات تُسهم في المعالجة.

لن تنطلي علينا الحجة البائرة بأنه ليس بالضرورة أن تتطابق رؤية وزارة التعليم العالي والجامعات للمناهج مع مطلوبات مزاولة مهنة الصحافة ذلك أنه ليس مقنعاً البتة أن تتحجج الجامعات بأن مناهج الطب والهندسة ليس مقصوداً منها تخريج أطباء يزاولون مهنة الطب وعلاج المرضى أو أن مناهج كليات الهندسة المدنية لا تهدف إلى تخريج مهندسين ينشئون المباني والعمارات والكباري.

لماذا بربكم تفوق خريجو الطب والهندسة في امتحانات القيد الصحفي ؟ السبب أوضح من الشمس في رابعة النهار ذلك أن كليات الهندسة والطب تستقطب أصحاب الدرجات والنسب العالية في امتحانات الشهادة الثانوية ويشمل ذلك كل المواد بما فيها اللغة العربية التي تعتبر الركيزة الأساسية التي يقوم عليها العمل الصحافي ومعلوم أن الكليات النظرية تستوعب درجات أقل بكثير من تلك المطلوبة لكليات الطب والهندسة ويلتحق طالب الإعلام بكليته بدرجة في اللغة العربية تقل عن تلك التي يحصل عليها طالب الهندسة أو الطب ..ذلك في رأيي هو أس الداء الذي فشلت كليات الاعلام في علاجه.

لن أفهم ولن أقبل البتة أن يقضي طالب بكالوريوس أو دبلوم الإعلام عدة سنوات من الدراسة المتخصصة التي تشمل اللغات وعلوم الإعلام ولا يصل إلى (شطارة) خريج الطب أو الهندسة الذي يكون خلال تلك السنوات قد اتجه إلى دراسات أخرى أبعد ما تكون عن علوم الإعلام واللغة العربية.

الأمر يحتاج إلى تنسيق بين كليات الإعلام والمشتغلين بمهنة الصحافة سواء في وضع المنهج أو تدريب طلاب الإعلام خلال سني الدراسة خاصة فترات العطلات كما أن على اتحاد الصحافيين إشراك ممثلين من أساتذة الإعلام في وضع امتحان القيد الصحافي.

إذن فإن الأمر يحتاج إلى علاج في المنهج وفي التدريب خاصة اللغة العربية وصدقوني أنّي كثيراً ما ادهش لكثافة وصعوبة منهج اللغة العربية في السنتين الأخيرتين من مرحلة الأساس أو السنة الأولى للمرحلة الثانوية وأقول في نفسي إنه لو أجاد الخريج الجامعي دراسة منهج نهايات مرحلة الأساس لكانت لغته العربية أفضل بكثير من تلك التي نلحظها في خريجينا هذه الأيام.

صحيح أننا نحتاج إلى معلومات إضافية حول نقاط الضعف الكبرى التي أدت إلى تلك النتيجة الكارثية في أداء خريجي كليات الإعلام ولكني رغم ذلك أظن أن علة العلل تكمن في ضعف منهج اللغة العربية وحتى في جامعة الخرطوم على أيامنا ، وأظن ذلك حاصلاً حتى اليوم ، عندما يختار طالب الآداب مثلاً مادة صعبة نسبياً كالإنجليزية والفرنسية يخلطها في ما يسمى بالـ (combination) بمادة اللغة العربية التي يحتوي منهجها على مقرر سهل للغاية لا يجعل الخريج من حيث تمكنه من علوم العربية جديراً بحمل شهادة تلك الجامعة العريقة.

لست أدري ما هو رأي وزيرة التعليم العالي بروف سمية أبوكشوة في هذه النتيجة خاصة تلك التي حصل عليها طلاب الدبلوم؟

لقد قرأت بالأمس ملاحظات جديرة بالاهتمام أبداها الطبيب العالمي البروف حسن أبوعشة حول مناهج وطرق البحث العلمي.

كذلك حدثني بمرارة المهندس المدني سامي الجمل صاحب الخبرة العملية الطويلة في مشاريع كبرى داخل السودان وخارجه عن أنهم أضاعوا سنوات من أعمارهم في دراسة مقررات هندسية لم يروا لها أي أثر في ممارستهم لمهنتهم خلال السنوات الطويلة التي قضوها في المهنة.

عندما كتبت وتحدثت في البرلمان عن تدني جامعاتنا الكبرى في التصنيف العالمي للجامعات جادلتني بروف سمية رافضة تلك التصنيفات ولم أدر لحظتها ما أقول.

في الختام أقول أن أمر مناهج التعليم العالي تحتاج إلى إعادة نظر ولعل ما حدث لكليات الإعلام بشأن فضيحة نتائج القيد الصحافي يدعو إلى إيلاء الأمر اهتماماً وأخذه مأخذ الجد.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة


‫2 تعليقات

  1. ولماذا تتحدث عن طلاب الإعلام فقط أرجو أن تتناول خريجي الهندسة من الجامعات السودانية مع قرنائهم من الجامعات الأخرى سوف تندهش للفارق الكبير وحتى طلاب الطب لا يستطيعون ممارسة المهنة في أي بلد آخر إلا في السعودية ودي انا بعتبرها قسمة ونصيب يعني ربنا جاعل ليهم لقمة عيش في السعودية. بصراحة العنطزة ما في ليها داعي لم يعد لدينا جامعات بالمعني المتعارف عليه عالميا والإ فان جامعاتنا من أعرق الجامعات في العالم ولكن أين موقعها من الأعراب في التصنيف العالمي. واذا أردت أن تتعرف على مستوى الخريج الجامعي فقط أنظر لزفة التخرج وحنة الخريج وفطور الخريج – اذا كانت هذه هي اهتمامات الخريج فماذا تنتظر منه. ثم قبل ذلك تفحص مستوى الأستاذ الجامعي ليس في مادته التي يدرسها ولكن في الهيئة العامة والادراك العام (الكومون سينس) – أنا لست طبيبا ولا مهندسا ولكني أتحدى أي خريج جديد من هاتين التخصصين في االمواد التي يدرسونها. وخلونا نكون أكثر واقعية الحال العام ينعكس على أي شيء فكيف تتوقع أن تخرج طبيبا أو منهدسا أو اعلاميا في بلد يتدهور إلى الوراء بسرعة الصاروخ كل يوم.

  2. البارحة الثلاثاء كنت أشاهد جلسة تلفزيونية مع شخصين , مهندسة وطبيب من الجمهورية التونسية على تلفزيون (السودان) أو تلفزيون ( أمدرمان ) وكنت ألاحظ مستوى اللغة الذي دارت به المقابلة , . أشهد بأن مستوى اللغة والحوار لدى المهندسة والطبيب كان أفضل بكثير من مستوى الصحفي السوداني الكبير الذي لا أعرف اسمه , المستوى من حيث مخارج الحروف ومن حيث النحو وقواعده .هل تصدقون أن الصحفي (متاعنا) كان يتكلم باللهجة الدارجة طبعا, لعجزه عن التكلم باللغة المعربة ؟
    وأن صحفيّنا يريد أن يبينوا له معنى كلمة (العمومية)عندما كان الكلام عن المستشفيات الحكومية ؟ فسأل قائلاً : العمومية تعني الحكومية ؟(ولكن دعوني أُحسن الظن به , بأنه كان يقصد التوضيح للمشاهد !! وحتى في هذه الحالة كان يمكنه هو توضيحها, بأنها التي تتبع للقطاع العام ) ولاحظت أن المهندسة لم تنس أن تنصب أحد الأفعال المضارعة لكونه مسبوقاً بأداة ناصبة !!
    المشكلة عندنا ليست فقط في كليات الإعلام , وإنما المشكلة في كيفية تدريس أبنائنا منذ مرحلة الأساس . بل في الصفوف الثلاثة الأولى ! كيف يدرسون وعلى أي شيء يكون التركيز , ولكن كم عدد طلاب الفصل الواحد ؟ هل يمكن أن يكون المعلم أو المعلمة, مهما أوتي من قدرة ومكانة , أن يغطي بإشرافه ووصوله إلى ستين تلميذا أو تلميذة في حصة قدرها أربعون دقيقة ؟ كم نصيب التلميذ أو التلميذة من الدقائق في الحصة الواحدة ؟ في الأزمنة السابقة كان عدد تلاميذ الفصل ما بين عشرين وخمسة وعشرين تلميذاً أو تلميذة وكان يمكن للمعلم القدير أن يصل إلى كل واحد ويعرف كيف يضع الحرف وكيف يكتبه وكيف ينطقه مع المتابعة والتصحيح !!
    المعالجة لهذه المشكلة , مشكلة الضعف في الأداء يجب أن تبدأ في مرحلة الأساس للمعلم ذاته بإعطائه راتبا مجزياً يكفيه المسغبة والهوان ومسألة تحصيل جنيهين وثلاثة من التلاميذ والتلميذات , وعدد التلاميذ في غرفة الدراسة وباختيار المعلم الكفء , واختبار كفاءته قبل اختياره , وعدم اعتبار مهنة التعليم مهنة من لم يجد عملاً آخر !! لا ينبغي سب ونبز خريجي كليات الإعلام بضعف مستوياتهم , فمستويات الخريجين في كل مجال ( زي بعضها ) فهم ليسوا بدعاً من الآخرين , ولكن يجب تجويد تدريسهم وواجباتهم وتدريبهم أثناء الدراسة وتدريبهم أثناء العمل وأن تفرض عليهم إعادة دراسة اللغة العربية والنحو العربي ومخارج الحروف , ولا داعي لإخضاعهم لاختبارات صفوية , من يضعونها غير مبرئين من حظوظ النفس والتكويش على أبواب العمل وسده في وجوه القادمين الجدد . انظر إلى الصحفيين القدامى المكنكشين على صحفهم حتى بعد أن صارت شركات مساهمة , مثل مؤسس صحيفة الأيام الشيوعي العتيق / محجوب محمد صالح !