تحقيقات وتقارير

أزمة (البديل) في الأحزاب السودانية .!


لطالما تشكل خليفة القيادات بالأحزاب السودانية، أزمة حقيقية طوال الحقب السياسية التي مرت على تاريخ البلاد، فما زالت الأحزاب الكبرى تحتفظ بقياداتها الذين بلغ البعض منهم الثمانين ويزيد فتجد الحزبين الكبيرين ما بين الخرطوم وبحري (الاتحادي) ،

و(الأمة) ما زال على رأس قيادتيهما محمد عثمان الميرغني والصادق المهدي. وهما الأكبر سناً الآن بتاريخ أعمار السياسية التي تشيخ في بلادنا بينما بالعالم المتحضر تشبب وبالمقابل ولـ 28 عاماً ظل الرئيس المشير عمر البشير يقود دفة البلاد وحزبه بجناحي الحركة الاسلامية والمؤتمر الوطني، فيما شهدت الأحزاب التي رحلت قياداتها العليا على غرار الشعبي والشيوعي الى هزات داخلية كبرى الأمر الذي عكس بصورة واضحة أن ثمة خللا بالمشهد السياسي فيما يتعلق بإيجاد بديل قادر على التأقلم والقيادة حال دعت الضرورة لذلك.

قيادات الإسلاميين
وبرز في الآونة الأخيرة الكثير من الجدل حول هوية المرشح المحتمل لـ الرئيس البشير حال قرر التنحي خلال الانتخابات المقبلة، غير ان الحزب الحاكم عامر بالقيادات التي قد تظفر بالمنصب الرئاسي سواء بالقصر او على المستوى الداخلي بفضل التأهيل المستمر وإفراز قيادات شابة، الأمر الذي لا يهجس بقيادات الوطني على غرار الأحزاب الأخرى التي تعاني بدورها من ضعف تنظيمي لم يفرز قيادات تستطيع ان تخلف.
وتجد بالمؤتمر الوطني ان الأقرب لتولي الرئاسة خلفا للبشير الفريق أول ركن بكري حسن صالح رئيس مجلس الوزراء النائب الأول لرئيس الجمهورية بجانب قيادات كثر بالحركة الإسلامية والحزب الحاكم بجانب ان قيادات (الوطني) لطالما ظلت مؤخرا ترد على اي حديث يتعلق بترشيح الرئيس من عدمه بانه سابق لأوانه.

وبحسب قيادي فضل حجب اسمه قال لـ(الإنتباهة) لا شيء يخيف الحزب الحاكم في قصة من يترشح للرئاسة خلال 2020 مشيرا الى أنه طيلة الـ 28 عاما الماضية ظل الحزب يمد الساحة بالكوادر، وزاد : ليس هنالك اي قلق بسبب هذا الموضوع الذي نعد الحديث عنه ما زال مبكراً.

من يخلف الإمام !.
على مستوى حزب الأمة القومي فقد بدأت الإرهاصات منذ عامين عن هوية المرشح لخلافة الإمام، ويتوقع ان يواجه الحزب العريق الكائن بام درمان خلافات حادة لاختيار البديل الذي ظل يؤرق أغلب القيادات الكبرى خاصة غير المنتمين لـ آل المهدي الأمر الذي شكل انشقاقات لبعض القيادات الكبرى خوفا من التوريث المحتمل من قبل زعيم الامة القومي، شوؤن الرئاسة لابنائه وكريماته رغم نفي الامام نفسه الأمر في اكثر من حوار صحفي، بجانب تفنيد قيادات كبرى على وزن الفريق صديق اسماعيل واللواء فضل الله برمة ناصر الامر. معتبرين ان امر اختيار الخليفة يخضع لمؤتمر عام.
وكان الصادق المهدي قد صرح مؤخرا خلال حوار انه سوف يتنحى عن قيادة الحزب ويتفرغ للأمور الفكرية وخلافها ولطالما أثيرت الشبهات حول مساعد رئيس الجمهورية الحالي اللواء عبد الرحمن الصادق المهدي بانه سيتولى رئاسة الكيان السياسي العريق خلفا لوالده وان الأخير أدخل نجله القصر لاكتناز الخبرة اللازمة التي تجعله يقود سفينة احد أكبر المكونات التاريخية بالبلاد ، فيما راجت الترشيحات حول د.مريم كريمة الامام لكون انها الأنشط سياسيا بجانب انها تدرجت بسرعة بالمناصب حتى وصلت منصب نائب رئيس الحزب. وما بين الامنيات والتخمينات يصعب التكهن بهوية القادم لخلافة الرجل الذي جمع ما بين خبرة السياسة وناصية الدينمايكية وكاريزما يجعل على القادم خلفا له تحت وطأة ضغوط كبيرة، لكون ان شخصية مثل الصادق المهدي الذي مارس العمل السياسي لأكثر من نصف قرن بصورة احترافية وتعاقبت عليه جميع الحكومات التي حكمت البلاد ، تجعل اي شخص يتخوف من عاتق المسؤولية خاصة وان (المقارنة) سيف لابد منه في كل نواحي حياة السودانيين ناهيك عن حزب عريق مثل (الأمة) .

إيجاد البدائل
بدوره تتشابه خطوط التفاصيل ما بين (الأمة) و(الاتحادي) الأصل لكون ان حزب الختمية العريق والقديم الكائن مقره بحري يمر بمنعطف خطير جدا تتمثل في كيفية إيجاد بديل ليخلف رئيس الحزب السيد محمد عثمان الميرغني الغائب عن البلاد منذ اكثر من 3 أعوام وحاليا بالقاهرة. فالرجل الختمي سيجعل الكرسي الذي حكم من خلاله احد أكبر الأحزاب السياسية المتوشحة بوعاء الختمية مشتعلا لعدة عوامل أبرزها المقارنة التي ستكون حاضرة بجانب الانشقاقات الكبيرة التي ضربت الحزب مؤخراً، بجانب فشل اغلب ابناء رئيس الحزب الحالي بقيادة دفة (الأصل).
ولم ينجح جعفر الذي جاء الى القصر ممثلا لحزبه المشارك بالانتخابات في 2010 بتقديم نفسه بصورة طيبة لدرجة انه اخطأ في التفريق ما بين النيلين الأزرق والابيض في أحد المؤتمرات الصحفية الشهيرة التي عقدت بسبب الحرب بالنيل الأزرق، بجانب انه لم يتأقلم علي قيادة حزب بنزعة أقرب للصوفية وبعيدة عن الديناميكية السياسية ليغادر الخرطوم مغاضبا من الحكومة لفترة طويلة حتى جاء والده بشقيقه الحسن مساعداً أول لرئيس الجمهورية الحالي الذي بدأ نسبيا أفضل من جعفر، واستطاع ان يتأقلم مع اجواء السياسة بالبلاد غير انه دخل في معركة كبرى إبان مشاركة الحزب في انتخابات 2015 قام على اثرها بفصل قيادات تاريخية على غرار طه علي البشير وعلي السيد وابو سبيب وآخرين بجانب اتهامه للحكومة بتهميشه وعدم إمساكه بزمام ملفات مهمة ليغادر الخرطوم على ذات خطى شقيقه ويقضي فترة قاربت العام ويعود بعد اللقاء الشهير الذي جمعه مع رئيس الجمهورية وبحضور والده بالقصر إبان زيارة رسمية للبشير للقاهرة.

وتجددت خلافات الرجل ولكن هذه المرة مع والده على قائمة المرشحين. فالاب قدم قائمة بقيادة أحمد سعد عمر وحاتم السر وآخرين. بينما دفع الحسن بقائمة اخرى مخالفة للاولى الأمر الذي أحدث ربكة حتي للحكومة نفسها وما زال نائب رئيس الحزب الاتحادي الاصل يخوض معارضة مخفية داخل منظومة المكون السياسي العريق. ومن واقع المشهد فأن الحسن هو الأقرب لخلافة والده ولكنه سيدخل في معارك ضارية قد تقود الحزب للتهلكة حال حدوث أي مكروه لوالده.

وعلى الجانب الآخر من اسرة الميرغنية فأن الأنظار تظل شاخصة باستمرار لشخصية وزير الدولة بالاتصالات الحالي والقيادي بـ (الأصل) ابراهيم الميرغني على انه قد ينافس على مقعد الرئاسة خلال الفترة المقبلة لعدة مؤشرات ابرزها الفهم السياسي المتطور والوعي بالتعامل مع الوقائع التي تحيط بالحزب، لكون انه شغل مناصب تنظيمية عديدة منذ ان كان في بواكير الشباب آخرها الناطق الرسمي باسم الاتحادي، بجانب انه شخصية مقبولة لدى الحكومة مقارنة بالحسن الذي ظلت العلاقة بينه وبين قيادات الحزب الحاكم والقصر تشهد هبوطا وصعودا خلال الفترات الماضية.

نكبات بعد رحيل القيادات
وبرزت أزمة البديل بصورة بائنة بالحزب الشيوعي ابان وفاة الأمين العام وعرابه وأحد أشهر الساسة بتاريخ البلاد محمد ابراهيم نقد، حيث تعرض الحزب اليساري لنكبات وهزات عنيفة تحت قيادة محمود الخطيب أبرزها الانشقاقات التي طالت الحزب من قيادات كبرى على وزن الشفيع خضر والجزولي وآخرين، ولم يشهد للشيوعي أية أنشطة سياسية منتظمة منذ وفاة نقد بجانب رفضه المتكرر لنداءات الحوار مع النظام التي دخلت فيه أغلب القوى السياسية الامر الذي جعله خارج سياق المشهد السياسي بصورة كبيرة.
وعلى ذات النهج تعرض حزب المؤتمر الشعبي لنكبة كبيرة عقب وفاة عراب الاسلاميين وأمينه العام د. حسن الترابي ليقود الحزب مساعد رئيس الجمهورية الحالي الشيخ ابراهيم السنوسي لفترة اتسمت بالهدوء والاتزان غير ان ثمة تعقيدات بدأت تظهر منذ تولي د.علي الحاج الذي تنازل له السنوسي طواعية والأول عرف عنه الصرامة في التعامل بجانب حدة شخصيته التي جعلت بعض الخلافات تطفو الى السطح وآخرها استقالة نائبه أحمد الترابي بجانب النداءات المتكررة من بعض قيادات الحزب بضرورة عقد شورى لتقييم ما يجري.
وبدا واضحاً ان قيادات (الشعبي) باتت تحن الى أيام الشيخ الراحل (الترابي) لكون ان الأخير كان يحكم مفاصل القيادة بالشورى الواسعة، وهو ما أشار اليه القيادي كمال عمر في حوار مع (الإنتباهة) نشر الأسبوع الماضي معترفا بوجود خلافات داخل المنظومة تحت قيادة د.علي الحاج.

الأحزاب التقليدية
الأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات عبد العظيم عوض يرى ان بعض الأحزاب التي يمكن تسميتها بـالتقليدية لم تكن لها بوصلة أصلا لذلك بدأت مؤخرا بالانقسام والتشظي والأخيرة أخطر لانها تعني التفتت على حد تعبيره.
ويواصل عبد العظيم إفاداته لـ(الإنتباهة) على معرض الطرح ويقول: بعض الأحزاب التقليدية التي تسير خلفها اسر تظل تتحكم في مصيرها فإن الأحزاب الحديثة تحت قيادة الفرد الواحد الأحد الذي تحيط به بطانة الحزب وتقدمه للجمهور بفكرة إما هذا أو الطوفان لذلك نجدها سرعان ما تتهاوى وتضل طريقها بفقدان البوصلة ، وكما وصفتها التي يحتكر مقودها الزعيم لا سواه يجرؤ على الاقتراب من كرسيه.
ويشير عبد العظيم الى ان مسببات الأزمة تكمن في انعدام الديمقراطية داخل هذه القوى السياسية بالرغم من شعاراتها بانها نصيرة للحرية وان سعيها لحكم يكون عبر التداول السلمي للسلطة وبالوسائل الديمقراطية. فيما يقول القيادي بالحزب الاتحادي (الأصل) ومدير مكتب مساعد رئيس الجمهورية الحسن الميرغني، علي السر والذي يفيد (الإنتباهة) بان لكل أزمة ملامحها وأسبابها الخاصة التي تكون بحسب طبيعة المكون السياسي. ويضيف خلال حديثه ان الوضع السياسي بالبلاد بحاجة ماسة لدراسة وتحليل كل أزمة حزب من الأحزاب السودانية على حدة، واسترسل قائلا : من وجهة نظري هذه هي الطريقة الأمثل والوسيلة الفعالة للوصول الى حلول.

ويرى محدثي ان صراع الأجيال بدوره يلعب دورا كبيرا في إيجاد البدائل للقيادات، وهي ظاهرة موجودة ومتجذرة بكل مفاصل الحياة السودانية، وهو عبارة عن صراع ايديلوجي حتى في مجالات الرياضة والإدارة الأهلية وغيرها من دروب الحياة.
وبحسب المراقبين فأن أحزاباً مثل الوطني والشعبي والشيوعي وغيرها تتمثل أزماتها بإيجاد البدائل حتى وإن وجدت لن تكون على المدى البعيد، في حين ستكون الأزمة الحقيقية بمواجهة الأحزاب العقائدية مثل الأمة والاتحادي لكون أن قياداتها رسخت في الأذهان بطول فترة الممارسة السياسية الأمر الذي يجعل امكانية رؤية هذه المكونات صعبة بدونهم. ويشير المراقبون الى ان أزمة البديل تظل حاضرة بكل دروب العمل بالسودان وليست حكرا على السياسية. وفي الرياضة تجد ان المنتخب الذي أسس الاتحاد الافريقي وكان من أوائل الرواد بكرة القدم بالقارة السمراء، بات من فرق المؤخرة، وأحواله غير مبشرة. وعلى المستوي التعليمي ما زالت هنالك أزمة حقيقة بفعل المناهج التي جاءت خلال السنوات الأخيرة الأمر الذي يجعلنا نتقبل فكرة وجود أزمة حتى على مستوى البديل للقيادات السياسية بأحزابها.

الخرطوم: محمد جمال قندول
الانتباهة


تعليق واحد