تحقيقات وتقارير

“من المطالب إلى الحداثة” تحول غناء البنات من الأغنيات التقليدية التي تحكي عن الآمال والروح المسلوبة إلى فن بأنماط مختلفة له جمهوره ومحبوه


فرضت أغاني البنات نفسها بقوة في المشهد الثقافي السوداني، بعد أن كانت حبيسة المناسبات الاجتماعية، إذ أصبحت تجد طريقها إلى وسائل الإعلام بجانب الحفلات الجماهيرية.
هناك تحول كبير شهده هذا النمط من الغناء بعد أن كان محصورا في بيوت الأعراس بأغانٍ راقصة للعروس تحول إلى فن بأنماط مختلفة، له جمهوره ومحبوه، وجاء هذا التحول نتيجة لتفكك القيود المجتمعية والتحولات في العادات والتقاليد، بجانب تطور الأزمان والمفاهيم.

أمنيات وآمال
ظهرت عدة أصوات نسائية في الساحة الفنية منذ عهد مهلة العبادية، عائشة الفلاتية، حواء الطقطاقة، وأم بلينة السنوسي، إضافة إلى الأصوات الوسطية، ومرورا بالأسماء الحالية. وهناك من الأغنيات التي تعبر كلماتها عن ما يجيش بدواخلهن من أحاسيس وأمنيات وطموحات، ودعاء بأن تتحقق رغباتهن والتي يدور أغلبها ــــ إن لم يكن جلها ــــ حول العرس والعريس ومواصفات ود الحلال (طويل كده أخدراني)، أو (مغترب ولا تاجر غرب)، أو (عريس من هيئة التدريس)، أو (يا الله تجيبو جري دكتور أو صيدلي)، وهكذا إلى آخر سقوفات مطالبهن العالية وتمنياتهن المواصفاتية في شريك الحياة. وتتنوع فيها الأماني والطموحات وتدور كلها حول الفارس الذي يأتي على حصان أبيض، ويتوسلن بدعاء الأمهات باعتبارهن من يفرحن بسترة بناتهن، وود السرور العظمة ود الحلال، أن تدعي لهن أمهاتهن به ويزدن عليه بزيارة الشيوخ أو التماس بركاتهم، وعلى سبيل التغني فقط لا الإيمانية القاطعة، لأن كله بيد الله فلنستمع إلى هذه الرجاءات ترددها أغاني البنات:

يمه الزول أنا براي بجيب الزول أنا
يمه زوري لي زيارة السبت الأخضر الشرط الوقف النبض
يمه زوري لي زيارة الأحد .. يجيبو ود راحات ويوقف العربات.
ود العم
ظاهرة زواج ود العم وإرغام البنت أو الولد على اتباعها بما يسمى (غطي قدحك) تجسدت أيضاً في أغاني البنات فقط باختلاف إخراجها من دائرة الأماني والطموحات، بحيث تعبر كلمات الأغنيات.
ود عمي أنا ما دايره
تمسكو الحمى الملاريا
ويمه قولي خير يمه الغرباء جوك بالليل يمه ود عمي ما عايزاو كان حضر ماجستير يمه
ود عمي ما دايره
دايره ضي العين ظابط بدبورتين
الأشواق والدوافع

من جهته، يقول الناقد الفني، عوض اللورد، لـ(اليوم التالي): “غناء البنات ظاهرة اجتماعية وفنية تستوجب النظر والتأمل بالاقتراب منها بشكل علمي، لأنها تكشف الكثير من النواحي الإيجابية والسلبية التي شهدها المجتمع السوداني عبر عقود من الزمان”. وأضاف: “الفوارق بين أغنية البنت في الريف والمدينة في الأشواق والدوافع وحرية التعبير”، وتابع: “سقف الطموحات في أغاني بنات المدن يرتفع إلى مراقٍ عالية، بينما ينخفض في أغنيات بنات الريف”، وأردف: “أغنيات البنات واحدة من مؤشرات التحول التي تخللت بنية المجتمعات السودانية الحديثة”، واستطرد: “تتحدث الأغنيات عن آمالهن ومشاكلهن البسيطة، وتحكي عن روحهن المسلوبة ومن يفضلنه للزواج ورؤيتهن للعالم وعن قيم تبدأ في وقتها كخروج على السائد”.

الخرطوم – أماني شريف
صحيفة اليوم التالي