الصادق الرزيقي

موقف عاقل مُشرِّف


تعاملت قيادة الدولة والحكومة أمس، وحتى هذه اللحظة، مع إعلان واشنطن رفع عقوباتها الجائرة والظالمة بحق السودان، بتعقل وحكمة وتقدير سياسي سليم.

فالدولة ومؤسساتها والحكومة لم تنجرف وتتسارع كما فعلت وسائل الإعلام الى تضخيم الحدث وإعطائه حجماً أكبر منه والاحتفال به.
> أصدرت وزارة الخارجية بيانها وهو كافٍ وشامل، عبرت فيه عن الموقف الرسمي، لم تعقد مؤتمرات صحافية ولا لقاءات تنويرية أو ما شابه، وذلك لسبب بسيط، أن القرار الأمريكي ليس منحة من البيت الأبيض حتى نحتفل به ونهلل له، هو حق طبيعي للسودان ظل صابراً على الحيف والظلم، ويحاور في الولايات المتحدة في إباء دون تنازل أو خنوع أو خضوع، حتى تيقنت الإدارة الأمركية السابقة والحالية أن الترهات والأقاويل والمزاعم السابقة التي بموجبها تمت معاقبة السودان ، كانت مجرد هراء .

> مع ذلك، لا غبار على تعبيرات شعبية هنا وهناك، لكن الحكومة التي تمثل سيادة البلاد وكبريائها، يجب أن تكون في مثل هذا الموقف، وكان معروفاً منذ فرض العقوبات في 1997م وقبلها، لو أرادت السلطة وقيادة البلاد أن تطبِّع مع أمريكا لطبَّعت دون جلبة أو ضجيج، ولقدمت تنازلات ما أنزل الله بها من سلطان، وقد كان ذلك ممكناً في أوقات أشد ضيقاً وحرجاً وضعفاً، لكن ذلك لم ولن يحدث، ولما اختارت الحكومة طريق الحوار، لم يكن هناك أية مشاكل ثنائية بيننا والولايات المتحدة الأمريكية، فكل التحفظات الأمريكية وما تم الاتفاق عليه في المسارات الخمسة، هو قضايا داخلية سودانية تخص الشأن الخاص بالسوداني ومواقفه من ما يجري في جواره مثل الوضع في دولة جنوب السودان أو ما يتعلق بجيش الرب اليوغندي .

> اليوم .. لا يختلف اثنان كون الحكومة بإمكانها أن تفعل وهي هوجاء طائشة ما تريد من تعبير عن الفرحة العارمة بالانفراج الكبير الذي سيحدث في البلاد سياسياً واقتصادياً وأمنياً وعسكرياً جراء رفع العقوبات، لكن قيادة البلاد وحكومتنا ترى وتعلم جيداً أن المظلوم لا يمكن أن يبتهج بالظالم إذا تخلى الظالم عن تعذيبه، وتوقف الجلاد عن لهب ظهره بالسياط، فالمظلوم يطمئن ويقف شامخاً يضغط على جراحه ثم ينطلق نحو الأمام لا يبالي، لكنه لا يمكن أن يُحيي ظالمه وجلاده ويقيم سرادق الاحتفال ويرقص عارياً في الشمس كما يقول محمد الفيتوري .

> من الأصوب أن تتوجه حكومتنا الى ما هو أفيد، إلى إصلاح أعطاب الاقتصاد وهيكلته، وتهيئة مؤسسات الدولة لاستيعاب هذه الخطوة المهمة وابتدار برنامجاً يعزز من حُسن وتجويد الأداء الاقتصادي وحفز المواطنين على الإنتاج والعمل والاستفادة من السوانح والفرص القادمة في الاستثمار والتبادلات التجارية والمالية وتجهيز المشروعات التي تحتاج الى دعم من الأسرة الدولية عبر المنح والقروض والمساعدات التي تقدمها المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين .

< القاهرة واحتجاز الصحافيين > منذ حادثة احتجاز وترحيل الزميل الأستاذ الطاهر ساتي قبل أربعة أشهر في مطار القاهرة، ظلت قضية استهداف الصحافيين السودانيين قائمة وحاضرة ، وحذر الاتحاد العام للصحافيين كل عضويته عبر بيان شهير، من مغبة السفر الى القاهرة وعبرها، لوجود قوائم حظر ومنع واستهداف للصحافيين من السودان وضعتها المخابرات العام المصرية ومباحث أمن الدولة وجهات أمنية متعددة في جارتنا الشمالية مصر، وتكررت عدة حوادث من هذه الشاكلة آخرها احتجاز الأخ الأستاذ رحاب طه محمد أحمد رئيس تحرير الزميلة (الوفاق ) فجر أمس في مطار القاهرة وتم ترحيله قسراً الى السودان وهو ذاهب مع ابنه للعلاج في القاهرة، تم رفض دخول الأب واقتيد الى مخافر داخل المطار ثم أُبعد بطريقة لا تليق بكرامته الإنسانية ولا صفته صحافياً وعضو في قيادة الاتحاد العام للصحافيين السودانيين ومجلسه العام، فكيف بالله يترك الابن وهو لايزال طفلاً ليدخل القاهرة ويحرم الأب ؟ إنهم يفرقون بين الأب وابنه، وهما في رحلة مرضية إنسانية، بهذا تقدم الجهات الأمنية المصرية أسوأ وأقبح رسالة للشعب السوداني الذي يتعالج سنوياً في مصر بما يزيد عن السبعمائة مليون دولار، فهذا هو منطق المعاقبة الجماعية المصرية للسودانيين وفي مقدمتهم الصحافيين، ونحن هنا نكرر ما جاء في بيان اتحاد الصحافيين الذي صدر قبل أشهر قليلة بعدم الذهاب الى مصر وضرورة أن تتعامل الحكومة بالمثل والرد على هذه الإساءة بما يناظرها وأكثر ..

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة