تحقيقات وتقارير

خطر يلاحق الطالبات الداخليات.. رياح السرقة تجتاح الغرف


كيف تصرفت سارقة العبايات بعد القبض عليها؟

مشرفة: نعم توجد سرقات والعلاج تربوي

طالبة: الهواتف والنقود الأكثر تعرُّضاً للسرقة

استيقظت سهى عند الخامسة مساء، كما درجت على ذلك منذ بداية العام الدراسي، فهي تحرص على أداء صلاة الفجر في وقتها، وتمسك مصحفها لتتلو بعضاً من آيات القرآن، ثم تبدأ في الاستعداد للخروج الى جامعتها، في ذلك الصباح الباكر وعندما أرادات التوجه خارج غرفتها وضعت هاتفها الحديث باهظ الثمن في الشاحن الكهربائي، وعندما عادت تفاجأت بعدم وجوده، سألت من كنّ معها بالغرفة فأقسمن بأغلظ الإيمان بعدم رؤيته، غشيتها موجة من الحزن وظللتها سحائب الأسى لفقدان هاتفها الذي أرسله لها شقيقها المقيم في المملكة السعودية، وبعد رحلة طويلة من البحث والسؤال لم تعثر عليه فأيقنت الطالبة بجامعة حكومية أنها رياح السرقة التي تجتاح داخليتها ضربت غرفتها وذهبت بهاتفها السيار، لتكون ضحية جديدة للسرقات في الداخليات.

استياء وغضب

لا تريد سهى أن تتذكر ذلك اليوم الذي تعرضت فيه للسرقة، وذلك لأنه يمثل لها ذكرى سيئة، وتؤكد أنهن في الغرفة درجن على وضع هواتفهن وكل مقتنياتهن في أماكن متفرقة دون خشية على فقدانها، وترفض تماماً فكرة اتهام إحدى رفيقاتها بالغرفة، وتؤكد على أنهن لا يمكن أن تمتد يد إحداهن لسرقة هاتفها، لأنهن ظللن يقطن مع بعضهن لأكثر من عامين، ولم يسبق أن تعرضت إحداهن للسرقة.

وتبدو سهى متيقنة أن السارقة جاءت من خارج الغرفة واستغلت نوم وخروج من يقطن فيها وأخذت الهاتف، وتقول: نسمع كثيراً بحوادث سرقات في الداخلية الحكومية التي نقطنها، ولكن لم يسبق أن تعرضن لتجربة مماثلة، وبكل صدق أنا في حيرة من أمري ليس بسبب هاتفي فقد أراد الله لحكمة يعلمها أن أفقده، ولكن لوجود طالبات جامعيات يمددن أياديهن ويسرقن، هذا أمر غريب يثير التساؤلات والدهشة، ويعني أن أسباباً لا نعرفها تكمن وراء هذه الظاهرة.

سارقة الثياب

السرقة في داخليات البنات بالعاصمة الخرطوم باتت لافتة للنظر، ورغم الجهود الكبيرة التي يبذلها صندوق رعاية الطلاب لفرض النظام والانضباط عبر المشرفات، إلا أن السرقات لم تتوقف، ومن أمثلتها ما شهدته داخلية بنات شهيرة بأم درمان التي عرفت ولأول مرة نوعاً جديداً من هذا السلوك الإجرامي الذي يتمثل في تخصص طالبات أو طالبة في سرقة الملابس خاصة العباءات.

وفي هذا تقول محاسن: معظم السرقات التي تحدث في داخليات البنات الخاصة والحكومية تنحصر في الهواتف والنقود، ولكن في داخليتنا تفاجأنا بتكرار سرقة العباءات خاصة الفخمة منها، وهذا الأمر أثار الحيرة والدهشة، لأنه ليس من المنطق أن تسرق طالبة عباءة وترتديها، ورغم حرص الطالبات على العباءات بعدم تركها على الأسرة أو “البلكونة”، ولكن ظاهرة سرقتها لم تختف وهذا جعل معظم قاطنات الغرف يعملن على المراقبة جيداً حتى يتمكن من القبض على لصة العباءات.

القبض على السارقة

وبالفعل في إحدى الأمسيات تم القبض على طالبة نعرفها حق المعرفة، وهي تسرق عباءة من غرفة بها أكثر من خسم طالبات، حيث حضرت إليهن وتجاذبت معهن أطراف الحديث بحكم العلاقة بينهن، وحينما همت بالخروج وعند وصولها باب الغرفة لاحظت إحدى قاطنتها أن الزائرة تخفي شيئاً تحت طرحتها الكبيرة وحينما تم سؤالها بشكل مباغت ارتبكت فنهضت فتيات الغرفة في وقت واحد لتفتيشها وبالفعل عثرن على عباءة تعود إلى إحداهن، وحاولن ضربها، ولكن واحدة منهن رفضت هذا السلوك وطالبت بتسليمها للمشرفة التي تعاملت مع هذه الحادثة بشيء من الحكمة، حيث امتصت غضب الفتيات الثائرات، وأكدت لهن حسمها للأمر فقط طالبتهن بإعمال مبدأ السترة، كما حث ديننا الحنيف، وعدم التشهير بزميلتهن فوافقن وأعادت إليهن العباءة، وعرفت من الطالبة أنها تسرق العباءات لبيعها حتى تستفيد من عائدها في توفير مصروفاتها الجامعية، ورغم عدم قناعة المشرفة بهذا التبرير إلا أنها مارست أسلوباً تربوياً مع السارقة حتى لا تكرر فعلتها لتختفي بعد ذلك سرقة العباءات.

التجارة البكماء

في داخلية خاصة بالخرطوم، فإن إحدى الطالبات أثارت حيرة من يقطن في السكن الفاخر، ففجأة ودون سابق إنذار وبعد أن كانت داخليتهن نموذجاً للأمن والسلوك المتحضر بدأت تظهر فيه سرقات متفرقة، ففي كل يوم تشكو طالبة من سرقة أزياء تخصها، وتكررت هذه الظاهرة كثيراً، وكانت الطالبات لا يحرصن على وضع ملابسهن في “الدواليب”، وذلك لأنهن يعتبرن أنها ليست مقتنيات ثمينة تستدعي حفظها بعيداً، ولكن بعد تكرار حوادث السرقات حرصت كل طالبة على حفظ ملابسها، وظلت السارقة تركز على الأزياء الفخمة التي ترتديها الطالبات عند ذهابهن إلى الجامعة، ولكن كما يقولون إنه ليست هناك جريمة كاملة، فقد وقعت هاوية السرقة عند محاولتها سرقة ملابس كانت موضوعة على سرير بإحدى الغرف التي تضم طالبتين تنحدران من أسر ثرية، حيث خرجت إحداهن وتركت باب الغرفة مشرعاً فيما كانت الأخرى مستغرقة في النوم، حسابات السارقة لم تكن جيدة، فهي اعتقدت أن من خرجت لن تعود سريعاً فدلفت إلى الغرفة وهمت بأخذ الملابس، وبالفعل نجحت في ذلك، وأثناء خروجها تماماً من الغرفة رأتها الطالبة التي خرجت لقضاء غرض، وعندما دخلت الغرفة لم تجد الملابس توجهت مباشرة ناحية السارقة في غرفتها واتهمتها بأخذ ملابسها التي أحضرت من العاملة قبل وقت قصير، في البداية حاولت اللصة الشابة النكران، ولكن الطالبة قالت بأنها سوف تستدعي المشرفة، وشرعت في الاتصال الهاتفي عليها إلا أن السارقة اعترفت سريعًا بفعلتها النكراء وذرفت الدموع، ومن كن معها في الغرفة، ويبلغ عددهن ثلاث، تعجبن وتفاجأن بذلك، وطلبت منهن سترها، وعرفن لاحقاً أنها كانت تستبدل الملابس التي تسرقها مع إحدي زميلاتها تدرس في جامعة أخرى لا تقطن معهن في الداخلية.

سلوك غريب

سألت عدداً من الطالبات اللائي يقطن الداخليات عن السرقات ،فأكدت سارة التي تدرس في جامعة الخرطوم أن هذه الظاهرة باتت تسبب لهن إزعاجاً كبيراً، وتؤكد على أن هذا السلوك لا يشبه الفتاة السودانية، وترفض التبرير الذي يسوقه البعض لجعله مشجباً تعلق عليه جريمة سرقة الفتيات، وتضيف: لا يمكن أن أقتنع “بقصة” أن تسرق فتاة بسبب الظروف الاقتصادية، لأن أهلها الذين أرسلوها للدراسة الجامعية يدركون جيدًا أن عليهم توفير المنصرفات لها، وأنا كلي ثقة من أنه لا توجد أسرة سودانية تسمح لبنتها بالذهاب بعيداً عنها دون أن توفر لها الأموال التي تعينها على مواجهة منصرفات الدراسة وتوفير احتياجاتها.

مظاهر ومرض

اما رانيا التي تدرس بجامعة السودان، فتعتقد أن لجوء بعض الفتيات إلى السرقة بالداخليات يمثل وصمة عار في جبين المجتمع، وترى أن هذا السلوك يوضح أن ثمة متغيرات حدثت ولابد من العمل على علاجها. وتضيف: نعم الظروف الاقتصادية في البلاد في أسوأ حالاتها، وكلما أشرقت شمس يوم جديد، نجد أن الأسعار قد واصلت ارتفاعها الجنوني وغير المنطقي، ولكن هذا لا يصلح أن نجعله تبريراً للسرقة، وأعتقد أن السبب المباشر إلى لجوء بعض الطالبات لسرقة زميلاتهن يعود بشكل مباشر إلى عدم تصالحهن مع واقعهن، وللأسف الكثير من الطالبات يُصَبن بصدمة كبيرة عند دخولهن الجامعات ويعملن جاهدات لارتداء أفخم الملابس وامتلاك أغلى الهواتف السيارة أسعاراً، ورغم أن إمكانياتهن دون طموحاتهن، ولكن يعملن بكل جدية للظهور بمظهر الثريات، وهذا يجعل بعضهن يسلكن الكثير من الدروب الخاطئة مثل السرقة أو الانحراف الأخلاقى، لذا فإن المجتمع مطالب بدراسة مثل هذه الظواهر والعمل على محاربتها سريعاً لجهة أن فتاة اليوم هي أم الغد والأم معروفة أنها مدرسة إذا تم إعدادها جيدًا نكون قد أعددنا شعباً طيب الأعراق، والصمت على هذه السلوكيات سيسهم في تفشيها، وبمرور الزمن لن تقطن طالبة في داخلية خوفًا على نفسها وممتلكاتها، لأن هذه الظواهر يمكن أن تتطور إلى أن نسمع بأن طالبات مارسن سطواً مسلحاً بإحدى الداخليات.

تمنع وتمترس

سألت مشرفة بداخلية حكومية عن السرقات فتعجبت من السؤال، ولأنها لا تعرف هويتي الصحفية، فقد استنكرت أن أطرح عليها مثل هذا السؤال، ورفضت الإجابة عليه، رغم أنني طمأنتها بأن غرضي الأساسي معرفة حجم هذه الظاهرة، هل كبيرة أم أن الحديث عنها يحمل قدراً من المبالغة، غير أنها تمترست بالرفض، وأكدت أن هذه أسرار تخص صندوق رعاية الطلاب، وهذا جعلني أسأل موظفاً مسؤولاً عن إحدى الداخليات عن السرقات فرفض هو الآخر الإفصاح عن كامل تفاصيلها، غير أنه كشف أن معدلاتها تدعو إلى دراستها، ومن ثم معالجتها، وهذا يعني من حديثه المقتضب أنها مستشرية، وقال إن الصندوق ظل ينتهج نهجاً تربوياً وتقويمياً في التعامل مع مثل هذه الظواهر السالبة بالحديث مع الطالبة التي يتم ضبطها متلبسة بجرم السرقة، وذلك حتى تقلع عنها ولا تعود إليها من أجل مصلحتها الأكاديمية، ولفت إلى أن الطالبة التي يتم ضبطها أكثر من مرة يتم تهديدها بالإبعاد عن الداخليات كلياً، بيد أنه يؤكد عدم القبض مجدداً على طالبة تم إنذارها وتحذيرها وإخضاعها للعلاج النفسي والمعالجات الاجتماعية.

أسباب متفاوتة

تقول اختصاصية علم الاجتماع ـ فضلت حجب اسمها ـ إن وقوع فتيات في جريمة السرقة أمر لافت ومثير للدهشة لجهة أن حواء السودان اشتهرت بالأدب والاحترام، وعدم مد يدها إلى مقتنيات غيرها، ورأت أن تنامي حوادث السرقات في داخليات البنات يعود بشكل مباشر إلى عدم رضا بعض من الطالبات عن واقعهن الاجتماعي والاقتصادي، وهن بذلك يبحثن عن تحسينه عن طريق السرقة حتى يتمكنّ من الظهور بمظهر جيد أمام زميلاتهن، غير أنها انتقلت الى تبرير آخر للسرقة، وقالت إن البعض مصاب بهذا الداء وهو لا يسرق من أجل المال ولكن من أجل إشباع رغبته الشخصية في تغطية نقص يعاني منه.

الخرطوم: مدينة محمد آدم
صحيفة الصيحة