الفاتح جبرا

فقدناك يا جنرال


عند بدايات بزوغ الشمس ونهايات خيوط ظلام الليل تعودت أن أمسك باللابتوب متجولاً بين المواقع الأسفيرية من أجل تتبع الأخبار وربما إصطياد فكرة مقال هنا أو هناك.

ما أن قمت بفتح الصفحة الرئيسة لموقع سودانيز أونلاين حتى وجدتها متشحة بالسواد وفي أعلاها صورة صديقي (أحمد طه الجنرال)، للحظات سرت في جسدي الواهن شحنات من الدهشة المؤلمة والألم المركز ثم سرعان ما إغروغت عيني بالدموع وهتفت: يا رحمة الله عليك يا أخي.

عندما إلتقيته للمرة الأولى في العام 2004 وأنا أدلف إلى مباني صحيفة السوداني التي إنتقلت إليها من صحيفة الخرطوم دخل إلى قلبي دون إستئذان فهو من الناس الذين إذا رأيتهم أحببتهم، كان (أحمد) مسؤولاً عن العدد الأسبوعي الذي يصدر يوم الجمعة وهو ذات العدد الذي ينشر فيه مقالي (سيناريوهات) والذي كان في ذلك الزمان قد نال حظاً من الشهرة والمتابعة من قبل القراء.

لم تمض أيام قلائل حتى توطدت صداقتنا، عرفت أحمد طيب القلب ذو الإبتسامة الصافية والنكتة الحاضرة والقفشة المليحة والسرد والحكي الذي لا يمل، كان حريصاً حرصاً لا حدود له على (العدد الأسبوعي) الذي يقضي في متابعته ومراجعته وقتاً طويلاً ويستقطب له أفذاذ الكتاب والأدباء والشعراء والرسامين، وإذ كانت مقالاتي في ذاك الوقت (ساخنة) وتتناول الحكومة والفساد في سخرية لاذعة كان أحمد كثيراً ما يطلب منى (حذف) جملة أو تغيير (كلمة) خوفاً من أن يصادر (عدده الأسبوعي):

– يا جبرا الحتة دي صعبة شوية حقو نشيلا!
فأرد عليه (ضاحكا):
– نشيلا يا موية؟ (كناية على خوفه)..
وقد صارت هذه الجملة بيننا (شفرة) ما أن نلتقي ونتسالم حتى يصيح أحدنا في الآخر ضاحكاً:

– وين يا موية!!
لم تمض أسابيع قليلة حتى توطدت علاقاتنا وصرنا نتجالس ونتزاور وقد شهدت دارنا المتواضعة جلسات فتية وأدبية عطرها وجود الأخوين الشاعرين الكبيرين (كامل عبدالماجد) و(محمد طه القدال)، وكان للعود والكمان الذي كان يجيد (الجنرال) العزف عليه وجود وأي وجود، وللذين لا يعرفون الكثير عن (الجنرال) فهو قد كان عضواً أساسياً في الفرقة المصاحبة لبلوم الغرب (عبدالرحمن عبدالله) وحافظاً محتفظاً ومستمعاً جيداً للغناء السوداني الأصيل.
على الرغم من تركي لصحيفة السوداني في العام 2007 وإنتقالي إلى صحيفة (الرأي العام) وقد كان (الجنرال) يعول على وجودي ضمن طاقم عدده الأسبوعي كثيراً إلا أن علاقتنا ظلت كما هي وكان كلما سنحت له الفرصة يحاول إغاظتي قائلاً:

• والله العدد الأسبوعي لا إتأثر بي مشيتك لا حاجة!
كان أحمد رجلاً عظيماً كريماً وشهماً وعفيفاً أحبه كل من عرفه من أصحابه الكثر داخل البلاد وخارجها وكان مرجعاً وإرشيفاً في فنون وأدب وتاريخ الشرق الحبيب ولغات القرن الإفريقي التي يجيد بعضاً منها كأصحابها تماماً حتى تحسب وأنت تنصت إليه أنه منهم.
كان أحمد إلى جانب انه أحد أبناء المؤسسة العسكرية السودانية وفرسانها يعشق الصحافة والإعلام والآداب والرياضة التي كان أحد أعمدتها بمدينة كسلا التي هو متيم بحبها بدرجة لا توصف، وقد رفد المنتديات والقنوات الفضائية والإذاعات بكم هائل من البرامج والإستضافات التي حكى فيها عن هذه المدينة الجميلة والتي سوف تظل إرثاً تتدارسه الأجيال.

كان أحمد يحب أثيوبيا حباً جماً وله علاقات جيدة ومتميزة مع الكتاب والمثقفين وكبار الشخصيات الاثيوبية ويعتبر مرجعاً للتواصل الثقافي بين البلدين ولا توجد إحتفالية ثقافية أو فنية أثيوبية إلا وكان أحمد حاضراً، تشهد على ذلك مقالاته الجميلة تلك التي كان ينشرها بالعدد الأسبوعي والموسومة (أوراق أثيوبية) والتي
أتمنى من المهتمين بالثقافتين في اثيوبيا والسودان ان يحققوا (لأحمد) حلمه في أن تتم طباعتها في كتاب حتي تكون ذكرى له وتخليداً لدوره في توطيد العلاقات الثقافية بين البلدين.

رحمك الله رحمة واسعة أخي أحمد، سوف نفتقدك كثيراً وسوف نظل نذكر سيرتك العطرة بيننا والغصة لا تبارحنا، نسأل الله أن يجعلك أخي من أهل الفردوس وأن يسكنك فسيح جناته وأن يلهم أسرتك وأصدقائك ومحبيك الصبر الجميل، إنا لله وإنا إليه راجعون، كم أنا حزين يا صديقي إلا أستمع إليك أبداً وأنت تصافحني قائلاً: (وين يا موية)..

كسرة:
مؤلم هو الفراق!

•كسرة جديدة لنج: أخبار كتب فيتنام شنو(و) يا وزير المالية ووزيرة التربية والتعليم شنو(و)… (ليها شهر)

• كسرة ثابتة (قديمة): أخبار ملف خط هيثرو العند النائب العام شنو؟ 90 واو – (ليها سبع سنوات وسبعة شهور)؟

• كسرة ثابتة (جديدة):
أخبار تنفيذ توجيهات السيد الرئيس بخصوص ملف خط هيثرو شنو؟ 49 واو (ليها أربعة سنوات وشهرين)

ساخر سبيل – الفاتح جبرا
صحيفة الجريدة