الصادق الرزيقي

الرئيس في كلما


كتبت زيارة السيد رئيس الجمهورية صباح أمس لمعسكر كلما للنازحين بمحلية بليل بولاية جنوب دارفور، الفصل الأخير من قضية دارفور وأزمتها المستمرة منذ عام ٢٠٠٣م،

وتعد الزيارة تحولاً تاريخياً مفصلياً لأسباب متعددة أهمها أن الدوائر الخارجية المعادية للسودان والتي صنعت ومولت التمرد كانت حريصة على أن تظل معسكرات النزوح وأهمها معسكر كلما، باقية وشاخصة حتى يكون المظهر الإنساني للأزمة موجوداً لاستقطاب التأييد الخارجي للتمرد، واستدرار واستحلاب الدعم الأجنبي، وتبرير استمرار الأزمة وتعقيداتها والحرب وفواتيرها الباهظة.

> بالأمس شطبت الزيارة هذه الخرافة، وقد تم تصوير معسكر كلما من قبل التمرد وخاصة حركة عبد الواحد محمد نور على أنه قلعة حصينة لا يمكن اختراقها وبؤرة معارضة تحتضن غلالة الأشرار لا يمكن التفاهم معهم، وظل التحريض والدعاية السوداء طيلة السنوات الماضية تمنع تحرير النازحين البسطاء من أسر التمرد وسياجاته الحصينة التي ظن أنها تحول بينهم وبين نداء وصوت السلام والعقل.
> وخلال السنوات الماضية لم تهمل الحكومة أو تنس مواطنيها من سكان هذا المعسكر الأشهر، وبدأت معهم اتصالات وتم تواصل بين مؤسسات الولاية وجرى تخفيف روح التصادم أو الغبن، لكن تم تتويج هذه الاتصالات بزيارة الرئيس يوم أمس، وهي بكل حق ذروة سنام زيارته الحالية لولايتي غرب وجنوب دارفور.

> كل شيء كان هادئاً قبل أيام من الزيارة، وفجأة مع إعلان موعدها، ظهرت أصوات محدودة تم تحريكها من الخارج ترفض تفقد السيد الرئيس لمواطنيه وأهله في معسكر كلما، وغذت هذه الأصوات المعزولة تحركات سياسية داخلية وحملات تشكيك من جهات ذات غرض، لمنع الزيارة واتمامها، وتكاثفت الحملات المشككة والرافضة وكانت بلا جدوى، فقد وصل الرئيس إلى المعسكر واستقبل استقبالاً حاشداً وحميمياً لافتاً، ولم تفلح الشائعات والأخبار الكاذبة في صرف نظر النازحين عن الالتقاء برئيس الجمهورية، فما حدث هو العكس تماماً، حضرت حشود مهولة من المواطنين وقاطني المعسكر، وامتلأت الساحة أمامه وضاق بآلاف المحتشدين المكان، اللافتات التي يحملونها عبرت عنهم وعن مطالبهم في العودة الطوعية والتعليم والصحة والمياه، كل ما يطلبونه هو تعمير قراهم ومواطنهم الأصلية وتوفير الأمن والتنمية.

> ويبلغ عدد النازحين في معسكر كلما بضع وثمانين ألفاً، بينما تشير إحصاءات اليوناميد والمنظمات الأجنبية ووكالات الأمم المتحدة إلى ما يقارب المائة وثلاثين ألفاً من النازحين، يعيش هؤلاء في مساحة تبلغ ستة كيلومترات مربعة، فوفقاً للمعايير والمقاييس الدولية تعتبر هذه المساحة ضيقة وأكثر ازدحاماً ولا تناسب سكن الإنسان لعدم توفر بيئة صحية ملائمة، طرقات ضيقة، ولا توجد ساحات داخلية أو منافذ جيدة لتصريف المياه أو التمتع بهواء نقي، منطقة مكتظة بالسكان وضيقة، ونازحون يتلقون الإعانات من المنظمات الأجنبية تتغير ثقافة أطفالهم كل يوم، ويخضعون لنظام قاسٍ في المعاملات الإغاثية، لا يمكن أن تتوفر فيها كرامة إنسانية أو بيئة صالحة للعيش الكريم.

> لذلك لامس خطاب رئيس الجمهورية أمس قلوب النازحين في معسكر كلما وتجاوبوا معه، فهم يريدون العودة والأمن والأمان ومشروعات خدمية وتنموية تعوضهم ما فات، وهم يريدون ويؤيدون جمع السلاح لاكتوائهم بناره، فقد وطأوا الجمر سنين وسنين، وحان وقت خروجهم من هذا التابوت.
> إذا قلنا إن التاريخ سيسجل للرئيس البشير موقفه الإنساني والوطني وهو بكل مسؤولية وحرص يزور معسكر كلما، ضارباً عرض الحائط بالشائعات والأكاذيب، مقدماً هم ومصالح مواطنيه، فإن الكلمات تظل قاصرة في التعبير عن احتشادات يوم أمس ونقل وتصوير المشاعر من الطرفين المواطنين النازحين بكل مرارت الماضي وأحزانه والدموع اليابسة في المآقي وغصص الحلوق، وبين رئيس الدولة الذي يزور مواطنيه ليمسح دموعهم وأحزانهم.
يوم كلما التاريخي يستحق أن يؤرخ له مثل زيارة الرئيس بعد ساعتين من كلما لمنطقة شطاية، ويتوقف بناء ملمح ومعلم جديد في دارفور على الزيارتين، لأن صفحة قديمة تطوى وماضياً تشوهاته تمحى، وسيشرق فجر جديد في ولايات دارفور.

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة