الطيب مصطفى

وهل تُبنى الأوطان بالعواطف؟!


بكى بعض (الناس الحنان) وذرفوا الدموع السخينة و(اتنخجوا) تعاطفاً مع المدعو إبراهيم الماظ الذي ينتمي إلى دولة جنوب السودان لا لسبب إلا لأن السلطات قررت إرجاعه إلى بلاده بعد العفو عنه عقب اعتقال طويل جراء تمرّده وخوضه حرباً ضد الدولة السودانية، حين شارك في محاولة غزو أم درمان لإسقاط النظام وليس لإسقاط حكومة دولته (جنوب السودان).

تخيّلوا أن يشارك سوداني مع قوات المعارضة الجنوبية ضد حكومة سلفاكير ويُعتقل لسنوات وتقرّر حكومة الجنوب العفو عنه وإرجاعه إلى بلاده السودان.. أليس ذلك قمة الكرم الذي ينبغي أن تُشكر عليه حكومة الجنوب التي كان بإمكانها أن تُعدمه عقاباً له على تآمره ضدها، سيما وأنه أجنبي؟!

ماذا بربِّكم تظنون في جنوبيين ينتفضون غضباً على سلطتهم لأنها لم تمنح الجنسية الجنوبية لذلك السوداني الذي سعى لإسقاطها؟!

هذا بالضبط ما حدث من (المناضلين) السودانيين الذين هبّوا للدفاع عن الجنوبي إبراهيم الماظ مطالبين بأن يمنح الجنسية السودانية عوضاً عن إرجاعه إلى موطنه!!!

حجة أولئك المناضلين أن الماظ عاش عمره كله هنا في السودان!

في مصر القريبة عاش سودانيون ولدوا فيها ولم يروا السودان حتى اليوم ولكنهم لم يمنحوا الجنسية المصرية بالرغم من أنهم لم يتآمروا على مصر، ولم يتدخلوا في شأنها السياسي في أي يوم من الأيام، وهكذا الحال في معظم الدول العربية ودول الخليج والعالم الثالث التي لا تمنح جنسيتها للسودانيين، ولا لغيرهم، لكن (مناضلينا الحنان) يُصرّون على منح تلك (القنبلة الموقوتة) المُسمّاة إبراهيم الماظ الذي ثبت تآمره على الدولة السودانية، وتأكد حشر أنفه في شؤون السودان السياسية، ولا أحد يعلم ما يمكن أن يفعله في مقبل الأيام من تآمر وكيد.. يصرّون على استبقائه في السودان بعد العفو عنه و(كمان) منحه الجنسية السودانية.

هذا بالضبط ما حدث.. فقد قامت الدنيا وقعدت ودُبّجت العرائض من بعض المحامين اليساريين وأشباههم لمؤازرة الماظ احتجاجاً على قرار إرجاعه إلى موطنه، وليس إلى جهنم وبئس المصير، إذ أرغى المتعاطفون معه وأزبدوا لكي يبقى في السودان، بل لكي يُمنح الجنسية السودانية، ربما مكافأة له على سعيه لإسقاط الحكومة السودانية التي يبغضون!

أحد أولئك (المناضلين) أقحم (السوداني) عبد العزيز عشر الذي أطلق سراحه بعد العفو عنه، وقارن بين حاله وحال (الأجنبي) الماظ ليطلب نفس المعاملة للماظ، ثم قال إن بلادنا تكتظ بالأجانب الذين مُنح بعضهم الجنسية بدون استحقاق ومنهم لاعبو كرة قدم، أما الماظ فإنه، حسب (مناضلنا) الهمام، يستحقها (بالأصالة): (ما الذي يمنع منح الماظ جنسية وطنه الأم)؟! هكذا تساءل ذلك (المناضل الجسور).

ضحكت من هذا (الشعر) الذي يتبعه الغاوون!! إذن فإنه بنفس منطق (المناضل) الكبير: ما الذي يمنع منح كل الجنوبيين الجنسية السودانية سيما وأنهم لم يتآمروا كما تآمر الماظ فهم يستحقونها (بالأصالة)، ولذلك يجب إلغاء كل الإجراءات السابقة لاتفاق نيفاشا بل إلغاء نيفاشا كلها وكأنها لم تكُن، بل وإلغاء الاستفتاء على تقرير المصير حتى ولو أجمع فيه الجنوبيون على (فرز عيشتهم) من السودانيين الذين (كجنوهم) ورفضوا أن يضمهم معهم وطن واحد .

وهكذا يمضي أصحاب المنطق الأعرج في كل شأن وكل تصرّف من تصرّفاتهم الغريبة التي يحكمها شيء واحد هو الكيد السياسي.. ألم يتعاطفوا من قبل مع ذلك الشرطي الذي اقتحم اجتماعاً للمجلس التشريعي بولاية الخرطوم حضره النائب الأول رئيس الوزراء بكري حسن صالح وأخذ يصرخ (ويكورك) ويجأر بالشكوى داخل الاجتماع بحجة أن كشكاً يمتلكه صُودِر منه؟!

كتبتُ يومها مقرّعاً دعاة الفوضى ممن آزروا الرجل وتساءلت ما الذي سيحدث يا ترى لو استُجيب لذلك الشرطي الذي خرج على كل قواعد الانضباط العسكري المعمول بها ثم طلبتُ منهم، بدلاً من ذلك المنطق الغريب، العمل على حل مشكلة ذلك الشرطي المتظلّم بعيداً عن ذلك المنطق الفوضوي.

ذات الشيء تكرّر في أحداث أخرى مثل ما فعله بعض أصحاب (الحلاقيم الكبيرة) الذين اقتحموا قاعة المحكمة قبل أقل من شهر ليُحدِثوا جلبة وضجيجاً وعويلاً ضد حكم قضائي بالإعدام صدر ضد شاب قتل شرطياً، ولم يراع أولئك الحمقى مشاعر والديْ الشرطي الشهيد حسام، واللذين حضرا جلسة المحكمة بل قام الشاب القاتل بإلقاء خطبة (عصماء) داخل المحكمة دافع بها عن متمردي معسكر (كلمة) الذين لا أدري كيف عرف ما جرى لهم من داخل سجنه؟! يفعل الشاب ذلك بدلاً من أن يُبدي أسفه وندامته على فعلته النكراء بعد أن حُرِّض من كباره الذين أجازوا له ممارسة القتل وسفك الدماء والتطاول على القانون والقضاء والذين لا أدري كيف سيكون الحال لو أتت بهم الأقدار في يوم حالك حُكَّاماً على بلادنا المأزومة .. هل تراهم يغيرون مواقفهم ويبدلونها أم سيناصرون أتباع أحزابهم حتى لو كانوا قتَلة ومجرمين بالمخالفة للقضاء ولحكم القانون؟!

ذات الشيء حدث إبان أحداث جامعة بخت الرضا التي ثار فيها (المناضلون) تعاطفاً مع متمردّين قيل بالخطأ أنهم طلاب، وكان ينبغي أن يكون مكانهم السجون لا الجامعات.

أحداث كثيرة كلها يعكس أزمة أخلاق نخشى أن تهوي ببلادنا إلى مستنقع الحروب الأهلية التي انزلقت إليها بلاد أخرى في محيطنا الإقليمي كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، وكانت أكثر تماسكاً وترابطا من بلادنا التي تُعاني من الهشاشة والتمزُّق .

في أحداث سبتمبر 2013 احتجاجاً على رفع الدعم عن الوقود والتي ألهبت الشارع، وكنا قد شاركنا فيها واعتقِل اثنان من شباب منبر السلام العادل بل وصودِرت منا جراء موقفنا صحيفة (الانتباهة)، ثار مواطنو الخرطوم كما ثُرنا احتجاجاً، لكنهم انسحبوا من الشارع كما انسحبنا في اليوم التالي مباشرة بمجرد أن رأى الناس الحرائق المشتعِلة في المنشآت العامة والمتاجر والأسواق.

متى يُدرك (المناضلون) أن سكان العاصمة علموا مغزى ما يعنيه فقدان الأمن على بلادهم وأنهم، وقد عانوا من شظف العيش، لن يسمحوا بفقدان الأمن بعد أن شاهدوا نماذج صادمة في جوارهم الإقليمي، وفي بعض الأحداث التي اجتاحت عاصمتهم وبعض مدنهم.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة


‫4 تعليقات

  1. طبعا الأوطان لا تبني بالعواطف بل بالطريقة الاسلاميه السودانيه الخالصة وهي الكذب والتبرير والتذوير والتلفيق والسرقه والانانيه والرسالة الربانية الانبطاحيه وتفيت الأوطان والرقص علي جثث أهل دارفور والتنكيل فيما بقي من السودانيين بالفقر والضرائب وكل أنواع الفجور هذه حقيقه المشروع الكيزاني الفقر والجوع وسرقة الأوطان أليس كذلك أيها الخال الرئاسي

  2. الخال الرئاسى المنبطح من يتكلم ويدغدغ العواطف هو انت فانك ماهر فى ذلك من الذى بنى وطن، ام ان الدمار الذى الحقتموه بالسودان هو نهضة فى عواطفكم؟ وهل تريدنا ان نفهم انكم افرجتم عن الماظ كرما منكم؟ فكم من مرتد عن الاسلام افرجتم عنهم؟ وكم من مرتد عن الاسلام دافعتم عنهم بتحريركم شهادة نيابة عن دفاعه بانه مختل عقليا؟ ورفض دفاع المتهم شهادتكم تلك، ولو كنتم تمتلوكون قراركم كما قلت لاعدمتم الماظ وكل اؤلئك المرتدين فى ميدان عام، عزيزى الخال الرئاسى المنبطح ان رفع العقوبات الامريكية عنكم لم يمضى عليه شهر والحمد لله ان ذاكرتنا ليست خربه بهذا القدر لتوهمنا بانكم افرجتم عن الماظ كرما منكم ويحي ترامب ويسقط الخال الرئاسى المنبطح.