تحقيقات وتقاريرسياسية

ندوة عصبة الكرام الثقافية.. رفع العقوبات.. عقبات وأمال لاصلاح المآل


إبراهيم غندور: الحوار مع أمريكا تمَّ باشراف رئاسة الجمهورية
عبدالرحيم حمدي: السودان تمكَّن من التعايش مع سياسات الحصار
مأمون حميدة: الحصار أثَّر على التعليم أكثر من الصحَّة
غازي صلاح الدين: السودان لا يملك كروت ضغط على أمريكا
خضر هارون: على الخارجية العمل لازالة السودان من قائمة الارهاب
إبراهيم الأمين: أمريكا حاصرت السودان وإيران لافشال التجربة الإسلامية
قال وزير الخارجية، بروفيسور ابراهيم غندور إن رفع العقوبات الاقتصادية الامريكية عن السودان، يمهد لتطبيع كامل مع الولايات المتحدة الامريكية، نافياً وجود أي توافقات سرية بين البلدين بمنأى عن المسارات الخمس المتفق عليها.
وجاء حديث غندور في تدشين (عصبة الكرام الثقافية) لاول مناشطها بندوة أمَّها أهل السياسة والدبلوماسية والاقتصاد للحديث عن مرحلة ما بعد رفع العقوبات بقاعة الشهيد الزبير للمؤتمرات.
وشارك في الندوة مع بروفيسور غندور، ورئيس حركة الاصلاح الآن، د.غازي صلاح الدين العتباني، ووزير الصحة بولاية الخرطوم د.مأمون حميدة، والخبير الاقتصادي عبد الرحيم حمدي، والقيادي البارز بحزب الأمة القومي، د.ابراهيم الامين، والسفير خضر هارون، بجانب البروفيسور عبدالله أحمد عبدالله.
حديث العارفين
بدأ وزير الخارجية ابراهيم غندور واثقاً وهادئ القسمات وهو يقدم شرحاً مفصلاً لتاريخ الحوار بين السودان والولايات المتحدة، قائلاً إن الحوار بدأ منذ العام 2001م عبر الموسسات الرسمية مثل الخارجية والامن والدفاع والشأن الانساني في قبالة (اف. بي. آي) و (سي. آي. أيه) والخزانة الامريكية. مشيراً إلى ان الحوار مع امريكا كان باشراف من رئاسة الجمهورية.
دعم الأصدقاء
وعرج غندور بالحديث عن دور أصدقاء السودان في المحيط الاقليمي والعربي في مسألة رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ العام 1997 واشار لدور السعودية عبر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الامير، محمد بن سلمان، والدور الاماراتي عبر ولي عهد ابوظبي، الشيخ محمد بن زايد، ووزير الخارجية عبد الله بن زايد ووزير الخارجية القطري وأمير الكويت.
ثم عاد مستدركاً ونوه لدور سلطنة عمان في الحوار مع امريكا قائلاً ان عمان هي أول من بدأت الحوار عطفاً على الدعم الكويتي والأثيوبي ثم دعم من ثابو امبيكي، ومنظمة التعاون الاسلامي، والاتحاد الافريقي، بالاضافة لاصدقاء السودان في روسيا واسيا. قائلاً إن كل هذه الجهات دفعت مسيرة الحوار مع أمريكا.
وفي صعيد ذي صلة، أرجع غندور عملية رفع العقوبات ونجاحها للدعم الكبير من الاتحاد الاوروبي وهو دعم مباشر حد تعبيره.
اجتماع الغرف المغلقة
كشف غندور عن لقاء في سبتمبر الماضي جمع بين وزراء خارجية الولايات المتحدة، وبريطانيا والنرويج، بالبيت الابيض، وقدم فيه وزراء خارجية بريطانيا والنرويج تنويراً عن الحوار مع السودان، وقالا إن الحوار مع امريكا كان مؤسساً ومدعوماً من الاصدقاء في كل دول العالم طيلة (16) عاماً بمساندة فريق كامل.
انفتاح منتظر
قال غندور إن عملية رفع العقوبات تمهد لمسألة تطبيع العلاقات مع أمريكا وفتح المسارات بين السودان والمجتمع الدولي، مضيفاً أن وجود العقوبات عطل انطلاقة السودان نحو العالم، منوهاً الى لقاء مفتاحي مع وزيرة الخارجية الامريكية السابقة سوزان ريس بتاريخ 3 /6/2016م بالبيت الابيض الامريكي ناقش الحوار مع امريكا.
في بريد المعارضة
بدأ غندور ناقماً على المعارضة خارج السودان وقال إن المعارضة سعت لتعطيل رفع العقوبات من خلال المظاهرات المتفرقة بأمريكا بل راهنت المعارضة على استمرار العقوبات، وبعد عملية الرفع بدأت المعارضة في الحديث عن استمرار اسم السودان في قائمة الارهاب، لافتا الى أن المعارضة قامت بتزوير تغريدات باسم الرئيس ترامب تتحدث عن عدم رفع العقوبات، وذكر غندور بالتحديد الامين العام لمنظمة كفاية الامريكية، عمر إسماعيل قمر الدين، التي تحولت بطاقمها الى الكونغو ولم تقفل صفحة السودان حد قول غندور.
العقوبات أولاً
حول رفع العقوبات الاقتصادية والابقاء على السودان في قائمة الارهاب أوضح غندور أن الأهم هو العقوبات الامريكية لتأثيرها المباشر على الناس ومعاشهم، وقال لذا فضلنا ان تكون البداية بها مردفاً أن اولويتهم في المرحلة المقبلة هو رفع السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب لتسبب ذلك في حرمان السودان من التعاون مع أمريكا في مجال استخدم السلاح والمواد مزدوجة الاستخدام مثل اسبيرات الطيران، والقروض التنموية، مشيرا إلى ان الحوار مع أمريكا حول رفع اسم السودان من قائمة الارهاب سيبدأ في نوفمبر المقبل.
وحول الديون المفروضة على السودان قال إن امريكا هي الفاعل الاساي في مسألة الديون، والحوار معها سيؤدي لاعفاء الديون.
عوامل داخلية
كشف وزير الخارجية غندور عن الادوار التي لعبتها عوامل خارجية في رفع العقوبات، مثل الحوار الوطني الذي لعب دورا مهما في عملية رفع الحصار، مضيفاً أن الحوار الوطني كان له اثراً مباشراً وفعالاً في رفع العقوبات، وشدد على اهمية رتق النسيج الداخلي، وتمتين الوحدة الوطنية، واتمام السلام، وايقاف الحرب، وفي حالة انفاذ ذلك سيكون هنالك تاثير كبير على الحوار القادم مع أمريكا.
المتغيرات الإقليمية
قال غندور إن المتغيرات الاقليمية في المنطقة لعبت دوراً فاعلاً في رفع السودان مبيناً أن السودان يملك أدوات ضغط على أمريكا أهمها موقعه الجغرافي والاستقرار الداخلي في المنطقة المضطربة حالياً، عطفاً على تحالفاته الاقليمية والعربية.
نافياً بشدة أن يكون هنالك حوار حول نقاط اخرى بخلاف المسارات الخمس، وقال لم يطلب منا ابعاد شخص من الحكومة طوال فترة الحوار وقال في 2011م طالب الرئيس الامريكي باراك اوباما برفع العقوبات عن السودان ولكن لم يتم ذلك.
وفي سؤال بشأن اشتراط امريكا ابعاد الاسلاميين من الحكم لرفع العقوبات، قال غندور إن الحكومة الحالية بها (26) حزباً سياسياً وهي حكومة وفاق وطني وتمثيل الاخوان المسلمين يتم بجزئية صغيرة في الحكومة.
عقوبات سياسية
قال رئيس حركة الاصلاح الان، د.غازي صلاح الدين، إن العقوبات الامريكية التي فرضت على السودان كان بها تشفي سياسي ولم تراع حقوق الفقراء والتأثيرات الواقعة عليهم، خاصة فئة الطلاب التي تأثرت بالعقوبات بعد توقف المنح والبعثات الدراسية الي الولايات المتحدة الامريكية.
وذكر ان الحوار مع امريكا قديم ولم يكن مستحدثاً ولكنه استقام مؤخراً، مرجعا تطور الحوار مع امريكا لحدوث متغيرات دولية مثل التحولات بين امريكا وروسيا، وأضاف الحوار سيظل محكوماً بالارادة الامريكية.
مضيفاً أن الحوار مع امريكا (شختك بختك) وكانت أمريكا هي من تضع الاجندة خاصة قضية الارهاب وجمع المعلومات لافتاً إلى صعوبة الحوار مع امريكا.
وقال العتباني إن الحوار مع الامريكان صعب، وشدد على ان رفع العقوبات يعتبر مكسبا نوعيا، وضع الطرفين في مسار حتمي، قاطعاً بحدوث تطبيع مع أمريكا في يوما ما.
واشار غازي إلى أن التحدي القادم في عملية الحوار مع واشنطن هو التحدي الصعب، ولكن سينتهي الحوار الي صورة مثله، منبهاً لاهمية استغلال الصورة الاقليمية قائلاً إن الظروف الاقليمية تخلق مساحة للتحرك، بيد انه عاد وقال إن السودان لا يملك ادوات ضغط على امريكا، مطالبا بتقوية الاقتصاد السودان حتى يكون كرت ضغط في المنطقة، وختم بالقول إن الحكومة تملك كل شيء، وعليها تقوية الصف وبناء الارادة الوطنية الحقيقية.
قطاع التعليم
قطع مدير جامعة الخرطوم الاسبق، بروفيسور عبد الله أحمد عبد الله، ان قطاع التعليم هو الاكثر تأثراً بالعقوبات، وبينما استفادت الاجيال القديمة من فرص التعليم في أمريكا حرم منها الجيل الحالي بسبب فرض العقوبات الامر الذي دعا الجامعات السودانية للاتجاه شرقاً صوب اسيا تحديداً اليابان وماليزيا والصين لتأهيل الطلبة السودانيين بجامعاتها.
موضحاً أن كل دول اوروبا قاطعت السودان في مجال التعليم باستثناء ألمانيا، كاشفاً عن وصول فوج امريكي عقابيل رقع العقوبات لبحث سبل التعاون العلمي لاحياء العلاقات القديمة مع السودان.
وعرج بروفيسور عبدالله للحديث عن القطاع الزراعي رفع العقوبات سيلقي بظلال ايجابية على القطاع الزراعي من خلال الاستفادة من الاليات الزراعية لرفع الانتاج والانتاجية مشدداً ان مخرج السودان الاقتصادي يكمن في النهوض بالزراعة.
مرافعة ومدافعة
بدأ عبد الرحيم حمدي بتقديم مرافعة ومدافعة عن سياسات الانقاذ الإقتصادية، ولم ينس سياسة التحرير الاقتصادي التى ارتبطت باسمه، فأوجد لسياسة التحرير الإقتصادي ما اوجد من المبررات والدفوعات داعماً لها بالأرقام والإحصاءات.
وصرح حمدي في بداية حديثه بأنه سيخالف عنوان الندوة الموسوم بـ(الآثار المترتبة على رفع العقوبات الأمريكية عن السودان) وانه سيمضي عكس ذلك قليلاً، وقال ان العقوبات الأمريكية على السودان لها (33) عاماً، بعد ان قرر البنك الدولي عدم استحقاق السودان لسحب اموال من البنك الدولي في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري، واضاف حمدي أن هذه العقوبات مستمرة ولن ترفع إلا بموافقة البنك الدولي وصندوق النقد.
مؤكداً على ان ذلك يحتاج إلى تفاوض سياسي، وعن ديون السودان الخارجية رأى حمدي ان سدادها امر في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً، مكرراً انه يحتاج إلى قرار سياسي، مستدلاً بحالة جمهورية مصر التى أُلغي دينها كمكأفاة لدورها في حرب الخليج، وشدد حمدي على أن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب أمر ضروري. وقال ان ايران وسوريا وكوريا الشمالية تحت بند الدول الراعية للإرهاب ومع ذلك تتفاوض الولايات المتحدة الأمريكية معهم.
تفاوض سياسي
بدا أن حمدي رجل الاقتصاد يعول بصورة كبيرة على التفاوض السياسي لرفع ما تبقى من عقوبات، واشار إلى ان اغلب ديون دول العالم تم إعفاءها ماعدا السودان وفي الصومال التى لم يكن بها دولة انذاك، واشار إلى استمرار عدد من العقوبات منها عقوبات مفروضة بسبب اتهام السودان بمحاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك، ونبه حمدي إلى ان الضرر الأكبر الذي وقع على السودان كان من الدول والمؤسسات غير الأمريكية التى مارست عليها الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطا لمعاقبة السودان، وتحدث حمدي عن الاحترازات التى وضعتها الإنقاذ في بداية عهدها لمجابهة الحصار الأمريكي واجملها في الاعتماد الكبير على الموارد الداخلية، واموال المغتربين، وتطوير الزراعة باعتبارها قاطرة التنمية، وتنشيط ملف الرعاية الإجتماعية للفقراء.
ودافع حمدي عن سياسة التحرير الإقتصادي معرفاً إياها بأنها خروج الدولة من الأسواق وتحرير الأسعار، وقال ان سياسة التحرير الإقتصادي ادت إلى التطور والنمو الإقتصادي، وفتحت الباب لدخول قطاع الاتصالات والقطاع الخاص، مشيراً إلى ان الناتج المحلي زاد خلال فترة الانقاذ لعشرين مرة من قبلها، واضاف ان الإنقاذ حققت تنمية كبيرة خلال فترة الحصار بالإتجاه شرقاً ما مكنها من إنشاء 3 سدود، وقال ان امريكا فتحت للسودان جبهة للحرب بشرق السودان وذلك على امتداد 1300 كيلو متر.
وختم حمدي حديثه عن التحرير الإقتصادي أنه قرار عملي وليس ايديولوجي، واصفاً ما وجده السودان من الصناديق العربية بالأكبر والاهم، من رفع العقوبات الأمريكية عن السودان، واشار إلى ان ادوار الصناديق العربية كانت كبيرة ومؤثرة خاصة في إعفاء عدد من الديون على السودان بجهود شخصيات ومؤسسات عربية، وقال ان خلال تلك الفترة شيدنا المباني واستوردنا العربات وأنشأنا المصانع، واضاف ان الإنقاذ وجدت التضخم بنسبة 80% واستطاعت معالجته حتى تعافى الإقتصاد.
الخيارت الأفضل
مثلما تحدث عبد الرحيم حمدي عن الجانب الإقتصادي وهو من اهم الجوانب المتأثرة بالعقوبات الأمريكية على السودان، إلا ان الجوانب الخدمية والصحية كانت صاحبة الأثر الاكبر والمباشر من الحصار الامريكي على السودان.
وتحدث وزير الصحة ولاية الخرطوم بروفيسور مأمون حميدة، وعلل وشرح الأضرار التى لحقت بالقطاعين الخدمي والصحي، قائلاً ان القطاع الخدمي كان الأكثر تأثراً بالعقوبات الأمريكية من القطاع الصحي، واشار الى ان العقوبات الأشد كانت من اوروبا التى تآثرت بالقرار الأمريكي، وقال ان اوروبا تسوق منتجاتها الدوائية في امريكا مما جعلها تستجيب بسرعة للمطالب الأمريكية بمقاطعة السودان، وزاد بأن امريكا عاقبت الدول التى تعاملت مع السودان، مما جعل السودان يتخذ قرارات صعبة حرمته من الميز النسبية والخيارات الأفضل.
وقلل مأمون حميدة من تأثيرات العقوبات الامريكية على القطاع الصحي في السودان بسبب فشل امريكا في منع المنح الدوائية للسودان، وقال ان السودان تحصل على منح دوائية عن طريق طرف ثالث (مركز كارتر) بعد ان قدم ضماناً للإدراة الامريكية بوصوله للمحتاجين، وأقر حميدة بحدوث بطء في إستيراد الأدوية مع تجفيف الدعم التنموي لوزارة التعاون الدولي، غير ان حميدة شدد على ان الأثر الأكبر كان على الجامعات من القطاع الصحي، مما حرمها من التعاون مع المؤسسات الدولية، مشيراً إلى أن ذلك أثر على الجانب البحثي للجامعات، مؤكداً على أن السودان سيستفيد من الخيارات الأفضل بعد رفع العقوبات.
أطراف عقلاء
مال القيادي بحزب الأمة القومي الدكتور د.إبراهيم الأمين للتحليل السياسي وقال إن المرحلة الجديدة تحتاج إلى عقلاء من الطرفين معارضة وحكومة، ودلف للحديث عن التوجهات الأمريكية واصفاً الولايات المتحدة بالعامل المؤثر في كل صراعات العالم، وقال إن أمريكا ظنت أنها لن تنهزم بعد انتصارها في الحرب العالمية، إلا أن حرب فيتنام، وأحداث الحادي عشر سبتمبر شكلت نقطة تحول جديدة لدى أمريكا في سياساتها الخارجية، وقال الأمين إن الصراع الداخلي في السودان أثر بصورة كبيرة، وأن الأنظمة في السودان لم تتفق على ثوابت محددة، مرجعاً أسباب عقوبات العام 1993م لعلاقة السودان بايران، وقال إن الولايات المتحدة عملت على حصار السودان وإيران لإفشال التجربة الإسلامية فيهما، وأن ايران نجحت في تحقيق تقدم وتنمية رغم الحصار الأمريكي وأن السودان لم يستطيع فعل ذلك لضعف تأثيره، واستدل برفض فرنسا للطلب الأمريكي بمقاطعة إيران للمصالح المشتركة بينهما.
انتعاش الحوار
قال سفير السودان في أمريكا الأسبق خضر هارون بدأ الحصار بصورة فعلية في عهد الرئيس بيل كلينتون في منتصف العام 2000م وأن الاعتداء على مصنع الشفاء عطل انطلاق الحوار مبكراً.
قائلاً إن الأثر المعنوي والمادي كان واضحاً عقب رفع العقوبات وبدأت العلاقات تعود عبر قطاع التعليم العالي عبر نافذة الجامعات مضيفاً أن على الخارجية احكام التنسيق في الحوار مع أمريكا من أجل رفع السودان من قائمة الارهاب.

الصيحة.