تحقيقات وتقارير

تفاصيل ما حدث في معسكر (كلمة).. رواية من أرض الواقع


*شغلت زيارة الرئيس “عمر البشير” أمس الساحة السياسية وفاض الفضاء الإسفيري بصور معسكر (كلمة) الواقع على بعد خمسة عشر كيلومتراً من قلب مدينة نيالا، وتناول ناشطون في الفضاء الإعلامي الجديد صوراً عن جرحى ومصابين من النازحين تعرضوا لوابل من الرصاص أطلقته القوات الحكومية، على محتجين سلماً على زيارة الرئيس للمعسكر، الذي يختلف حتى في إحصاء قاطنيه من ضحايا النزاع، وتقدر الحكومة عدد النازحين بالمعسكر بنحو (86) ألف نازح، بينما تقديرات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، تقول إن عددهم (124) ألف.
ماهي حقيقة ما حدث أمس في معسكر (كلمة)؟ وهل أطلقت القوات الحكومية النار على المتظاهرين؟ وهل دخل “البشير” المعسكر؟ أم خاطب المواطنين من بليل؟ هذه الأسئلة شكلت جوهر ما فاض به الإعلام الحديث طوال يوم أمس (الجمعة) فأين الحقيقة؟.

جدل (كلمة) وبليل
يقع معسكر (كلمة) داخل محلية بليل ويتبع إداريا إلى تلك المحلية التي تمثل رئاسة مملكة الداجو، التي كان لها نصيب وافر من حكم دارفور وكردفان معا، ويعتبر جبل أم كردوس من أهم معالم تلك المنطقة.
التي استضافت أكبر معسكرات النازحين في دارفور، وقد استعصى دخول المعسكر لقيادات الحكومات المتعاقبة حتى يوم أمس، حيث خاطب الرئيس “البشير” لأول مرة نازحي المعسكر وسط أجواء ساخنة، خاصة بعد البيانات التي أصدرتها جهات معارضة برفض الزيارة، وقد خاطب بعض شيوخ معسكر (كلمة) بعثة اليوناميد التي تشرف على الأمن الداخلي للمعسكر، عن عزمهم القيام بتظاهرات لمدة ثلاثة أيام، وظلت الحركات المسلحة تعلن عزمها عرقلة زيارة الرئيس للمعسكر، وتهدد وتتوعد حتى يوم أمس الذي انتاب فيه الجميع القلق مع تواتر أخبار منذ الصباح عن وجود حشود من النازحين أغلقت الطريق المؤدي إلى مكان الاحتفال الذي تم تحديده مسبقا خارج معسكر (كلمة)، وقد قال بذلك والي جنوب دارفور “آدم الفكي” في المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم (الأربعاء)، الماضي والميدان الذي خصص للاحتفال يبعد عن بيوت المعسكر بنحو 500 متر، والمعسكر بطبيعته لا يمكن إقامة احتفال داخله نظرا لضيق مساحاته وخلوه من الميادين العامة التي يمكن أن تستقبل أعداداً كبيرة من المواطنين.

من اعتدى؟
•عند الساعة الثامنة صباحا كانت قوة من الحراسات وقوات التأمين في طريقها من نيالا إلى مقر الاحتفال، وقد اعترض مسار القوة متظاهرين يحملون عصي وسواطير، وقال اللواء “ياسر محمد العطا” الذي كان بموقع الحدث أن القوة حينما شعرت بالمواطنين المتظاهرين يريدون التحرش بها ويهتفون في وجه العساكر غيرت القوات مسارها وابتعدت عن المتظاهرين تفاديا لأية صدام يمكن أن يحدث، ورغم ذلك تمادى المتظاهرون في استفزاز القوة، وفجأة أطلقت ذخيرة من داخل معسكر (كلمة)، وقال اللواء “ياسر” إن النيران التي انطلقت من المعسكر أصابت ثلاثة من منسوبي قوات التأمين من الدعم السريع، وواحدا من أفراد قوات الاستطلاع، وتم ضرب وتدمير سيارة تابعة للتأمين بواسطة مدفع رباعي، ورد أحد أفراد التأمين على مصدر النيران، وانتهت المواجهة بحديث دار بيني وبعض المتظاهرين، حيث تحدثت إليهم والكلام للواء “ياسر العطا” بضرورة التزام مواقعهم وعدم التعرض لقوات التأمين، وانتهت المواجهة بتظاهر بعض النازحين في مواجهة بعض النازحين من داخل المعسكر المساندين لزيارة “البشير” وقد أشاع المتمردون على نطاق واسع بأن هناك قتلى، إلا أن الشرطة في نيالا تنفي حدوث وفيات، وحينما خاطب الرئيس جماهير النازحين في معسكر (كلمة) قال الرئيس إن الحكومة ستعيد النازحين إلى قراهم التي أجبرتهم الحرب لمغادرتها، ومن يرغب في البقاء بالمدن ستخطط له الحكومة أحياء ليعيش كريما في وطنه، وتعهد الرئيس شخصياً بتوفير الأمن للعائدين في القرى، وأن جمع السلاح من المواطنين يجعل الأمن مستقرا والسلاح بيد القوات النظامية فقط، وأمر الرئيس بإعادة مزارع المواطنين التي تم الاستيلاء عليها من قبل مواطنين آخرين دون وجه حق، بعودتها فورا ووجه حكومات ولايات دارفور بتسليم المواطنين مزارعهم وقال “البشير” (سنفض المعسكرات ولن نترك سودانيا في معسكر يتلقى الإعانات)، وحينما وصل “البشير” إلى معسكر (كلمة) كانت عناصر التمرد داخل المعسكر تنفذ خطة دعائية بحرق إطارات السيارات القديمة لإثارة الدخان والإيحاء بوجود حرائق في المعسكر.
محنة اليوناميد
بعد اعتداء قوات اليوناميد على قوة التأمين التابعة للحكومة، وإطلاق الذخيرة من المعسكر، أبلغ مدير جهاز الأمن بجنوب دارفور، قوات اليوناميد المسؤولة عن الأمن الداخلي للمعسكر بما حدث، وطلب منهم زيارة الجرحى والمصابين في المستشفى، لكن اليوناميد بدلا من الانتصار للحقيقة وإدانة سلوك العنف الذي بادرت به المليشيات المعارضة من داخل المعسكر، أصدرت اليوناميد هذا البيان الذي طارت به وكالات الأنباء ويقول:
اليوناميد تدعو إلى ضبط النفس

وفي بيان لها أعربت بعثة اليوناميد عن قلقها البالغ إزاء الاشتباكات بين القوات الحكومية والنازحين المقيمين في مخيم (كلمة) بجنوب دارفور، ما أسفر عن مقتل ثلاثة نازحين على الأقلّ وإصابة نحو (26) آخرين.
وتحثّ البعثة جميع الأطراف المتنازعين على التحلّي بأقصى قدر من ضبط النفس كما وتبذل كلّ ما في وسعها للخفض من حدّة التصعيد.
وفي هذا الإطار قال ممثّل اليوناميد الخاص المشترك “جريمايا مامابول”: “أدعو جميع الأطراف المعنيين بهذا الوضع إلى استعادة الهدوء في أقرب وقت ممكن، فالحلّ السلمي للخلافات هو السبيل الوحيد للمضي قدماً بالنسبة إلى شعب دارفور.”
وتجدر الإشارة إلى أنّ فريقاً طبياً من اليوناميد موجود حالياً في مخيم (كلمة) لمساعدة السلطات المحلية على علاج المصابين. وعلاوة على ذلك، تعمل البعثة مع الحكومة الولائية وقادة النازحين على حلّ المسألة سلمياً.
وبحسب ما ورد، وقع الحادث هذا الصباح بعد أن قامت قوات الحكومة السودانية بتفريق نازحين تجمعوا احتجاجاً على زيارة الرئيس السوداني “عمر البشير” لجنوب دارفور.

في البيان اهتمام بجرحى المتمردين وإغفال كامل لاعتداء مليشيات المعسكر على القوات المسلحة وكأن اليوناميد قد اختارت شنق جثة المقتول وتبرئة بندقية القاتل؟ فهل تعجل الأمم المتحدة بخروج قواتها من دارفور أم مثل هذه الأحداث تتخذ ذريعة لتبقى هذه القوات العاجزة لفترة أخرى في دارفور.

الجمعة في شطايا
*جاء الرئيس البشير إلى منطقة شطايا التي زارها آخر رئيس قبل خمسين عاما، حينها كان السودان تحت قيادة “جعفر محمد نميري” لتعصف بالمنطقة التي كانت هانئة. أحداث التمرد وتصدع النسيج الاجتماعي إلى شظايا قبلية ووقعت في المنطقة أحداث دامية، وانتهاكات فظيعة للإنسانية بسبب اتخاذ التمرد لبعض القرى ملاذات يحتمي بها دون وازع من ضمير وقيام مليشيات تدعي مساندة الحكومة في ذلك الوقت بارتكاب فظائع بحق أهل المنطقة، وقد بدأت لجنة القاضي الايطالي “انطونيو” تحقيقاتها من شطايا كما دونت مذكرات شكوى للمحكمة الجنائية باسم مواطني شطايا، ولكن بعد مرور أربعة عشر عاما من تلك الأيام والسنوات الكالحة، عاد لشطايا حلمها وصفحها وحلمها وأعلنت غسل أياديها من درن الماضي بكل سوءاته وأعلنت المنطقة أمس عفوها عن الأمس بكل خيباته، وقال ممثل لجنة المصالحة إن مكونات المجتمع من فور وعرب قد تبادلوا العفو وأسقط الفور حقوقهم في ديات الضحايا وتجاوزوا عن الأمس البغيض، بل أكثر من ذلك قال ممثل المنطقة إنهم يطالبون بتكوين قوات دعم سريع لحماية المزارعين ويطالبون بالتقاوى لزراعة الطماطم والبطاطس والفواكه، ولكن وزير الزراعة “العجيمي” قطع الزيارة وعاد للخرطوم وترك الرئيس في دارفور !!! وحينما تحدث الشرتاي “عمر قندولي” عضو المجلس الوطني لأكثر من ثلاث دورات توغل في أجندة السياسة العامة دون إسقاط الأجندة المحلية، وهو يطالب “البشير” بالترشح ليس لانتخابات 2020بل لما بعدها من انتخابات، و”عمر قندولي” هو زعيم قبيلة الفور وشرتاي منطقة شطايا ما الذي يجعله يتولى ترشيح “البشير” في منطقة نائية مثل شطايا إن لم يشعر مواطنوها بالرضا عن الرئيس، الذي أعلن عن تبني إعمار شطايا وعودته بعد عام من الآن لتلك المنطقة وجرد حسابات البناء والتشييد بعد إعلان “البشير” تبنيه لكل مطالب المنطقة التي بدأت في التعافي من أمراض الأمس.

يوسف عبد المنان
المجهر السياسي