حوارات ولقاءات

مدير هيئة الجمارك الأسبق الفريق صلاح : سوريون بالسودان ضالعون في صناعة الحبوب المخدِّرة


كشف المدير العام الأسبق للهيئة العامة للجمارك، الفريق صلاح الشيخ أن مساهمة الجمارك في الميزانية العامة تبلغ 60%. وأكد وجود عدد من القوانين التي قال إنها “تخنق” الصادرات والواردات.
ولفت إلى أن أداء الجمارك شهد تطورًا كبيراً وسرعة في إيقاعة، محملاً جهات حكومية أخرى مسؤولية البطء الذي يشوب عملية التخليص، وقال: “توجد جهات راكبة فوق ضهر الجمارك”، وبدا رافضاً مبدأ عدم الوصول إلى مستوردي حاويات المخدرات، وقطع بأن إيقاف التهريب يحتاج إلى إمكانات ضخمة لتأمين حدود البلاد، وقال إن تعقيد إجراءات بنك السودان أسهمت في ظاهرة تهريب الذهب.
وفيما يلي نتابع إفادات الخبير الاقتصادي والجمركي الفريق صلاح الشيخ وإجاباته على أسئلة الصيحة.
*موردون ومخلصون يعتقدون أن التكدس الذي يحدث بميناء بورتسودان يعود إلى بطء إجراءات الجمارك وتعقيداتها؟
– لا.. هذا الاعتقاد حسب وجهة نظري غير صحيح، لجهة أن هيئة الجمارك وصلت إلى مرحلة متطورة من الحوسبة عبر نظام الشبكة منذ عشرين عاماً، بل إن الجمارك سبقت الجميع بإدخال مرتبات منسوبيها برنامج الحوسبة منذ عقد الثمانينات من القرن الماضي، واستفادت كذلك من أحد البرامج الذي كان تحت رعاية منظمة التجارة العالمية، وقد أتاح لها التطور، أن وصلت أخيراً مرحلة متطورة تتمثل في أن يتقدم المورد والمخلص بمستنداته وشهادات بضائعة الواردة والصادرة وهو جالس في منزله عبر الإنترنت، ومن ثم يذهب المتعامل إلى الميناء لإكمال إجراءاته، وحتى توريد الرسوم بات عبر البنوك.
*إذن أين توجد العلة في عملية التخليص؟
-يوجد عدد من الجهات الحكومية “راكبة فوق ضهر الجمارك” مثل المواصفات والحجر الزراعي والصحي.
*كيف؟
-الإفراج عن البضائع يحتم استخراج شهادات من هذه الجهات التي تستغرق الإجراءات عندها زمناً طويلاً يحسب على الجمارك، وأقرب مثال لذلك ما تعرضت له شحنة برتقال تم التحفظ عليها لمدة ثلاثة أشهر بالميناء ثم لاحقاً تم الإفراج عنها.
*ولكن هذه إجراءات لابد من إخضاع الوارد لها؟
– إذا تم حجز بضاعة واردة ثلاثة اشهر يجب عدم الإفراج عنها، والسماح بعد كل هذه الفترة بدخولها الأسواق يعني أن الإجراء لم يكن صحيحاً.
*دعنا نعود إلى الجمارك مجدداً، ما هي المعايير التي يتم الارتكاز عليها في وضع التعرفة الجمركية لأنها مثار شكوى لارتفاعها؟
– التعرفة الجمركية، هي نسبة محددة من قيمة البضاعة يتم تحصيلها بوصفها ضريبة لصالح الدولة لتمويل أنشطتها التنموية والخدمية، وهنا لابد من الإشارة إلى أن هيئة الجمارك غير مسؤولة عن وضع التعرفة التي يحددها وزير المالية حسب رؤيته .
*هل يفعل ذلك منفرداً؟
– لا.. عندما يقرر مثلاً زيادة قيمة التعرفة الجمركية لعدد من السلع، فإنه يتوجه بمقترحه ناحية القطاع الاقتصادي الذي يضم وزراء التجارة، الصناعة، الثروة الحيوانية والاستثمار وغيرهم، لتتم مناقشة هذا الأمر، فإذا تمت الموافقة يتم عرضه على مجلس الوزراء الذي يتداوله ومن ثم يدلي بدلوه حوله، وإذا تمت الموافقة عليه يصدر مجلس الوزراء قراراً بزيادة التعرفة على السلع التي حددها وزير المالية.
*هيئة الجمارك في الميدان بالموانئ والمطارات وتعرف ردة فعل المورد والمواطن على زيادة التعرفة، فهل يتم إشراكها؟
– لا يتم إشراكها، وتعديل التعرفة عملية معقدة وبالغة السرية تحتم عدم معرفة المورد حتى لا يستفيد من فرق السعر بين التعرفة الجديدة والقديمة، ويطلق عليها الأرباح التي يأتي بها الهواء، ويمكنها أن تحقق ثراءً لمن يتعرف عليها قبل إعلانها، وإذا تسربت يمكن إيقافها حتى لا يستفيد التجار من فرق السعر بتخزين البضائع.
*حسناً.. ولكن هل يأتي التسريب من هيئة الجمارك إذا تم إشراكها في وضع التعرفة؟
– ذكرت لك أنه لا يتم إشراك هيئة الجمارك في وضع التعرفة، ولكن في ذات الوقت، فإن عدداً محدوداً من قادتها تتم إحاطتهم علمًا بالزيادة أو النقصان في التعرفة، وفي النهاية الجمارك جهة تنفيذية.
*هل يملك مدير هيئة الجمارك الحق القانوني في تخفيض التعرفة حسب تقديراته؟
– ليس لديه حق، لأن هذا من صلاحيات مجلس الوزراء الذي يضم عدداً كبيراً من الوزارات، ويخضع كل زيادة أو نقصان لدراسة مستفيضة ويشارك كل وزير حسب تخصصه في التداول لتحديد الآثار السالبة والإيجابية للزيادة على المواطن وكافة القطاعات.
*هذا يعني أن الجمارك متحصل فقط؟
– نعم.. الجمارك متحصل للضرائب والرسوم فقط وجهة حكومية تنفذ قرارات الدولة ومهامها تنحصر في تطبيق القوانين الكثيرة التي “تخنق الصادرات والواردات”، بالموانئ والمطارات والمنافذ الحدودية.
*ماذا تعني بالقوانين التي “تخنق “الصادرات والواردات؟
– قبل الإجابة، لنأخذ القرار الذي قضى بحظر استيراد البرتقال من كل أنحاء العالم، وعلى إثر ذلك تحفظ الحجر الزراعي على أكثر من أربعمائة حاوية بالميناء، وتقرر عدم تخليصها، وهذا القرار أثار ثائرة المخلصين والموردين واحتجوا عليه بصوت مسموع.
*ولاحقاً تم رفع الحظر عنها؟
– نعم، هذا ما حدث، بعد ثلاثة أشهر كما أشرت آنفاً تم السماح للجمارك بالشروع في إجراءات تخليصها ووجدت أن عدداً كبيراً من ما تحمله الحاويات من برتقال قد تعرض للتلف لتتحول مهمة الجمارك إلى إبادتها عوضاً عن تخليصها، فيما تم إدخال أخرى، والخطأ في هذا القرار يكمن في حجز بضائع لمدة ثلاثة أشهر ليسهم هذا في التكدس وإشانة سمعة الموانئ، وبعد ذلك يتم فك حظرها، وهذا يؤكد خطأ القرار وعدم دراسته جيداً قبل إصداره.
*ولكن ربما كانت هذه الشحنات غير مطابقة للمواصفات؟
– وكم يستغرق إجراء تحديد صلاحيتها للاستهلاك من عدمه، الأمر في غاية البساطة، لأن بالبلاد الكثير من المعامل المعترف بها والتابعة لجهات حكومية مختلفة، وكان يمكن أخذ عينات من وارد البرتقال وإخضاعه للتحليل والفحص في فترة لا تتجاوز الـ48 ساعة، فإذا وضح وجود تلوث يمكن إبادته، وإذا كان الأمر بخلاف ذلك يتم تخليص الشحنات، وهذا مجرد مثال للقوانين التي”تخنق” الصادر والوارد.
*إذا عدنا مجددًا إلى ميناء بورتسودان، فإن المخلصين الجمركيين يشكون من تعدد النوافذ الحكومية وتأثيرها في بطء الإجراءات، فلماذا لم يتم تطبيق برنامج النافذة الواحدة؟
– برنامج النافذة الواحدة يساعد على مركزة إجراءات كل الجهات الحكومية من جمارك وموانئ ومواصفات وحجر زراعي وحجر صحي وبيطري في مكان واحد، وشكوى المخلصين تعود إلى أنهم يتحركون إلى مواقع مختلفة داخل وخارج الميناء لإكمال إجراءاتهم، ويفترض أن تكون هذه الجهات في مبانٍ متقاربة حتى يسهلوا الإجراءات .
*بخلاف الإجراءات، فإن ثمة شكوى أخرى تتمثل في تأخير يشوب عملية الكشف على الحاويات؟
– نعم… لأن كل جهة تريد معاينة البضاعة لاختلاف مهامها، ولكن يفترض توحيد هذا الإجراء أيضاً أو تقليصه بأن تكتفي مثلاً المواصفات بشهادة الحجر الزراعي، وهكذا، ولكن حالياً توجد ازدواجية تؤثر على سير العمل في الكشف.
*ألا يمكن للجمارك أن تؤدي كل هذه المهام؟
– لا يمكنها فعل ذلك، فهذه جوانب فنية بحتة تؤديها كوادر ذات تأهيل علمي تخصصي عالٍ، مثلاً في الحجر الزراعي يوجد علماء وأصحاب خبرة في هذا المجال، وكذلك المواصفات وغيرها، ومهمة الجمارك تحصيل الضرائب فقط.
*ولكن توجد ورادات وصادرات ليست عليها ضرائب ولكن الجمارك تحتجزها؟
– تفعل ذلك بغرض تنفيذ القانون الذي يشير إلى أن البضائع حتى ولو كانت غير خاضعة للتعرفة الجمركية وضرائب الدولة، فإن من يحدد صلاحيتها جهات أخرى مثل المواصفات والحجر الزراعي وغيرها، وحينما تفعل ذلك، فإن الجمارك ترفع يدها عنها.
*شكوى أخرى كثيرًا ما استمعنا إليها من المخلصين والموردين، تتمثل في دفع ضريبة القيمة المضافة أكثر من خمس مرات للشهادة الواحدة؟
– نعم.. وتعود إلى أن الكثير من الجهات الحكومية “ربطت ” رسومها بقيمة البضاعة، وهذا أمر ليس جيداً، ويفترض ألا يتم تحديد نسبة من قيمة البضاعة، ويجب أن تكون قيمة ثابتة محددة من الدولة، وحتى الموانئ تربط رسومها بقيمة البضاعة، وهذه السياسة أسهمت في تعدد مراحل دفع القيمة المضافة أكثر من مرة في العملية الواحدة.
*ونأتي إلى أكبر شكوى وأكثرها مرارة، وهي أن قيمة الجمارك في السودان باهظة مقارنة بدول الإقليم؟
– في بعض الدول، فإن الجمارك التي تفرض على الواردات والصادرات لا تشكل مبلغاً كبيراً “ولا تساوي شيئاً”، ولا تمثل في موازنتها أكثر من 3% مثل فرنسا، ولكن في السودان فإن الجمارك تمثل 60% من إيرادات الدولة، بل حتى الضرائب تعتمد على هيئة الجمارك في تحصيل عدد من أنواع الضرائب ويتم تسليمها لها، وارتفاع قيمة الجمارك مقارنة مع ظروف البلاد الاقتصادية تبدو طبيعية، ولكن لابد من توسيع المظلة الضريبية لخفض قيمتها.
*إذن أنت من المناصرين لحديث وزير المالية في هذا الإطار؟
– نعم، لابد من توسيع الماعون الضريبي على مختلف الأنشطة التجارية مثل السمسرة والعملة والدهابة والتجارة الداخلية وغيرهم من شرائح تحصد أرباحاً كبيرة من نشاطها ولا تدفع للدولة ضرائب توازي دخلها، بل بعضها لم تشمله مظلة الضرائب، لذا يجب عدم الاعتماد على المصدرين والموردين فقط.
*سعادة الفريق صلاح.. لماذا يتهم رجال الجمارك بالثراء؟
– “يضحك”.. ويقول: تلقي الرشاوى اتهام أيضاً يتم توجيهه ناحية منسوبي المرور والجوازات، هذه للأسف آفة كبيرة استشرت وسط المجتمع بتوجيه الاتهامات دون إثباتات وبعيدًا عن مخافة الله، أؤكد أن رجل الجمارك لا يتمتع بالثراء كما يزعم البعض، ولكن وضعه أفضل من غيره لأسباب معلومة منها حصوله على امتيازات مثل الحوافز والسكن والعلاج والتعليم والترحيل، وتعتبر الجمارك من مؤسسات الدولة التي تمتلك مدرسة أساس ومستشفى خاص، وهذه الخدمات تجعل منسوبي الجمارك في وضع مادي جيد مقارنة مع غيرهم.
*التهريب ما يزال مشكلة تهدد الاقتصاد السوداني؟
– نعم.. لكن لابد من الإشارة إلى أن التهريب نشاط ظل موجوداً في السودان منذ فترات زمنية بعيدة، والسبب يعود إلى اتساع حدود السودان وصعوبة السيطرة عليها، حيث تجاوزت بعد انفصال دولة الجنوب التسعة آلاف كيلو متر، ومعروف أن درب الأربعين قبل أكثر من 300 عام ظل طريقاً لتصدير أو تهريب الإبل نحو مصر، وأيضاً نجد أن الكثير من القبائل لا تعترف بالحدود في تعاملها التجاري ولا تخضع للإجراءات التي تنظم هذا النشاط، وبمرور الوقت ظهرت عصابات متخصصة في التهريب، ومعروف أن أي سلعة عليها جمارك وضرائب عالية أو محظور دخولها البلاد فإنها تكون عرضة للتهريب والقصد المكسب السريع .
*مثل ماذا من السلع؟
– أبرزها الذهب والسلاح والمخدرات والخمور وغيرها، وفي تقديري أن مشروع نزع السلاح يجب أن تسبقه أولاً خطوة إيقاف تهريب السلاح وإدخاله للبلاد بكميات كبيرة بداعي الحدود المفتوحة والاضطراب الأمني ببعض دول الجوار، وقد باتت هذه التجارة رائجة لعائدها الكبير، أما الذهب فإن تعقيد بنك السودان للغجراءات أسهم أيضاً في تهريبه خاصة إلى دبي، وما يزال التهريب مستمرًا خاصة مع جنوب السودان، وكذلك إثيوبيا وإرتريا، وهذه تجارة موجودة رغم أنف الدولة ومحاربتها تتوقف على تكثيف تواجدها في الحدود واتخاذ إجراءات أكثر صرامة.
*على ذكر المخدرات، فإننا كثيرًا ما نسمع عن ضبط حاويات تحمل حبوباً مخدرة، ولكن لم نسمع بأنه تم إلقاء القبض على مستورديها؟
– هنا تكمن أهمية التحري، فعندما يكون شاملاً وذكياً فإنه يمكن أن يصل إلى الفاعل، ولكن الطريقة التقليدية لا تقود إلى كشف أصحاب الحاويات الذين بكل تأكيد هم ليسوا أشباحاً وأعني الذين أرسلوها للسودان، وأولئك الموجودين هنا، وبينهما توجد وكالة نقل، ولا يمكن من الأطراف الثلاثة هذه عدم الوصول إلى هوية مرسل الحاوية أو من كان يفترض أن يستلمها أو ناقلها، وفي تقديري يمكن الوصول إلى الجناة حتى لو استدعى الأمر إرسال متحرين إلى بيروت بلبنان ليعرفوا الجهات التي استخرجت شهادات الحاوية واستكملت الإجراءات.
*ولكن لماذا لا يمكن الوصول إليهم في السودان؟
– معظم الحاويات التي يتم اكتشافها فإنها تكون مسجلة بأسماء شركات وهمية وغير موجودة، وهذا يساعد على هروب أصحابها والاختفاء للحيلولة دون القبض عليهم في حالة التعرف على شحنتها، وأعتقد أن العمل في الأساس يعود إلى التحري ولا توجد جريمة مكتملة.
*هل للوجود الأجنبي بالبلاد أثر في انتشار المخدرات؟
– نعم، وأعتقد أن عدداً من السوريين ضالعون في هذه القضية، بل وصل بعضهم إلى مرحلة التصنيع، وذلك لأنهم يستوردون خاماً من خارج البلاد لغرض محدد ثم يتم استغلاله لتصنيع الحبوب المخدرة، وهؤلاء يمتلكون شبكة توزيع كبيرة داخل العاصمة، كما أن حرب دارفور أسهمت سلباً في زيادة الرقعة المزروعة بالمخدرات خاصة في الردوم بالإضافة إلى ولاية النيل الأزرق.

حاوره: صديق رمضان
الصيحة