منوعات

البجراوية.. قصة تاريخ تحت الرمال


مائة وأربعون من الآثار منها قرابة سبعة وخمسين هرماًوربما تزيد تحتضنها البجراوية في ولاية نهر النيل، وتلك الأهرامات التى استخف بها الاعلام المصري ابان زيارة الشيخة موزا هذا العام تجد تلك الاهرامات اقبالاً كبيراً من السياح من شتى الدول،

حتى وصل عددهم في العام الماضي الي ثمانية عشر الف سياح حسب حديث وزير الاستثمار والسياحة بالولاية.. جاءوا لسياحة آثار البجراوية فقط، وهذا العدد قد يكون نصف السياح الذين زاروا الولاية في ذات العام لأغراض سياحية اخرى، وخلال الأسبوع المنصرم احتضنت البجراوية احتفالات اليوم العالمي للسياحة تحت شعار (السياحة أداة للتنمية وملتقى وزراء ومديري السياحة بولايات السودان المختلفة)، والجديد في احتفال البجرواية هو افتتاح قرية سياحية ريدان السياحية التى شيدها رجل الاعمال احمد ريدان بتكلفة ستة ملايين جنيه بسعة عشرين غرفة تسع لاربعين شخصاً، ووضع حجر اساس قرية شركة المدى للسياحة، لتصبح هذه القرى اضافة للسياحة في البجراوية، وامتد الاحتفال باليوم العالمي للسياحة لليوم الثاني، حيث ملتقى وزراء ومديري السياحة بالولايات. وعبر هذه المساحة نتناول بعض تفاصيل تلك الاحتفالات بإيجابياتها وسلبياتها، حتى ندعم الإيجابيات وتتم ما بين الرمال والأهرامات
على سفوح جبال بعضها حجري وغيرها رملي وممتدة على مساحات كبيرة، تقف أهرامات البجراوية شامخة بعزة وقوة لتصنع اكثر من سبعة وخمسين هرماً يرجع تاريخها الى ستة آلاف سنة قبل الميلاد، ويقول بعض خبراء التاريخ ان اللغة المكتوبة على احجار الاهرامات لم يصل الخبراء بعد الى فك شفرتها، مما يؤكد ما ذهب اليه جميع علماء الآثار الذين بحثوا ونقبوا ووصلوا الى ان الحضارة السودانية تعتبر اولى حضارات البشرية. وقبل ان نتخطى الحاجز السلكي الذي وضعت في منتصفه بوابة حديدية، كان عدد من الاطفال والرجال يعرضون بعض نماذج تلك الأهرامات الصغيرة وغيرها من اشكال الآثار التى تعجب الزائرين، وعند المدخل كان بعض الاجانب يودعون الاهرامات بصور تذكارية، وغيرهم ظل مدهوشاً من عبق تلك الحقبة التاريخية التى تحاط بقيزان الرمال وتصعب فيها حركة بعض الزوار خاصة كبار السن الذين يتوقون للوقوف بجانب سلسلة اهرامات البجراوية.

العلامات والوحل عقبة سياحية
منذ وصولنا في اليوم الاول مساءً وضحت لنا أهم عقبة قد تواجه الوافدين الاجانب للاستمتاع باهرامات البجراوية، فالوصول الى قرية ريدان السياحية التى تم افتتاحها على يد وزير السياحة، يحتاج الى جهد كبير خاصة مع الرمال الكثيفة بين الطريق الرئيس والقرية التى تقع وسط جبال البجراوية، مما جعل عربتي الوفد الاعلامي تغوصان في وحل الرمال، وتم اخراجهما بعد جهد كبير، لترتسم اول معاناة لمن يريد الوصول الى تلك القرى السياحية التى نفذت على افضل تصميم، إلا انها تحتاج لجهد من حكومة الولاية ووزارة السياحة لتعبيد الطريق ما بين شارع الاسفلت الرئيس وتلك القرى، او على الأقل تشييد ردمية ترابية تسهل وصول الوفود السياحية الى تلك القرية، والملاحظة الثانية هي معاناة القرية في الحصول على المياه والكهرباء في تلك المنطقة، حيث تعمل القرية عبر وابور ان تعطل وقفت معه خدمتا المياه والكهرباء.
فوضى الافتتاح وتجاهل الرئاسة
كنا نتوقع مشاركة كبيرة لرئاسة الجمهورية في الاحتفال باليوم العالمي للسياحة ولكن توقعنا لم يصب، وجاءت مشاركة مساعد رئيس الجمهورية اللواء ركن عبدالرحمن الصادق المهدي في الجلسة الافتتاحية لملتقى وزراء ومديري السياحة بالولايات، فلم تشارك الرئاسة في الاحتفال الضخم الذي كان بالإمكان الاستفادة منه في الترويج للسياحة في البجراوية على افضل حال، والى جانب غياب رئاسة الجمهورية عن هذا المحفل شهدنا فوضى كبيرة في تنظيم الافتتاح الذي لم يكن بقدر المناسبة الكبيرة التى لم تستغل بالصورة الجيدة للترويج عن السياحة في السودان بصورة عامة والبجراوية على وجه الخصوص، فإذا كان عدد السياح للبجراوية فقط تجاوز ثمانية عشر الف سائح في العام السابق، كان يجب ان يكون هناك اهتمام وتنظيم اكبر من حكومة الولاية لجذب المزيد من سياح الآثار للبجراوية، ولكن هذا لم يحدث. وكانت الفاعلية عبارة عن فوضى عارمة افتقرت للترتيب الجيد وعدم التنسيق، على الاقل مع القنوات المحلية والاقليمية لنقل مباشر لحفل الافتتاح او مهرجان الصوت والضوء الذي اقيم في قلب الأهرامات. حسناً.. اليوم العالمي للسياحة بالبجراوية ومن قبله زيارة رئيس الجمهورية لولايتي غرب وجنوب دارفور وغيرها من الزيارات، تؤكد أن هذه الولايات بحاجة الى دورات مكثفة من وزارة الحكم الاتحادي في كيفية ادارة الاحتفالات والمهرجانات والزيارات الرئاسية، ومدى الاستفادة من الزوار لهذه الولايات للتعريف بمقومات تلك الولايات، ويجب أن تكون هذه الدورات من حيث استقبال الضيوف وترتيب جلوسهم ووجباتهم، حتى تخرج تلك الاحتفالات التى تصرف فيها الآلاف من الجنيهات، من اجل اخراجها بصورة تليق وحجم المناسبة.

ما بين الاهتمام وفتح الأبواب
الاهتمام بالسياحة والصرف عليها من اجل ان تصبح مورداً اساسياً ومهماً للاقتصاد السوداني حديث مهم نسمع به من مسؤولي السياحة في المركز والولايات، ولكن لا نرى الا القليل من هذا الاهتمام، إلا أن وزير الاستثمار والسياحة بنهر النيل محمود محمد محمود بعث في نفوسنا بصيصاً من الأمل حول هذا الاهتمام، وقال في افتتاح اليوم العالمي للسياحة إنهم يخططون ليكون هذا الاحتفال بداية انطلاق للسياحة في السودان، واوضح محمود الافتتاحات التى تمت للقرى السياحية بالبجراوية، وقال ان افتتاح منتجع ريدان وشركة المدى التى تعمل في السبلوقة والنقعة والمصورات والبجراوية سيشكل اضافة للسياحة السودانية، وقال محمود ان الحضارة الإنسانية في البجراوية ومملكة مروي تعتبر بداية الانسانية، واشار الى ان البجراوية تسترجع التاريخ وتستلهم قصص الماضي لتكفي السودان في العديد من الصناعات، وقال محمود: (نحتفل وبلادنا تشهد فتوحات جديدة حتى تصبح السياحة رافداً للاقتصاد السوداني، ونقول ان السياحة في السودان ابوابها قد فتحت الآن).

صناعة الجمال والقمة
صناعة الجمال كان هو المحور الأساسي لوزير السياحة والآثار والحياة البرية د. محمد مصطفى ابو زيد، وظل بين الفينة والاخرى يتحدث عن ضرورة صناعة الجمال في مقوماتنا السياحية حتى نتربع على عرش العالم السياحي، ووصف ابو زيد السياحة بأنها صناعة الجمال وهي محرك دولاب الاقتصاد في المجالات المختلفة، واوضح ابو زيد ان السياحة تخلق فرصاً للعمل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، داعياً للتركيز والعمل لصنع الجمال في مواقعنا السياحية اذا ما اردنا ان نجعل من السياحة اداة للتنمية المستدامة، وتعظيم القيمة الاقتصادية لما نملكه من الموارد السياحية. وقال ان تأسيس البنى التحتية السياحية يعتبر من الاولويات للنهوض بالقطاع السياحي في البلاد، منوهاً بأهمية الترويج للمقومات والجواذب السياحية السودانية خارج البلاد، مبيناً ان عائدات السياحة تسهم في توفر العملات الأجنبية، وتحدث أبو زيد عن تصنيف السودان من حيث المقومات السياحية، وقال ان ترتيبه كان السابع عالمياً، وربط بين هذا التصنيف وضرورة الاهتمام بهذه المقومات السياحية حتى يستفيد الاقتصاد السوداني من السياحة، وقال ابو زيد ان الحديث عن السياحة آفاقها ومستقبلها يجعلنا نعود للشعار الذي خصصته الامم المتحدة للسياحة هذا العام، وهو التنمية، الى جانب ان المنظمة العالمية للسياحة انشأت منظمة فرعية لمكافحة الفقر، وقال ابو زيد إن السياحة من أجل التنمية في اطار بعدها الاقتصادي لها بعد غير مرئي للكثير من الناس، وبعضهم يرون أن السياحة فقط للترفيه والترويح، ولكن السياحة تعتبر أحد قطاعات التنمية الاقتصادية، واضاف محمد انه لتحقيق ذلك لا بد من ثقافة للمواطن بالسياحة، ثم عمل البنيات الاساسية في الداخل والترويج في الخارج، حتى يتحقق ما نريده من السياحة.

استعادة التاريخ وضرورة الاهتمام
على الرغم من الإهمال الكبير الذي كانت تجده السياحة في السودان خلال الفترة الماضية، الا ان ولاية نهر النيل بدأت الاهتمام بهذا المورد المهم أخيراً، وذلك بعد النظرة الايجابية من حكومة الولاية للسياحة التى تنتشر في عدد من مواقع الولاية، وقال الوالي بالانابة د. الامين عثمان النص: (ان السياحة عمل اجتماعي ثقافي اقتصادي، ونحن في الولاية آلينا على انفسنا ان نعظم شأن السياحة في الولاية)، مشيراً الى انه حتى نهاية هذا العام لديهم خطط لتنمية السبلوقة والنقعة والمصورات والبجراوية ايماناً منهم بدور السياحة وترقية المجتمع. وقال النص: (ان السودان كان محتاجاً لاستعادة التاريخ، حيث اكدت كل الاكتشافات ان السودان هو مهد الحضارات في العالم، ولكننا لم نعط التاريخ حقه)، وبعث النص برسالة مغلفة لجمهورية مصر رغم انه لم يسمها، ولكن جميع من في القاعة فهم مقصده حينما قال: (وان تحدثت بعض الامم بأنها ام الدنيا فالسودان هو اب الدنيا، وكل الدراسات تثبت هذا الحديث، وهذه الاهرامات التى سميت قطعة لابشكري فهي اصل الحضارة)، واوضح النص ان الحضارة بدأت من هنا ثم ذهبت لبقية الدول، مشيراً الى اثبات هذا من خلال علماء الآثار الذين نقبوا وبحثوا في المواقع الأثرية المختلفة في السودان، ودعا النص الى ضرورة تعريف المواطن باهمية السياحة ومدى الاستفادة منها في البجراوية، وقال ضاحكاً: (لو مواطن شاف خواجات ممكن يضبح ليهم كرماً وجوداً دون ان يأخذ منهم مالاً)، منبهاً الى ضرورة المحافظة على الآثار، وقال: (آثارنا نهبت وموجودة الآن في المتاحف الاوروبية).

البجراوية: جعفر باعو
الانتباهة