تحقيقات وتقارير

لجنة برلمانية للمتابعة.. تقرير المراجع العام.. رجال التشريع في خانة (التنفيذ)


يتأبط المراجع العام، ومعاونوه في أكتوبر من كل عام حزمة من الملفات، ويدخلون بها الى قبة البرلمان، تمثل خلاصة حصيلتهم السنوية في مراقبة ومراجعة المال العام داخل المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية. وبعدها تتحول هذه الملفات لنقطة جدل وخصام بما حوته من مخالفات واعتداءات على المال العام، سرعان ما تكون حديثاً للمجالس.
لكن رغم الشفافية التي يتسم بها تقرير المراجع العام إلا ان الشكوى التي ظل يجأر بها كل من تولى هذا المنصب، تتصل بعزوف بعض الوحدات الحكومية عن تنفيذ التوجيهات التي يقدمها المراجع العام. وقد يرجع ذلك إلى عدم اقتناعهم بها؛ او رؤاهم في انهم اكبر من الخضوع للمراجعة.
عقبات حاضرة
كثيراً ما ضمَّن المراجع العام في تقريره شكواه من تحايل بعض الوحدات على موظفي الديوان، في تقديم حساباتها للمراجعة، وتحذيرهم من نشر المعلومات، بحجة أن النشر يخدم المعارضة بالبلاد. بل؛ وهناك وحدات وشركات تمنع المراجعين من دخولها للمراجعة، وتتحداهم أن يتخذوا اجراءات ضدها.
وللتغلب على نبرة التحدي التي تبديها بعض أجهزة الدولة الممتنعة عن تنفيذ توجيهات وملاحظات المراجع العام، أو المستشار القانوني، ما يؤدي إلى ضياع المال العام، أوصت لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان عقب مناقشة تقرير المراجع العام لـ(2015) بتأسيس وحدة تتبع مباشرة لرئيس مجلس الوزارء القومي، الفريق أول ركن بكري حسن صالح، لمتابعة تنفيذ قرارات المجلس الوطني المتعلقة بتوصيات المراجع القومي. لكن التراخي في تنفيذ توجيهات المراجع القومي، وضعف العقوبات على المخالفين، ولجوء بعض الإدارات إلى الإجراءات الإدارية، بدلاً عن القانونية ظلت حاضرة، وتعوق مسيرة الشفافية.
تحرك استباقي
في خطوة استباقية لذهاب المراجع العام مجدداً للبرلمان في اكتوبر المقبل، تحركت لجنة العمل والحسبة والمظالم بالبرلمان، وانخرطت في اجتماعات مكثفة لمراجعة مدى التزام الوحدات الحكومية التي وردت بشأنها ملاحظلات في تقرير المراجع العام السابق، والتأكد من انها قامت بمعالجة أوجه القصور، وتضمين حصيلة ذلك في تقرير، لتقديمه للبرلمان في بداية دورته، قبل دخول تقرير المراجع العام الجديد.
معالجات
عن ممانعة الوحدات الحكومية في انفاذ توجيهات المراجع العام، يرى الخبير الاقتصادي “بدوي الخير” أنه كثيراً ما لا تأخذ اللجان الامور على مأخذ الجد، لانه في بعض المرات تكون هناك مجاملات.
وقال لـ(الصيحة) إن السياسة فيها كثير من الممارسات التي تفسد صلاحية المؤسسات. لكن رغم هذا؛ فالمراجع العام ظل مستمراً في تعرية وكشف مخابئ الفساد.
بينما ذهب رئيس منظمة الشفافية السودانية “د.الطيب مختار” أن عدم انفاذ المعالجات يعود لسببين؛ إما ان الكوادر التي أعدت هذه التقارير من جانب البرلمان ضعيفة، او ان البرلمان غير مقتنع بهذه التقارير. ونبه في حديثه مع (الصيحة) الى ان بعض التنفيذيين واحداً من اسباب تعطيل تنفيذ معالجات وتوصيات المراجع العام الخاصة بالوزارات والمسؤسسات الواقعة تحت إدارتهم، إلا ان هذا يتم التغلب عليه بتحقيق مبدأ الفصل بين السلطات، وهذا يتم ضمن برنامج اصلاح الدول،ة وتفعيل الاجهزة الرقابية، التي هي واحدة من متطلبات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ومقرون ذلك بفاعلية أداء البرلمان رقابياً، ومنظمات المجتمع المدني.
فاعلية
لتفعيل الرقابة؛ وتحقيق ولاية المراجع العام لانفاذ قراراته، قال “د.الطيب” بضرورة ان تذهب كل التقارير بعد اجازتها من البرلمان للجهات العدلية المعنية، باعتبار أن تلك مسؤوليتها.
من جانبه؛ يرى “بدوي الخير” منح المراجع العام مزيداً من الاستقلالية، والصلاحيات القانونية، والسلطات المباشرة لمتابعة تنفيذ توصياته، حتى يشكل الدور الرقابي إذا ما تباطأت الاجهزة الحكومية في تنفيذ توصياته، يصبح المراجع العام هو الرقيب، لانه أدرى بهذا العمل من الاخرين.
شفافية
امتدح “الخير” تقرير المراجع، بوصفه مؤشراً قوياً على الشفافية من ناحية الجرأة التي فيه. بمراجعة كافة اجهزة الدولة، والكشف عن ما توصل اليه من نتائج، ومناقشتها في البرلمان، ونشرها في اجهزة الاعلام. معتبراً هذا نهجاً متقدماً جداً في الشفافية. حتى وان لم تتم معالجات، لكن هذه اشارات ان هناك رقابة على المال، وهذه خاصية قلَّ ان تتوفر في كثير من الدول. على الاقل يجعل الرأي العام شريكاً في الرقابة وتحجيم مثل هؤلاء الذين يقومون بالاعتداء على المال العام.
خطوات عملية
عادة ما تسعى الحكومة ــ عقب تقارير المراجع العام ــ إلى الصدح بشفافية العمل في أروقتها، بينما ترى المعارضة ان الأمر في رمته رأس جبل جليد الفساد، وأن ما خفي أعظم.
لكن بعيداً عن التسييس؛ فإن تقرير المراجع العام في حاجة إلى دعم قانوني وتشريعي، يمهد لاصلاح أحوال مؤسسات الدولة بشكل عملي. والمؤكد أن ذلك لا يتم بتحويله الى منشور حزبي.

الخرطوم: الطيب محمد خير
الصيحة