جعفر عباس

حمارٌ في مطار


كعادتي عندما أهم بكتابة مقال أعود إلى أرشيف قصاصات الصحف، علّ حكاية ما تلهمني موضوعا ألتُّ وأعجن فيه، ولكن المشكلة مع تلك القصاصات أن بعضها بلا تاريخ، وبالتالي لا أعرف متى حدث الأمر الذي يرِد فيها، وأمامي قصاصة عن طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية كانت تتأهب للهبوط في مطار العاصمة الموريتانية نواكشوط، وأبلغ قائد الطائرة الركاب أن الحرارة في المدينة 50 درجة مئوية، وكالعادة كانت المضيفات الفرنسيات بتنانيرهن القصيرة يزغللن العيون وهن ينحنين لربط أحزمة المقاعد للأطفال، وكان كثيرون ينظرون عبر نوافذ الطائرة ويصيحون: ذاك بيتنا.. تلك شركة البلاستيك. فقد كانت الطائرة على ارتفاع ألف قدم فقط فوق سطح الأرض، وكانت معالم نواكشوط واضحة، وفجأة تلوت الطائرة وصدر عنها أنين وكأنما أصيبت بمغص كلوي، ثم انطلقت إلى أعلى رأسيًّا حتى صدرت عن المقاعد طقطقة توحي بأنها على وشك الانقلاع عن أمكنتها، وبعد دقائق بدت دهرا استقرت الطائرة أفقيًّا وجاء صوت قائدها لاهثا: إكسكوزي موا… أعتذر عن الحركة القِرْدِية التي قمت بها مضطرا، فلولا نباهتي وسرعة بديهتي وحسن تصرفي لرحتم جميعًا في داهية!!
ثم تذكر الرجل أنه أوروبي، ينبغي عليه أن يعطي الانطباع بأنه متحضر ومهذب فغير لهجته ومفرداته: ما حصل يا جماعة هو أنني كنت على وشك الهبوط عندما لمحت في المدرج كائنًا يقف في وسطه، وكان الهبوط بالطائرة يعني الارتطام بذلك الكائن، ما كان سيؤدي إلى كارثة إنسانية مروعة… وكما تعلمون فإن صانعي الطائرات، برغم ادعائهم الذكاء، نسوا تزويدها بالبوق الذي يسميه بعضكم الهُرن وبعضكم البوري أو الزامور أو الكلاكس أو الزامر، وما كان أمامي من سبيل سوى الصعود بالطائرة بسرعة عالية تفاديًا للارتطام بذلك الكائن أو مبنى المطار!!

ولأعفي نفسي من عبء ترجمة كل ما قاله الكابتن الفرنسي، لأن معرفتي بالفرنسية مثل معرفة دونالد ترامب بالسياسة الدولية، فسأروي لكم ما حدث: كان الكائن الذي يقف في مدرج الطائرات حمارًا. لا أقصد »حمارا« مجازًا بمعنى »شخص غبي«، بل ذلك الحيوان ذا القوائم الأربعة والصوت المنكر!! ماذا كان الحمار يفعل في مطار دولي؟ علمي علمك! هل كان يفكر في الهجرة متسللا إلى إحدى الطائرات؟ مش بعيد أن يكون قد فكر في ذلك، وخاصة أنه »حمار«!! هل أوقفه تنظيم إرهابي في المدرج ووعده بمؤونة شهرين من العلف الأخضر بعد أن قالوا له: ارفس أي طائرة تعترض طريقك بقوائمك الخلفية وسنعطيك )بونص( ربطة برسيم أسبوعيًا!! لا أزعم أنني أملك الإجابة عن السؤال، ولكن ما يحيرني هو أن موريتانيا كانت عند تسلل الحمار إلى مدرج المطار قد خرجت لتوها من محاولة انقلابية دموية، وكانت عيون السلطات الأمنية هناك مفنجلة ومفتوحة على الآخر ترصد كل شاردة وواردة في الشوارع والحواري والزنقات.
بداهة فإن مطار العاصمة يحظى بتغطية أمنية شاملة!! فكيف فعلها الحمار؟ أستطيع أن أُقدم إجابة غير مباشرة عن التساؤلات أعلاه: حكوماتنا تسيء الظن بالمواطنين فقط، ولا يخطر ببالها أن الحيوانات يمكن أن تشكل خطرًا على الأمن والسلامة!! وحتى في حال ثبوت جريمة على حيوان ما، فإننا لم نسمع قط بحيوان )غير الكلاب( تم إعدامه في بلد عربي!!

ولن أتكلم عن مطار بلادي الدولي في الخرطوم لأنني بعض نتاج الثقافة العربية، التي تقضي بأن يعاير كل شعب عربي الشعوب العربية الأخرى ببؤس حالها، ولكنني سأروي واقعة تتمثل في حيرة طاقم الضيافة في بداية رحلة كانت منطلقة إلى جدة من أن عدد الركاب »زائد«، شخصا واحدا، وتبددت الحيرة عندما تململ الركاب من التأخير فاضطرت مضيفة إلى شرح المسألة. هنا نهض شاب وقال إنه ركب من دون تذكرة، فقد جاء لوداع أمه التي تعتزم أداء العمرة، ولكن ضميره استيقظ ورأى أنه من الأصوب أن يسافر معها.

زاوية غائمة
جعفر عبـاس