تحقيقات وتقارير

تقاطعات وجدل.. مرضى الكُلى.. جدل بـ(السويسري والهندي)


جدل كبير؛ يدور حالياً بين مرضى الكُلى وذويهم من جهة، ووزارات الصحة وجهات ذات صلة بالتصاديق الخاصة باستزراع الكُلى في الخارج.
ابرز عناصر الجدل كانت في استخدام العقارات المثبطة للمناعة عند عمليات الزراعة، وايهم اكثر فاعلية (العقار السويسري أم الهندي). ثم جاءت التعقيدات المصاحبة لراغبي عمليات الزراعة بالخارج، في ظل حرص السودان على عدم الزج باسمه ضمن الدول المتاجرة بالأعضاء البشرية.
خلفية مؤلمة
(مرضى الكُلى هم الفئة الأكثر استهلاكاً لميزانيات الوزارة، ويرجع ذلك الى أن صوتهم عالٍ).
هذه المقولة صدح بها وكيل وزارة الصحة الاسبق د.كمال عبد القادر فى العام 2010م، عندما تتالت اسئلة الصُحفيين عن التظاهرات الوقفات الاحتجاجية التي يقودها مرضى الكُلى دفاعاً عن حقوق اعتبروها مسلوبة.
ولم ينبعث هذا الصوت العالي من الفراغ، بل جاء نتيجة للمعاناة التى يجدها المرضى فى توفير العلاج الذي يبقيهم على قيد الحياة، فيما لا تتوفر لهم ماكينات الغسيل ما يخلف فيهم آلاماً غير محتملة، ومضاعفات متزايدة، نسبة لانهم لا تتوفر لهم إلا غسلة واحدة فى الشهر، فى حين ان الطبيب يحدد لهم غسلتين اسبوعياً، وحال تكررت هذه المأساة فقد يتسبب ذلك في وفاتهم.
ولم تقف معاناة مرضى الكُلى عند الغسيل، بل حتى عندما تنجح مساعي المريض، ويحصل على كلية من اقاربه، تصبح الكلية المزروعة مهددة بقصر العمر، وذلك لان الدواء المثبط للمناعة أكد المرضى انه توجد به معضلة، وعندما قاموا ــ المرضى ــ بتناول العقار ــ وقتها محدداً العقار الهندي ــ اكدوا انهم اصيبوا بمضاعفات شديدة، منها الاسهال، والاستفراغ، ووصموا وزارة الصحة وقتها بانها استبدلت العقار من السويسري الى الهندي، نسبة الى ان الاخير رخيص الثمن، وقالوا ان الوزارة لا تعير صحة المرضى، كثير اهتمام بقدر ما تجنح لتوفير ادوية بأرخص الاثمان، وزادوا ان وزارة الصحة تعتبرهم مستهلكين لمواردها، وانهم غير منتجين، لذلك تريد التخلص منهم. هذه كانت قصة المرضى ومعاناتهم التى علا فيه صوتهم خلال الاعوام 2009 و2010 وحتى العام2011 نفذوا خلالها وقفات احتجاجية، لم تقل اهمية من اضرابات الاطباء حينها.
للقصة بقية
ويبدو أن ذات الامر تتكرر حالياً بشكل اخر عندما قررت وزارة الصحة مؤخراً استبدال الدواء الهندي بالدواء السويسري، وكانت مبررات الوزارة هذه المرة على لسان وزيرها بحر إدريس أبو قردة أن الدواء السويسري دواء اصيل، وان الهندى عقار (جنيس). وان العقار الجنيس لا توجد دراسات علمية تؤكد مدى فعاليته، لذا استوجب الامر الرجوع الى العقار الاصيل، وهو السويسري حفاظاً على صحة المرضى. وزاد وزير الصحة ابو قردة فى مؤتمر صحفي ــ عقده أمس بالوزارة خص به مرضى الكُلى، وما خرج به مجلسهم الاستشاري ــ انه لا يدرى سبب الرواج والضجَّة التى صاحبت استبدال الدواء الهندي لمرضى الكُلى، بالدواء السويسري. وذلك رغم أن الصندوق القومى للامدادات الطبية قرر انه لا بد من استثناء 17 صنفاً من الادوية من ضمن اكثر من 5 الاف صنف من الادوية. وان تأتى الاصناف الـ17 من الادوية من مصادرها الاساسية، والشركات المصنعة لها. مشيرا الى ان العقار السويسري واحد من هذه الاصناف المستثناة.
وجزم ابو قردة أن الغرض من القرار هو تزويد المرضى بعقار ذي مأمونية عالية، وان المأمونية تكون فى الرجوع الى الدواء الاصيل.
وابدى الوزير دهشة من رفض المرضى وذويهم في الوقت الحالي للعقار السويسري، ولكن متابعين للملف قالوا ان كميات كبيرة من العقار المقرر شارفت صلاحيتها على الانتهاء، وهو الامر الذي استدعى الرفض.
تهمنا الأرواح
وبغير ما أشيع أكد وزير الصحة ان البلاد فى احوج ما تكون لتوفير ميزانية للادوية، إلا انها ترى انه لا توجد أية مشكلة فى توفير 17 صنفاً من الادوية من مصادرها الاساسية من ضمن 5 الاف صنف من الادوية. واعتبر ان ارواح المرضى هى الاهم عند وزارته، لذا لا يعير كبير اهتمام بالميزانيات، ويسعى لتوفير ادوية ذات مأمونية للمرضى.
غير ان المؤتمر فجر المشكلة على أثره، والرواج الذى وجده استبدال الدواء الهندي بآخر سويسري يرجع لوجود صراعات بين وزارة الصحة الاتحادية، ووزارة الصحة بولاية الخرطوم، خاصة أن الاخيرة لديها خلافات مع الصندوق القومي للامدادات الطبية، كما ان المؤتمر الذى أمَّه كتَّاب صُحفيين أكد ان المجلس الاستشاري للكُلى، والذى كون فى العام 2011 كان مجلساً مغموراً فى الفترات السابقة، وان وزارة الصحة والامدادات الطبية ارادت ان تزيل عنه الغبار لتمرير اجندة محددة، ألا وهى تمرير العقار السويسري، وتثبيت اعتماده رغم غلاء ثمنه. إلا ان الوزير أكد فاعلية المجلس الاستشاري للكُلى، واستمراريته برئاسة بروفيسور حسن ابوعائشة.
تجارة أعضاء
رغم المعاناة التى يمر بها مريض الكُلى من غسيل الى زراعة اخيراً، برزت مشكلة تجابه المرضى الذين يرغبون فى زراعة الكُلى خارج السودان، ومنها مصر. وبدأت اخيراً اجراءات جديدة تكبِّل المرضى الراغبين في الزراعة خارجياً، وازاح بحر ادريس ابوقردة عنها النقاب.
وتتمثل هذه الصعوبات في أن زراعة الكُلى خارجياً بها شبهة اتجار بالأعضاء. وقال الوزير ان السفارة السودانية فى مصر طلبت رسمياً مستندات اعتماد بين المتبرع والمتبرع اليه، واكد الوزير ان السودان كدولة يلتزم بعدم الدخول في شبهة الاتجار بالاعضاء البشرية بشكل صارم. ويبدو ان هذا الامر له ما بعده، لذا وجد نقاشاً من عدد من الجهات ــ حسب الوزير ــ منها وزارة الصحة، والخارجية، والعدل، والاجهزة الامنية. لجهة ان الخطوة قد تدخل البلاد فى عدد من المشاكل، لذا انخرطت كل هذه الجهات فى اجتماع، قرر ان يستكمل طالب الزراعة اجراءاته الخاصة بزراعة الكلية داخل البلاد، حتى لا يدخل فى شبهة الاتجا،ر وهذه الخطوة كان لابد لها ان تراجع أوضاع الذين قاموا ببدء الاجراءات قبل مناقشة هذا الامر، والذى بلغ عددهم 14 طالباً لزراعة الكُلى. الامر الذى حدا بوزارة الصحة تشكيل لجنة لمدارسة الامر، وكان القرار ان يتم استثناء عدد 14 مريضاً من القرارات التى صدرت مؤخراً. غير ان سفارة السودان بالخرطوم اجرت اتصالات بالحكومة ان عدد عشرة من المرضى لحقوا بعدد الـ14 الذين انخرطوا فى البدء فى الاجراءات، وبذا تم استثناء 24 مريضاً من الاجراءات التى اقرت مؤخراً، وحدد ابو قردة 15 يونيو الماضى كآخر موعد للالتزام باستكمال اجراءات مريض الكلية داخلياً.
وقال انه تم تكوين لجنة برئاسة بروفيسور عبد الوهاب المجذوب ممثل فيها كل الجهات السابقة، بما فيها الأمن الاقتصادي. وجزم الوزير ان اللجنة لن تستنثى أي مريض. ووجه وزراء الصحة بالولايات بعدم استثناء أي مريض من القرارات المحددة.

الخرطوم: ابتسام حسن
الصيحة