تحقيقات وتقارير

عدد المعلمات يفوق عدد المعلمين 1 ـ 2 التدريس مهنة لم تعد تغري الرجال


هجرة كبيرة وسط الرجال من التعليم نحو مهن أخرى

رئيس لجنة المعلمين: نسبة المعلمات بالأساس بلغت 85%

خبراء: تزايد أعداد المعلمات أدى لتناقص جودة التعليم

خبير تربوي: ضعف المخصصات وضآلة الأجور أبرز أسباب عزوف الرجال

رغم الأدوار المقدرة التي تقدمها معلمات السودان في مرحلتي الأساس والثانوي، وقبضهن على جمر الصبر على المخصصات المتواضعة رغم المهام الشاقة، وتشكيلهن حائط صد أمام انهيار التعليم الحكومي الذي ذهب عنه الرجال بعيداً لمهن أخرى، إلا أن البعض يعتقد بضرورة دراسة الآثار الإيجابية والسالبة لزيادة عدد المعلمات على المعلمين، بيد أنه يوجد من يؤكد أن هذا الوضع الراهن له انعكاسات آنية ومستقبلية سالبة على التعليم الذي تحتم مسيرته وجود المرأة والرجل بنسب متقاربة إن لم تكن متساوية حتى لا يحدث اختلال، فيما ينظر آخرون إلى هذا الأمر من زاوية أخرى، تتمثل في أن بروز الكثير من المهن المجزية جعلت العمل في التعليم غير جاذب للرجل، وأن المرأة تمكنت من أداء دورها بجدارة.. ما بين الرأي الذي يضع مسؤولية تراجع المستوى التعليمي في البلاد على كاهل المعلمات، وذلك الذي يؤكد على عظمة أدوارهن.

غاصت “الصيحة” في الحلقة الأولى في هذه الظاهرة للخروج منها بنتائج.

النسب تتفاوت

قبل تقليب أوراق هذه القضية مع المختصين، لابد في البداية من استعراض جزء يسير من الإحصاءات التي توضح نسب المعلمين والمعلمات بعدد من الولايات.

في ولاية الجزيرة

فقد كشفت لجنة التعليم بالمجلس التشريعي بولاية الجزيرة عن جملة من المشاكل التي تواجه العملية التعليمية بالولاية، وأوضحت عن وجود عجز في القوة العاملة للمعلمين، تبلغ ثلاثة عشر ألف معلم، أوضحت أن75% من القوة العاملة في التعليم من النساء، مبينة عن ترك عدد كبير من المعلمين من الرجال الخدمة، منهم 46 في محلية المناقل فقط، وذلك بسبب انخفاض الأجور، ولفت إلى أن معظم إلى أن نسبة المعلمين الرجال في ولاية الجزيرة التي يوجد بها ألفان ومائتان واثنان وعشرين قرية تبلغ 25% فقط.

خلل أساسي

وماذا عن ولاية النيل الأبيض التي نتخذها نموذجاً ثانياً، الإجابة تأتي على لسان مسؤول رفيع بحزب مشارك في السلطة، حيث يكشف رئيس حزب العدالة بالنيل الأبيض محجوب أحمد البدوي أن الولاية تعاني نقصاً حاداً في المعلمين يبلغ 15%، مرجعاً تدهور التعليم إلى أن 80% من القوة العاملة في حقل التعليم من النساء، موكداً أن هذا ألقى بظلاله السالبة على مسيرة التعليم، مشيداً بالقرار الذي اتخذه عبد الحميد موسى كاشا أمس الأول بالتعاقد مع (350) معلما متقاعداً إلى قطاع التدريس، وقال إن معظم المعلمات غير المؤهلات بالرغم من أنهن خريجات جامعات دمغهن بضعف الأداء، وأضاف أن أكبر مشكلة تواجه التعليم كثرة الأعذار والأرانيك المرضية، وإجازات الأمومة والحبس وغيرها، ما أحدث ربكة حقيقية في مسار كل المراحل، وباتت المدارس تخرج طلابا وطالبات لا يفرقون بين (الألف والياء)، وطالب بضرورة تأهيل المعلم قبل التوظيف، إلى جانب إعادة معاهد التأهيل التربوي، ومراكز إعداد المعلمين للمراحل التعليمية، وتحسين الأجور التي كانت سبباً مباشراً في هروب الأساتذة من المجال.

جدل مبكر

في ولاية القضارف، فإن نسبة النساء في التعليم أيضاً تفوق الرجال، حيث يقدرها عضو في تشريعي الولاية فضل حجب اسمه بـ65%، فيما تبلغ نسبة الرجال 35% ، وهذه النسبة أشار إليها من قبل وزير للتربية والتعليم بولاية القضارف أمام تشريعي الولاية، قال يومها إن أسباب تراجع التعليم في الولاية تعود بشكل مباشر إلى أن نسبة النساء أكثر من الرجال، وأن انتظامهن في العام الدراسي متأرجح. وأخيرًا فإن الولاية شهدت جدلاً محتدماً داخل قبة البرلمان المحلي بسبب قرار وزارة التربية والتعليم القاضي بـ(نسونة) المدارس، حيث أثار القرار جدلاً بين النواب، وشهدت جلسة مناقشة هذا القرار تبايناً حاداً في الآراء وانقسام المجلس حوله، وقد قضى بتدريس المعلمات في مدارس البنات والمعلمين في مدارس البنين. ورأت امتنان عبد اللطيف، رئيسة لجنة التعليم، أن جولة للجنة على المحليات كشفت عن سلبيات في تنفيذ القرار، ونوهت بأنه من الأفضل أن يتم تنفيذ القرار بصورة مرحلية، مستدلة بأن مدرسة أم خراييت في محلية باسندة يوجد بها معلم واحد، رغم وقوعها في منطقة طرفية، فيما تم تطبيق القرار في أربع مدارس من جملة (14) مدرسة، وطالب أعضاء المجلس بعدم تطبيق القرار دون دراسته بصورة متكاملة.

والقرار يعود إليه عضو تشريعي الولاية الذي تحدث لـ(الصيحة) وطلب حجب اسمه، وقال إنه لا يمكن تطبيقه لعدم تساوي نسب المعلمين والمعلمات، وقال إن معظم المدارس تعاني نقصاً حاداً في المعلمين الرجال.

كسلا .. 60% إلى 40%

أما في ولاية كسلا، فإن النسبة بحسب إحصاءات تشير الى أن عدد المعلمات يبلغ 60% من القوة العاملة، وهذا يعني أن نسبة الرجال تبلغ 40%، وهذه النسبة تنظر إليها رئيس لجنة التعليم بتشريعي الولاية الأستاذة مصلحة من زاوية موضوعية، كما تشير، وتقول في حديث لـ(الصيحة) إن السبب الأساسي يعود إلى الجامعات. وتضيف: حينما يتم فتح إجراءات القبول للجامعات، فإن الطلاب الذكور يفضلون التقديم للكثير من الكليات وتأتي دائما كليات التربية في ذيل اهتماماتهم، وبالمقابل فإن الفتيات وبحكم تكوين المرأة فإنهن يقبلن بأعداد كبيرة على كليات التربية، وهذا أفرز في نهاية الأمر أن يكون عدد المعلمات أكبر من الرجال، مؤكدة على أن عدد النساء العاملات في حقل التعليم بكسلا كبير ويفوق الرجال بنسبة عالية.

النسبة العامة

يبدو أن الواقع في كل ولايات السودان متشابه، وتبدو نسب النساء العاملات في التعليم أكثر من الرجال، وهذا ما يشير إليه رئيس لجنة معلمي السودان يسن حسن الذي يكشف في حديث لـ(الصيحة) أن تفاوت نسب وأرقام المعلمين والمعلمات تعود إلى سنوات للوراء، ويكشف عن أن نسبة النساء في مرحلة الأساس بكل أنحاء البلاد بحسب إحصاءاتهم الدقيقة تبلغ 85%، فيما تبلغ نسبة الرجال 15%، ويمضي الأستاذ ياسين في حديثه الإحصائي ويوضح أن المرحلة الثانوية تبدو أفضل حالاً بيد أن النساء أيضًا نسبتهن أعلى في القوى العاملة، حيث تبلغ 65% فيما تبلغ نسبة الرجال 35%، ويقول إن هذه النسب تعتبر من المتغيرات التي طرأت على التعليم في الفترة الأخيرة.

لماذا؟

لماذا تفوق نسبة النساء في التعليم أعداد الرجال، الإجابة تأتي على لسان رئيس لجنة التعليم يسن حسن الذي يقول إن السبب المباشر يعود إلى ضعف المخصصات وضآلة الأجور التي يتقاضاها المعلمون، مبيناً في حديثه لـ(الصيحة) أن الكثير من الرجال فضلوا البحث عن مهن بديلة أو الاتجاه إلى التعليم الخاص حتى يحصلوا على مقابل مادي جيد يعينهم على مواجهة تكاليف الحياة الباهظة، ويقطع بأن عدد المعلمين إن لم تشهد أجورهم تحسناص سيمضي في تناقص، وتوقع أن يأتي يوم وتكون النساء هن الممسكات بزمام الأمور في كل المدارس، وذلك لأن ضغوط الحياة عليهن تبدو أقل وطأة من الرجال المطالَبين بالإيفاء بالكثير من المنصرفات الحياتية الباهظة.

مجددًا لماذا؟

مرة أخرى نجدد الإجابة التي توضح أسباب هجر الرجال للتعليم، وهذه المرة على لسان رئيس نقابة المعلمين السودانيين عباس محمد أحمد الذي كشف عن استقالات جماعية تقدم بها ألف معلم من معلمي ولايتي الخرطوم والجزيرة خلال العام الحالي والماضي، وأضاف أن استقالات المعلمين جاءت بواقع «500» استقالة من كل ولاية في العام، وأرجع الاستقالات إلى ضعف مرتبات المعلمين، واصفاً إياها بالأضعف مقارنة بجميع الوظائف الأخرى، مشيراً إلى أن متوسط دخل المعلم في اليوم حوالي دولارين فقط، وكشف عن تفاهمات أبداها اتحاد عمال السودان لزيادة مرتبات المعلمين خلال العام المقبل، وذكر أن نقابة المعلمين أجرت حوارات مع اتحاد عمال السودان حول مرتبات المعلمين، وأن الاتحاد أبدى تفهماً حول زيادة أجور المعلمين في الموازنة العامة للدولة، وطالب بضرورة إعادة النظر في نقص المعلمين بالمدارس، وقال إن النقص يعتبر عبئاً إضافيًا على التعليم ويحمل المعلم ثقلاً كبيراً أكثر من طاقته.

إلى الدهب

في حوار صحفي أجريته مع والي جنوب كردفان السابق آدم الفكي الذي يتولى حاليًا إدارة ولاية جنوب دارفور، قال إن من أبرز اسباب تردي التعليم في ولايته السابقة تعود الى الحرب التي أكد أنها تسببت في تسرب أكثر من مائة ألف طالب عن قاعات الدرس.

الي هنا قد يبدو حديث الفكي عادياً، إلا أنه يومها اعترف بوجود نقص حاد في المعلمين، واعتبره أحد المشاكل التي ألقت بظلالها السالبة على التعليم، وفجّر الوالي يومها مفاجأة من العيار الثقيل حينما كشف عن مغادرة أكثر من أربعمائة معلم حقل التعليم واختيارهم التنقيب عن الذهب بمحليات الولاية المختلفة مصدر رزق بديل، إذن فإن ضعف مخصصات المعلمين من الأسباب المباشرة لجعل مهنة التعليم خاصة في المدارس الحكومية غير جاذبة للرجال.

انعكاسات سالبة

حسناً… الأرقام والإحصاءات توضح أن نسبة المعلمات أكثر من المعلمين، وفي ذات الوقت توضح أن حدوث هجرة كبيرة وسط الرجال من التعليم نحو مهن أخرى، هنا يبرز السؤال، هل توجد انعكاسات سالبة لنسونة التعليم أم إن الأمر إيجابي، الإجابة تأتي من التربوي محمد البشرى أبكر الذي كشف في مقال سطرته من قبل أن مؤتمر التعليم الذي أقيم أخيرًا أغفل الكثير من القضايا ولم يخضعها للتداول والنقاش المستفيض، ويبدو الرجل من أصحاب الرأي الذي يذهب ناحية التأكيد على وجود سلبيات نتجت من أكثرية المعلمات بالمدارس.

خلو المدارس

ويضيف البشرى: كان لابد للمؤتمر أن يراعي الدور المنوط بالمعلمة ولا يكلفها فوق طاقتها، والدور المنوط بالمعلم على أن يقوم كل منهما بما يوافق طبعه لتحقيق الأهداف التربوية، ولكن الخطأ الذي حدث أن المؤتمر قد ناقش كل المشاكل التربوية باعتبارها موجهة للمعلم دون أن ينتبه لخلو مدارس الأولاد من المعلمين، والنسبة محفوظة في كل المدارس في السودان، ونخلص من ذلك إلى أن التعليم قد أصبح إرثاً للمعلمات وسلمنا بالأمر وارتضينا بالواقع مع شكرنا للمعلمات على تحمل أعباء المهنة، ولكننا لم ننتبه للخطر الداهم الذي يحدق بأجيالنا من أثر انفراد النساء بالتربية في مدارس الأولاد، ولعله يكون مخططاً يهودياً لهدم التعليم في السودان، جاء مقنعاً باسم السلم التعليمي، وكان أول بنوده تغيير المنهج التعليمي ثم تشريد المعلمين بالتضييق عليهم بضعف المرتبات ليؤول التعليم للنساء وليصبح مهنة من لا مهنة له.

تحقيق: صديق رمضان
صحيفة الصيحة