الصادق الرزيقي

عقوبات وعوائق


في الملتقى التفاكري حول قضايا الاستثمار بين المركز والولايات الذي التأم أمس بأكاديمية الدراسات الأمنية والاستراتيجية وحضره كل السادة الوزراء المختصون والجهات المعنية بهذه الهموم،

طرحت قضية في غاية الأهمية أشار إليها وزير الحكم الاتحادي وأيضاً وزير الاستثمار، تتعلق بالتقاطعات بين الولايات والمركز في موضوع الأراضي وبعض الموضوعات الأخرى، فهناك عوائق حقيقية تعترض الاستثمار خاصة الأجنبي منه، عندما تنشب الخلافات بين الصلاحيات والسلطات الولائية، فيمنح الأراضي وتخصيصها للاستخدامات المختلفة، إما بسبب الخلاف الحدودي بين الولايات أو تغول سلطة على أخرى اتحادية أو ولائية.
> ولو بذل ديوان الحكم الاتحادي كل وقته واستفرغ وسعه طيلة السنوات الماضية لحسم هذه القضية فقط لكفاه، فهدف الديوان هو إحكام التنسيق بين المركز والولايات وتذليل تطبيق النظام اللامركزي وما يتصل به من قوانين وموجهات وسياسات كلية، بشكل دقيق من دون أن تكون لهذه التطبيقات أية انعكاسات سالبة على مصالح البلاد والعباد، أو يلازم ذلك تضييع الكثير من الفرص والحقوق للمستثمرين والمواطنين.

> لقد بُحت الأصوات التي ظلت تتحدث لفترة طويلة حول هذه القضايا وعزوف المستثمرين الأجانب عن العمل في بعض مناطق السودان نتيجة للتعقيدات الإجرائية والإدارية، أو بسبب الفساد وتضارب المصالح وتعارض ما هو ولائي واتحادي، وقبل سنوات تحدث السيد رئيس الجمهورية نفسه عما يواجهه كثير من المستثمرين الأجانب من عنت ومشقة في الولايات، وذكر أن مستثمراً من خارج البلاد اشتكى له من معتمد محلية تدخل معطلاً مشروعاً حيوياً صدرت فيه توجيهات رئاسية.

> إذا كان العيب في القوانين والتشريعات التي تحدث هذا النوع من التقاطعات والالتباسات والتضارب، فلماذا لا تعدل أو تلغى هذه القوانين؟
> وإن كان القصور في عدم تفهم الولايات دورها الاتحادي ومساهماتها في جذب وتسهيل الاستثمار للمنفعة والمصلحة العامة للبلاد، فمثل هذه الملتقيات كالملتقى الذي عقد أمس، يمكنها أن تزيد الوعي وتفتح آفاق الولايات أكثر وتحل الكثير من المشكلات العالقة بين المركز والولايات.

> المرحلة المقبلة بعد رفع العقوبات هي بالكامل مرحلة لإعادة تشجيع الاستثمارات الخارجية وترميم جدران الاستثمار الداخلي، فإذا لم تحل قضية الأرض ومنازعاتها والتشريعات وعدم واقعيتها وشمولها، سيتراجع ملف الاستثمار ونخسر فرصاً لا يمكن تعويضها، وسننفر كل من جاء أو يفكر في المجيء مستثمراً، ظاناً أن العقوبات بعد أن تم رفعها سيكون السودان من أكثر البلدان المؤهلة للانطلاق في مجال النهضة الشاملة وبؤرة جاذبة بقوة للمستثمرين، فهل ستستفيد بلادنا من سوانحها وتمتلئ بأعداد كبيرة من الراغبين في العمل في مجالات الاستثمار الزراعي والصناعي والخدمي وغيرها؟

> من السهل الحديث التوصيفي للحالة الراهنة والإشارة إلى السياسات واستعداد الوزارات مثل وزارة الاستثمار الاتحادية لمرحلة ما بعد رفع العقوبات، لكن إذا لم ترفع معها المعيقات الداخلية فلا فائدة ولا حل، فالمشكلة أعمق مما نتصور، وتوجد في عقول بعض الولاة والمسؤولين الولائيين وبعض الإدارات الاتحادية، وحلها يكمن في حسمها بشكل واضح وصارم وحازم، فحتى قانون الأراضي سواء كان اتحادياً أو ولائياً لا بد من وضع مبضع الجراحة التعديلية عليه، مع تخفيف القبضة الولائية في مسائل الأراضي وجعلها مسؤولية مشتركة بين المركز والولايات.

> وتقع على عاتق وزارات ديوان الحكم اللامركزي والاستثمار والعدل والمالية وقبلها رئاسة الجمهورية، أعباء فك هذه الاشتباكات والتداخلات المعيبة والمعيقة فوراً، والانكباب على وضع تصورات جديدة وتهيئة مناخ وظروف أفضل للعمل الاستثماري، وعدم ترك الحبل على الغارب حتى لا يتلاعب موظفون صغار في إدارات دنيا بالولايات بمصائر جليلة وجسيمة، وتضيع مصالح وتذهب منافع هباءً مع الريح.

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة